«سديه تيمان».. فضيحة أخلاقية تهز الكيان الصهيوني
أضحت قضية
المدعية العام العسكرية «الإسرائيلية» السابقة يفعات تومر يروشالمي الشغل الشاغل لـ«الإسرائيليين»
خلال الأيام القليلة الماضية، وما تزال، فما صحيفة أو موقع إلكتروني أو قناة
صهيونية إلا وأولت اهتمامها الجارف بتلك القضية، خاصة وأن نتنياهو قد اعتبرها أو
وصفها بـ«أخطر هجوم تعرضت له دولة «إسرائيل» منذ تأسيسها».
فبين عشية
وضحاها، أصبحت قضية يروشالمي حديث الساعة في «إسرائيل»، وذلك بعد تسريبها لمقطع
فيديو سري من سجن «سديه تيمان»، حيث تحولت إلى سلسلة من الأحداث المربكة والعاجلة
في آن، بدأت باستقالة مفاجئة للمدعية العام العسكرية «الإسرائيلية»، الجمعة،
وانتهت بالتحقيق الجنائي معها واعتقالها، الاثنين، والإسراع بتعيين بديل لها خلال
أيام قليلة فقط، الثلاثاء؛ في محاولة لغض الطرف عن الجرائم الصهيونية بحق الأسرى الفلسطينيين في السجون «الإسرائيلية»، أو الجرائم والانتهاكات الأخرى المشابهة بحق
الأهالي الفلسطينيين في الضفة الغربية، سواء من الجيش «الإسرائيلي» أو المستوطنين
الصهاينة.
تسريب يروشالمي.. جرائم صهيونية في معتقل «سديه تيمان»
يعود ملف يروشالمي
أو الفيديو المُسرب إلى يوليو العام الماضي، حينما قام جنود «إسرائيليون» بتعذيب
أسير فلسطيني والاعتداء عليه جنسيًا في معتقل أو سجن سديه تيمان؛ ما أدى إلى
إصابته بجروح خطيرة، وقبل عدة أيام اعترفت المدعية يروشالمي بأنها سمحت بتسريب
الفيديو الذي يوثق هذه الجرائم الصهيونية، وهو ما تناقلته عنها كل وسائل الإعلام
المنشورة باللغة العبرية.
الغريب أن وسائل
الإعلام المحلية والعربية والعالمية قد تداولت هذه القضية فور نشرها في نظيرتها
العبرية، دون الإشارة إلى أن هناك ما يزيد على 10 آلاف أسير فلسطيني، بينهم أطفال
ونساء، يقبعون في السجون «الإسرائيلية»، يعانون تعذيبًا وتجويعًا وإهمالا طبيًا،
كما سبق وأولت تلك الوسائل بجثامين الأسرى الصهاينة دون الالتفات إلى جثامين
الأسرى الفلسطينيين الذين أعادتهم «تل أبيب» وأغلبهم مقيدون ومعصوبو الأعين، وتبدو
عليهم آثار تعذيب ودهس بالدبابات!
وعلى الجانب
الآخر، كان طبيعيًا أن يلاحق رئيس أركان الجيش الصهيوني الجنرالُ إيال زامير،
المدعيةَ العامة العسكرية، ويعقد معها لقاء عاجلاً، ظهر الجمعة الماضي، خرجت منه
بإعلان استقالة فورية من منصبها، بالتوازي مع إعلان يسرائيل كاتس، وزير الحرب،
إقالتها وليس تقديم استقالتها، في ساعات قليلة، كانت قضية يفعات يروشالمي حديث
الساعة في «إسرائيل»، وذلك بحسب ما أفادت به صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، في 31
أكتوبر 2025م.
حرب شعواء على يروشالمي وسط البحث عن هاتفها
بيد أن نتنياهوقد اعترف في استهلاله للجلسة الحكومية الأسبوعية، الأحد 2 نوفمبر الجاري،
بالاعتراف بأن تسريب المدعية العام العسكرية يروشالمي لفيديو يوثق اعتداء جنود على
أسير فلسطيني في معتقل سديه تيمان سيئ السمعة، قائلاً: ربما هذا هو الهجوم الدعائي
الأخطر الذي مرت به دولة «إسرائيل» منذ قيامها، لا أذكر شيئًا مركزًا بهذه القوة،
هذا يتطلب تحقيقًا مستقلاً وغير تابع، وأنا أتوقع أن يتم ذلك.
ورغم اعترافها
بتسريب الفيديو، وتقديم استقالتها من منصبها، الجمعة الماضي، فإن وزير الحرب كاتس شنَّ
حربًا شعواء على المدعية العامة العسكرية، وصلت حد تجريدها من رتبها العسكرية،
وإقالتها من منصبها، رغم تقديم استقالتها مكتوبة، وهو ما نشرته «القناة 13»
العبرية (1 نوفمبر) وبعدها بعدة أيام أمر الوزير نفسه، باعتقالها؛ ولم يقف الأمر
عند هذا الحد، بل طالب بالبحث عنها لاعتقالها وهاتفها المحمول، بدعوى أنه (الهاتف)
يحتوي على أدلة مهمة قد تفيد الاستجواب، في إطار الشكوك الخطيرة المُحيطة بيروشالمي.
وكشفت «القناة
12» العبرية، الثلاثاء 4 نوفمبر، أن عشرات الغواصين والمتطوعين من وحدات بحرية
أخرى يواصلون عملية البحث في شاطئ هرتسليا عن الهاتف المفقود للمدعية العامة
العسكرية السابقة، بعدما أفادت يروشالمي بسقوط هاتفها الشخصي في تلك المنطقة، الذي
رجحت مصادر للقناة نفسها، أنه بمثابة محاولة إخفاء مواد تدين المدعية العامة
العسكرية، وربما أيضًا ضد عناصر أخرى.
لم تكتف «القناة
13» العبرية بتغطية عادية للحدث، ولكنها أكدت أن التحقيق الذي فتحه الجيش في تسريب
فيديو تعذيب الأسرى الفلسطينيين سيشمل العديد من المسؤولين الآخرين، منهم نائب
قائد الشرطة، إلا أن يروشالمي نالت نصيب الأسد في الاتهامات، رغم إشارة الكاتب
جدعون ليفي في مقال له بصحيفة «هاآرتس» العبرية، في 2 الجاري، بأن دفاعها المستميت
عن أخلاقية الجيش «الإسرائيلي»، على حد زعمه، من قبل لم يشفع لها محاولة تحسين
صورة هذا الجيش على طريقتها، قائلاً: لقد شرعنت يروشالمي جرائم جنود الجيش «الإسرائيلي»،
وعند أول عثرة سيحاسبك هذا الوحش (الجيش نفسه)، وقد كان.
وفور الإعلان عن
إقالة يروشالمي من منصبها، أو تقديم المدعية العامة العسكرية في «إسرائيل»
استقالتها، جرت مياه كثيرة في النهر، حيث أشعلت تلك الاستقالة حالة من الغضب في
الأوساط السياسية والإعلامية، خاصة أنها اتهمت بالمساهمة في كشف جرائم ارتكبها
جنود صهاينة بحق أسرى فلسطينيين، وحدث أن تلك الأوساط قد وصمت يروشالمي بأنها
ارتكبت جريمة بحق «الإسرائيليين» وجيشهم.
ما حدا بوزير
الحرب كاتس إلى عقد اجتماع عاجل مع رئيس الأركان إيال زامير للتغطية على يروشالمي
وترشيح مدعٍّ عام عسكري جديد، شريطة أن المدعي الجديد يجب أن يكون قادرًا على
مواجهة التحديات الكبيرة التي تواجه النيابة العسكرية في الوقت الحاضر، وفي
مقدمتها حماية جنود الجيش «الإسرائيلي»، وهو ما نقلته «يديعوت أحرونوت» العبرية عن
كاتس في تعليقه على إقالة المدعية يروشالمي.
توالت ردود الفعل
الغاضبة من يروشالمي والمؤيدة لوضعها قيد الاحتجاز وتقديمها للمحاكمة، ووصل الأمر
حد مطالبة أعضاء كنيست وإعلاميين صهاينة إلى المطالبة بإلغاء رتبة المدعية
العسكرية على الفور وحرمانها من جميع حقوقها، قبل إعلان الجيش «الإسرائيلي» هذا
القرار، فعليًا، فيما بعد بزعم أن يروشالمي قد أضرت بالسمعة الطيبة لدولة «إسرائيل»،
داعين إلى أن مَن يشوه سمعة جنود الجيش «الإسرائيلي» في جميع أنحاء العالم، يجب
طرده بعار من الإطارين العسكري والمدني، على حد وصفهم.
واعتبر البعض،
مثل رئيس الوزراء الأسبق نفتالي بينيت، ما قامت به يروشالمي من فضح للجيش «الإسرائيلي»
بمثابة الحادثة الخطيرة للغاية التي تؤدي إلى تقويض ثقة «الإسرائيليين» بقادة
الجيش الكبار؛ بينما نعتها برلماني «إسرائيلي» آخر بأنها مجرمة، على حد تعبيره.
الثابت أن تصريح
يسرائيل كاتس والقاضي بأن هذه قضية خطيرة أحدثت إهانة فاضحة لجنود الجيش في أنحاء
العالم، فكل من ينشر افتراءات دموية عن جنود الجيش «الإسرائيلي» لا يستحق ارتداء
الزي العسكري، قد تداولت على لسان أكثر من مسؤول سياسي أو قائد عسكري سابق وإعلامي
فيما بعد، وانتشرت تلك المقولة كانتشار النار في الهشيم، وكأن الصهاينة قد وجدوا
ضالتهم في المدعية العامة العسكرية للتنكيل بها وغض الطرف عما يجري من جرائم وحشية
بحق الأسرى الفلسطينيين في السجون «الإسرائيلية».
لذلك، مع
الإسراع بتعيين إيتاي أوفير بدلاً من يفعات تومر يروشالمي في منصب المدعي العام
العسكري، الثلاثاء 4 فبراير الجاري، بحسب هيئة البث «الإسرائيلية»، قال كاتس: على
أوفير ألا يبادر ويشارك في تشوه صورة الجنود أو المس بكرامتهم أو تعرضهم للملاحقة
في العالم كله.
من هنا، فإن
المؤسسة العسكرية «الإسرائيلية» اهتزت لمجرد نشر فيديو أظهر حقيقة الكيان
الصهيوني، ورغم مساهمتهما في تجمل صورة الجيش الصهيوني طيلة سنوات طويلة، تخطت ربع
قرن في منصبها بالادعاء العسكري، فإنه تم توجيه جملة من الاتهامات ليروشالمي، على
رأسها الاحتيال وخيانة الأمانة وإساءة استخدام المنصب العسكري، وإعاقة العدالة؛ ما
استدعى بوزير الحرب إلى وضعها رهن التوقيف الاحتياطي لاستكمال التحقيقات في
القضية.
تمثل يروشالمي
حجر الزاوية في الأيام الراهنة، خاصة أنها كشفت عن مدى اهتزاز وهشاشة المؤسسة
العسكرية الصهيونية، وأظهرت التباين الواضح بين المؤسستين السياسية والعسكرية،
ويبدو أنها ستصبح كرة بيد المؤسستين لفترة من الزمن، كما أن تلك القضية الآنية
تتجاوز بكثير قضية تسريب فيديو لتعذيب أسير فلسطيني!