«الحَمُو».. خطر صامت يختبئ خلف روابط القرابة
في الصحيحين عن النبي
صلى الله عليه وسلم: «إياكم والدخول على النساء»! فقال رجلٌ من الأنصار: يا رسول
الله، أفرأيت الحمو؟ قال: «الحمو الموت»، ويُقصَد بـ«الحمو» أقارب الزوج من
الرجال، غير آبائه وأبنائه، فإن آباءه وأبناءه محارم لامرأته تجوز لهم الخلوة بها،
وإنما المراد إخوته وأبناء إخوته وأخواته وأعمامه وأبناؤهم، وغيرهم ممن ليسوا
بمحارم، وقد جرى العُرف الخاطئ على التساهل في خلوتهم بالمرأة، وهذا هو الخطر
بعينه، فإنهم أولى بالمنع من الأجنبي، وما يُقال عن أقارب الزوج يُقال عن أقارب
الزوجة.
وللأسف؛ فإنه في
زحمة العلاقات الأسرية وتعقيدات القرابة في حياتنا المعاصرة، ضعفت كثير من الضوابط
الشرعية الخاصة بالاختلاط في محيط العائلات؛ إما لضعف الوازع الديني وتراجع مفاهيم
الحياء والاحترام، أو لتأثر قيمنا الأسرية بالعادات الغربية التي لا ترى في مثل
هذا التعامل حرجًا، كما سهّل التوسّع في استخدام «السوشيال ميديا» التواصل بين
«الحمو» والنساء، من دون رقابة، ما تسبّب في وقوع الكثير من الفتن والشبهات، التي
تهدد استقرار الأُسر، وتضيِّع مفهوم الحُرمة.
الخطرُ خلف رابطة القرابة
في بعض البيوت،
يدخل أخو الزوج ويجلس مع زوجة أخيه، وربما يمازحها أو يسافر معها بدعوى «القرابة»،
ومع الوقت تضعف الحدود، ويذوب الحياء، ويُمهَّد الطريقُ إلى الانزلاق؛ لأن النساء
أعظم فتنة على الرجال، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما تركتُ بعدي فتنة
أضرّ على الرجال من النساء» (رواه البخاري)، وهكذا يتحول «الحمو» من قريب موثوق
إلى مصدر فتنة، و«خطر صامت يختبئ خلف روابط الدم»، فكم من بيوت انهارت لأن الزوج
أو الزوجة لم يقدّرا أن «الشيطان» ذا النفس الضعيفة لا يعرف قرابة ولا يرحم بيتًا
غافلًا، وقد اتبع هواه وجرى خلف شهوته؛ (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً {27}
يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً) (النساء).
من أجل ذلك، شدد
الإسلام في دخول هؤلاء الأقارب إلى البيوت، باعتبار دخولهم شرًّا؛ لتمكّنهم من
الوصول إلى المرأة من غير إنكار، ولسهولة التواصل معها بدعوى الألفة العائلية،
بخلاف الأجنبي، والمتعينُ في حقهم ألّا يدخلوا إلا في وجود المحارم، أو ما ينفي
الخلوة المحرّمة؛ تفاديًا لفقدان الثقة بين الأزواج وزوجاتهم، وضياع الغيرة التي
هي صفة المؤمنين.
الحديث النبوي.. تشبيهٌ صادمٌ
يحذّر النبي صلى
الله عليه وسلم في حديثه من «الحمو» كالتحذير من الموت؛ لما فيه من فتنة وهلاك،
واستقباح ومفسدة، والعرب، كما قال ابنُ حجر: «تصف الشيء المكروه بالموت، وجهُ
الشبه أنه موت الدِّين إن وقعت المعصية، وموت المُختلي إن وقعت المعصية ووجب
الرجم، وهلاك المرأة بفراق زوجها إذا حملته الغيرة على تطليقها»، هذا ولأن دخول
«الحمو» على المرأة، والتساهل في الحديث والجلوس والخلوة، أشد خطرًا من غيره؛ لأنه
مستتر لا يُرى في بدايته، ولأنه مستساغ اجتماعيًّا، فيُغْفَل غالبًا عن ضوابطه
الشرعية.
وما أحوجنا
اليوم لإعادة قراءة هذا الحديث بعين الوعي، في زمن الانفتاح وتلاشي الخصوصية، كدرس
متجدد في بناء الحواجز الأخلاقية التي تحفظ كيان الأسرة من التصدع، ومنع الشر قبل
وقوعه، وحماية الناس من أنفسهم قبل أن يلوموا القدر.
والتشبيه الصادم
في هذا التحذير النبوي ليس تعسيرًا ولا تشكيكًا في الأقارب، بل حماية للأُسر من
الانهيار، وصيانة المودة من أن تتلوث بالريبة، ولا مجال هنا للتذرع بالحرص أو
العفة، من جانب الرجل أو المرأة، فإن الإنسان في خلقته ضعيف، ولا أحد معصوم من
الشيطان، والذي يجري منه مجرى الدم، وله مداخل وحِيَل لا تُحصَى.
ضوابطُ شرعية وآداب اجتماعية
قد يتوهم البعض
أن وضع الحدود مع أقارب الزوج أو الزوجة يعني القطيعة وسوء الظن، وهذا خطأ، فصلة
الرحم واجبة، ولكن في إطار من الأدب والاحترام، كما أن حماية الأعراض أصل من أصول
الشريعة، فالتحذير من «الحمو» ليس تشددًا، وإنما تطبيق لمبدأ «سد الذرائع»، الذي
يعد من أنقى صور الحكمة التشريعية في الإسلام، و«الثقة» أمر مستحب في المجتمعات
الإسلامية، لكن حين تطلق بلا وعي تصبح بابًا للغفلة، فالنية الطيبة لا تعصم من
الوقوع في الزلل، وللوقاية من هذه المفسدة يجب الالتزام بالضوابط التالية:
- أن يضع الزوج
حدودًا واضحة لدخول البيت للأقارب، من غير المحارم، ومن دون حرج.
- وعلى المرأة
الالتزام بحجابها الشرعي أمامهم كما تحتجب عن الأجانب، وألا تختلي بهم في بيت أو
سيارة، وأن يكون حديثها معهم في حدود الأدب الشرعي.
- ومنوطٌ بالأهل أن يربُّوا أبناءهم على الغيرة والحياء، ومراعاة الحُرمات، لا على التساهل أمام القرابات، وأن الشريعة مقدمة على العادات الاجتماعية التي تستثني «الحمو» من هذه الضوابط، واعتباره خطأ «واحدًا من العيلة».
- وليحذر كل زوج
من التكنولوجيا الحديثة، التي أتاحت «الاختلاط الإلكتروني»، الذي يفضي إلى الفتن
لا محالة، ولا يحتاج إلى باب البيت ليدخل منه.
اقرأ
أيضاً:
الاختلاط.. تحرير
وتقرير وتعقيب
الحقوق
والواجبات بين الأزواج والزوجات