مع دق طبول التحذير من تغير المناخ، واستمرار تصاعد الحديث عنه في الفترات الأخيرة، أكد عميد الإعجاز العلمي للقرآن الكريم د. زغلول النجار، في حوار لـ»المجتمع»، أن القرآن الكريم سبق العالم منذ 1400 سنة في التحذير من التغير المناخي عبر الإفساد في الأرض، كما كان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أول من دعا إلى الثورة الخضراء وتخضير الأرض التي ينادي بها دعاة مواجهة تغير المناخ.
الفساد يدمر المناخ والاهتمام بالبيئة واجب إيماني
ودق د. النجار جرس الإنذار، خلال الحوار، خاصة من ظاهرة الاحتباس الحراري، مؤكداً أن العالم يكتب نهايته بيده إذا لم يعد إلى الله ويستمع لتعاليمه عز وجل قبل فوات الأوان.
في الفترة الأخيرة، ظهر اهتمام لافت في المنتديات الدولية والعربية بفكرة التوحد في مواجهة تغير المناخ، كيف ترى التوحد على الاهتمام بالبيئة من منظور القرآن الكريم؟
– يقول الله تبارك وتعالى في محكم التنزيل: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (البقرة: 30)، وفي هذا النص القرآني تأكيد أن الله عز وجل قد استخلف الإنسان في الأرض، وأنه مطالب في تلك الفترة بحسن القيام بواجبات الاستخلاف؛ وذلك بعمارة الأرض وإقامة العدل فيها، وعمارة الأرض تكون بالمحافظة على صفاتها الفطرية التي فطرها الله سبحانه وتعالى عليها؛ لأنه هو الخالق الذي أحسن كل شيء خلقه، وخلق كل شيء بقدر، وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى، وقدَّره تقديراً محكماً دقيقاً يجعل من الخروج عليه إفساداً في الأرض، وهو عز وجل لا يحب الفساد.
القرآن سبق العالم في التحذير من التغير المناخي
والقـرآن الكريم يؤكد علم الله تعالى بأن هناك من بني الإنسان من سوف يخون الأمانة ويفسد في الأرض إفساداً كبيراً، وأن الله تعالى سوف يذيق هؤلاء ببعض الذي عملوا لعلهم يرجعون إليه، ويتوبون عــن إفسادهم المادي والمعنوي على ظهر هذا الكوكب قبل فوات الأوان، وفي هذا يقول المولى تبارك وتعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم: 41).
وبناء على ذلك، فإن الاهتمام بالبيئة واجب إيماني وإنساني، ومسؤولية الإنسان عن الأرض مسـؤولية كاملة عـن جميـع مكوناتها الصخريـة، والمائيــة، والهوائية والحياتية، التي يطلق عليها في مجموعها تعبير “البيئــة”، وهي كل ما يحيط بالإنسان مــن مختلف صور المادة والطاقة والأحياء، ومــن نظم اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية ودينية، والإنسان المسـتخلف علـى الأرض مؤتمن على بيئتهـا، ومسـؤول أمام الله عز وجل وأمام الناس عـن المحافظة عليها، وانطلاقاً مـن ذلـك؛ فـإن الاعتـداء علـى أي مـن مكونات البيئـة المادية أو المعنوية هـو مخالفة شـرعية يؤاخذ الله تعالى الواقع فيها، ويجـب أن تكـون مخالفة قانونية يعاقَب المسؤولون عليهـا، ولعل النداءات المتكررة لمواجهة تغير المناخ تتواكب مع النداء الإلهي، وحتى وإن جاءت متأخرة، ولكن أفضل من استمرار الاعتداء دون انتباه وتصحيح.
الرسول الكريم أول من دعا إلى الثقافة الخضراء
هل اعتنى القرآن بمسألة تغير المناخ؟ وهل هناك دلالات حول مسألة المناخ سبق فيه القرآنُ العالمَ في دق التحذير ولفت الانتباه؟
– الإعجاز العلمي في القرآن الكريم لا ينضب، وفي هذا الإطار نورد لكم الآيات التالية: قال تعالى: (اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ) (الرعد: 8)، وقال تعالى: (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) (طه: 50)، وقال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر: 49).
ويتضح للمتأمل في النفـس الإنسانية وفي الأحياء والجمادات مـن حولنا وفي الأرض ومـا حولها مـن أجرام السـماء أن الله تعالى خلـق كل شيء بدقة بالغة، وقوانيـن محكمة وسنن ثابتة لا تتغيـر ولا تتبـدل، حتـى يأتي أمر الله وتنفصم عرى هـذا الكون فيزال من الوجود بكل ما فيه ومن فيه.
إنقاذ الكون يأتي عبر العودة إلى الله تعالى بعمارة الأرض والعدل
وعلى ذلك، فإن القرآن يحمِّل الإنسان ذلك المخلوق العاقل المكلف صاحب الإرادة الحرة المسؤولية الكاملة عن أي اضطراب أو خلل في بيئته ببعيدها المهنوي والمادي، وذلك لأن الله تعالى قد أتقن كل شيء خلقه وقدره تقديراً محكماً دقيقاً، وهداه بالفطرة والإلهام إلى الحق، وفي ذلك يقول الله سبحانه: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ) (الأعراف 10).
لقد سبق القرآن الكريم العالم منذ 1400 سنة ويزيد في التحذير من مغبة الإفساد في الأرض وتغير المناخ والعبث بالبيئة، فهل من إذعان للخالق تبارك وتعالى؟!
الحديث عن نهاية العالم مستمر مع تغيير المناخ، هل هما متفقان وفق الدلالات الإشارية ومواطن الإعجاز العلمي في القرآن؟
– العالم يكتب نهايته بيده طالما لم يرجع إلى الله عز وجل وينيب إليه ويقيم تعاليمه ويلتزم بعمارة الأرض وبالعدل، وهنا يقول تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
الكون مهدد بالجفاف وزيادة العواصف والحرائق والأمراض
وننظر إلى التحذير الإلهي البليغ في الآية (27) من سورة “البقرة”: (الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)، فالخسران مصير الإفساد وهو ما يحيا فيه العالم في هذه الأيام، وقد سجله القرآن الكريم بدقة بالغة في الآية (205) من ذات السورة (البقرة) حين يقول تعالى واصفاً هؤلاء المفسدين في الأرض قائلاً: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ).
والمؤتمرات اليوم تتحدث مضامينها ودعواتها لحماية البيئة ومواجهة تغير المناخ تحت ظلال آية قرآنية بليغة وواضحة، حيث قال الله تبارك وتعالى: (وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ {151} الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ) (الشعراء).
التخلص التدريجي من الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري، والتحول إلى الطاقة المتجددة بنسبة 100% مطالب متكررة من منتديات مواجهة تغير المناخ، هل لها صدى في الدلالات الإشارية للقرآن الكريم؟
– ما زالت الآية القرآنية الكريمة (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) تحدثنا عما نحياه فيه، ومن أخطره ظاهرة الاحتباس الحراري المدمرة.
إن الإنسان يحرق أكثر من 100 مليون برميل نفط في السنة، بالإضافة إلى تريليونات الأقدام المكعبة من الغاز، و80 مليون طن من الفحم، وهذا يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة في الجو، وانصهار الجليد، ورفع منسوب الماء في البحار والمحيطات مما يغرق المناطق المنخفضة على طول شواطئها، ويعرض الأرض للجفاف ويزيد من عدد العواصف وينشر الحرائق والأمراض.
النبي الكريم كان أول من دعا إلى الثقافة الخضراء التي يسعى لها مواجهو تغير المناخ الآن، كيف ترون الأمر؟
– بالطبع، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً أَوْ يَزْرَعُ زَرْعاً، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَنَى بُنْيَاناً مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ وَلا اعْتِدَاءٍ، أَوْ غَرَسَ غَرْساً فِي غَيْرِ ظُلْمٍ وَلَا اعْتِدَاءٍ كَانَ لَهُ أَجْرٌ جَارٍ مَا انْتُفِعَ بِهِ مِنْ خَلْقِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى».
وذهب النبي الكريم إلى أبعد من ذلك، حينما قال: “إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ”.
وعلى هذا وغيره الكثير، يعد النبي باعث الثقافة الخضراء منذ بعثته والداعي لها، وهو ما يجب أن ينتبه له الغرب جميعاً، هذا الانتباه يتبعه التكريم والتقدير واتباع منهجه وقراءة الإسلام من جديد فهو طوق النجاة مما نحيا فيه.
ما واجب المسلمين، إذن، في مواجهة تغير المناخ لحماية البيئة؟
– واجب المسلمين وغير المسلمين الإحسان في الأرض، والإعمار لا الإفساد وتخريب الكون، ولا بد من التأكيد على ضرورة التوجه إلى مصادر الطاقة غير الملوثة من مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والحرارة الأرضية وطاقة المد والجزر.
وأقول للمسلمين: طبقوا تعاليم السماء في حماية البيئة؛ كل بيئة، ففيها الحياة والنجاة، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (الأنفال: 24).
في الختام، هناك تغير مناخي في أشياء كثيرة بجانب الطقس، حيث يتحدث البعض عن تغير اجتماعي وأسري واقتصادي وسياسي.. بماذا تنصح المسلمين في هذه اللحظات؟
– أطالب المسلمين كافة بالعودة إلى كتاب الله تعالى وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتحكيمهما في ضبط سلوك المجتمعات الإنسانية.