روزا بيرملي (*)
ترجمة- جمال خطاب:
على الرغم من أن أذربيجان أوضحت نواياها السلمية، فإن أرمينيا لا تزال متعنتة في حملتها الاستفزازية وزعزعة الاستقرار.
يقال: إن «المنطقة الرمادية» في العلاقات الدولية موجودة دائماً في الفضاء الواقع بين الحرب والسلام، ورغم أن تعريف هذه الظاهرة لم يتم الاتفاق عليه بشكل كامل من قبل المجتمع الدولي، فإن «المنطقة الرمادية» تظهر عندما تقوم دولة ما بالتحريض من خلال حملات سرية من القمع، وتؤدي هذه المرحلة الوسيطة الغامضة إلى ظهور مجموعة متنوعة من التكتيكات العدائية اقتصاديًا واجتماعيًا، بدءًا من الهجمات السيبرانية وحملات التضليل، إلى عمليات المرتزقة والتهديدات، وهناك أيضاً الاغتيالات المستهدفة، التي تهدف إلى تعطيل الخصم أو زعزعة استقراره أو إضعافه أو تخويفه من خلال استغلال أي نقاط ضعف في الدولة المستهدفة.
ويمكن القول: إن «المناطق الرمادية» كانت دائماً جزءاً من المنافسة الدولية؛ حيث طاردت القوى العظمى بعضها بعضاً من خلال الحروب بالوكالة، وحركات التمرد المزعزعة للاستقرار، والحرب القانونية وحرب المعلومات لعدة قرون، ولكن مع قدوم العصر النووي، ومع ارتفاع أخطار التصعيد إلى الحرب المفتوحة لتشمل التهديد بالانقراض التام، بدأت البلدان في تعزيز أهدافها الوطنية بشكل يكاد يكون حصرياً من خلال أعمال عدوانية محدودة النطاق يتم تنفيذها بعناية وسرية.
تكتيكات «المنطقة الرمادية»
خلال الحرب الباردة، اعتمدت الكتلتان الشرقية والغربية في المقام الأول على حيل نموذجية لما يسمى «المنطقة الرمادية»، ومنذ ذلك الحين، ومع تقدم العولمة وظهور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، تضاعفت الوسائل المتاحة ونواقل الهجوم بشكل كبير، وأصبح احتمال إساءة الاستخدام في عصر الحداثة المترابطة والشفافة يكاد يكون لا نهائيًا.
تعدد «The Cove»، وهي منصة للتعليم العسكري الاحترافي تابعة للجيش الأسترالي، أنشطة «المنطقة الرمادية» المعاصرة، وهي التدخل في السياسة الداخلية للدولة، والتلاعب بوسائل الإعلام، ونشر المعلومات المضللة، وانتهاك الحدود السيادية للدولة، والتطفل السيبراني على الحكومة والصناعة، وشبكات الكمبيوتر والتجسس والتدخل الأجنبي والخطاب العدائي في الدبلوماسية، وتقدم السياسات الدولية التي تنتهجها الصين وروسيا عدداً كبيراً من الأمثلة على مثل هذه التكتيكات.
في فبراير ومارس 2014م، نجح الاتحاد الروسي في تنفيذ حملة «المنطقة الرمادية» الضخمة التي تضمنت ضغوطًا اقتصادية كبيرة، ونشر معلومات مضللة، والتلاعب بالشبكات الاجتماعية ووسائل الإعلام، ورشوة الأشخاص الرئيسين، والمناورات الدبلوماسية قبل نشر قوات عسكرية على الإطلاق على الأرض في ضم شبه جزيرة القرم.
ووصف المحلل والكاتب المقيم في المملكة المتحدة في قضايا الأمن الأوروبي، بن نيمو، سياسة «المنطقة الرمادية» التي تنتهجها روسيا في شبه جزيرة القرم بأنها نموذج رباعي الأبعاد:
– الرفض: إضعاف الهدف وتشويهه وإنكار الحقيقة وتشويه سمعة النقد.
– التشويه: تزييف الحقائق وتلفيق الأدلة.
– تشتيت الانتباه: الرد على اتهامات العدوان من خلال اتهامات مضادة ضد النقاد (المعروفة أيضًا باسم ماذا عن؟).
– التهديد والإرهاب: تهديد المعارضة بالانتقام الشديد والعواقب الكارثية.
تتجلى تكتيكات «المناطق الرمادية» أيضًا في إستراتيجيات جيش التحرير الشعبي الصيني الحرب غير المقيدة والحروب الثلاث، التي تمزج بين الخطوط الفاصلة بين الحرب والسلم من خلال تعزيز الوسائل السياسية والقانونية والاجتماعية غير العسكرية لتحقيق الأهداف الوطنية.
تكتيكات المنطقة الرمادية الأرمينية
بعد حرب وحشية في أوائل التسعينيات، ظلت منطقة كاراباخ في جمهورية أذربيجان تحت احتلال أرمينيا لمدة 30 عامًا، وأُجبر ما يقدر بنحو مليون من العرقية الأذربيجانية على ترك منازلهم، بينما زرع الجانب الأرميني ألغامًا على آلاف الأميال المربعة، من الأراضي الأذربيجانية المحتلة حول مجتمع صغير من الأرمن العرقيين المتصلين بجمهورية أرمينيا عبر طريق واحد يسمى «لاتشين-خانكيندي»، تم تسجيل ما مجموعه 3385 ضحية للألغام الأرمينية من قبل وكالة الأعمال المتعلقة بالألغام في جمهورية أذربيجان منذ عام 1991م.
كان ينبغي أن تعني نهاية حرب كاراباخ الثانية في نوفمبر 2020م انسحاب الجيش الأرميني وإزالة الألغام من منطقة كاراباخ في أذربيجان، ولكن ما حدث بدلاً من ذلك، منذ نهاية الحرب، أن قائمة ضحايا إرهاب الألغام الأرمينية قد زادت بأكثر من 300 شخص -251 جريحاً و55 قتيلاً- حيث واصلت القوات شبه العسكرية الأرمنية التي تعيش في منطقة كاراباخ بجمهورية أذربيجان نصب الفخاخ على طول محيط المنطقة في الأراضي المحررة، كما أفاد حكمت حاجييف، مستشار الرئيس الأذربيجاني، ولا شك أن سياسة الإرهاب المنهجية هذه، التي تجلت بشكل أكبر في رفض الجانب الأرميني تقديم خريطة كاملة لحقول الألغام إلى أذربيجان، ليست سوى مظهر واحد من مظاهر النسخة الأرمينية من تكتيكات المنطقة الرمادية.
وفي نهاية الحرب التي استمرت 44 يومًا، استعادت أذربيجان السيطرة على معظم الأراضي المحتلة سابقًا، واعترف رئيس وزراء أرمينيا علنًا بسلامة أراضي البلاد، وهكذا، أصبح الأرمن الذين يعيشون في منطقة كاراباخ بجمهورية أذربيجان مواطنين قانونيين كاملين في الجمهورية، ومع ذلك، فقد ثبت أن دمج الأرمن العرقيين في الطيف السياسي والاقتصادي والاجتماعي للحياة في أذربيجان أمر مستحيل طالما استمر الجانب الأرميني في اعتداءاته المستمرة من خلال تكتيكات المنطقة الرمادية.
حملة التضليل الأرمنية
كجزء من حملة تضليل، ابتداءً من يونيو 2023م، اشتكى الأرمن إلى المجتمع الدولي بشأن الحصار المزعوم الذي يجعل توصيل الغذاء إلى المنطقة مستحيلاً، متجاهلين حقيقة أن دخول المساعدات من أذربيجان كان محظورًا، تم منعها من قبل السكان الأرمن في كاراباخ الذين قاموا بإغلاق طريق «أجدام-خانكيندي» بالكتل الخرسانية، وعلى الرغم من ذلك، أرسلت جمعية الهلال الأحمر الأذربيجاني، في 29 أغسطس، مساعدات إنسانية من باكو تحتوي على 40 طنًا من منتجات الدقيق لتلبية احتياجات الأشخاص من أصل أرمني الذين يعيشون في كاراباخ على طول طريق «أجدام-خانكيندي»، لكن الشحنة تم رفضها مرة أخرى.
الأرمن المحليون، الذين تم تضليلهم بالخطاب التخريبي للقيادة الأرمينية، رفضوا بشكل قاطع جهود الإغاثة المعروضة ورفضوا المفاوضات المباشرة مع الحكومة الأذربيجانية، وبتشجيع من الدعاية القومية الأرمينية، انتهك السكان الأرمن أيضاً الاتفاق الذي يقضي بفتح طريقي «أجدام-خانكيندي»، و«لاشين-خانكيندي» في وقت واحد في الأول من سبتمبر.
وقد ذكرت أذربيجان مراراً وتكراراً أن السكان الأرمن في كاراباخ هم مواطنون أذريون، وأنها لا ترغب في تسييس مسألة إيصال المساعدات الإنسانية، وفي الوقت نفسه، لن تسمح أذربيجان بوجود انفصاليين داخل حدودها.
ويعد دمج السكان الأرمن في كاراباخ مع سكان أذربيجان خطوة مهمة نحو إحلال السلام الدائم في المنطقة، ولذلك فتدخل أرمينيا في عمليات السلام من خلال الدعاية المدمرة يؤدي إلى تفاقم التوترات في المنطقة بلا داع، قبل حرب كاراباخ الأولى، تم توثيق أن الأذربيجانيين والأرمن عاشوا في سلام ووئام كجيران في كاراباخ تاريخياً، ويعيش حالياً الروس والجورجيون وممثلو العشرات من الأقليات القومية في أذربيجان كأعضاء كاملي العضوية في المجتمع، والشعب الأذربيجاني على استعداد للترحيب بعودة الأرمن في كاراباخ إلى الحظيرة الأذرية، وعلاوة على ذلك، فإن استخدام طريق «أجدام-خانكيندي»، وهو طريق فعال للخدمات اللوجستية والنقل، من شأنه أن يمنح الأرمن في كاراباخ إمكانية الوصول إلى جميع أسواق أذربيجان، فضلاً عن البلدان المجاورة.
ورغم أن أذربيجان أوضحت مراراً وتكراراً نواياها بشأن إحلال السلام على الحدود، فإن أرمينيا تظل متعنتة في حملتها الاستفزازية وزعزعة الاستقرار في المنطقة الرمادية الغادرة.
_______________________
(*) مستشارة في مركز تحليل العلاقات الدولية (AIR Center)، باكو، أذربيجان.
المصدر: «News-Az».