دخل شهر فبراير ومعه أصبح العقل «حايراً وطايراً»، فبعد مرور ما يقارب أربعة شهور من انطلاق الحرب الإرهابية على قطاع غزة من قبل الكيان الصهيوني الغاصب، ومن يقف خلفه من قوى الشر والاستبداد من مشرق الأرض ومغربها، أصبحنا لا نستطيع التعرف عل أنفسنا، فكأننا نحن من تشوهت وجوهنا وأصبحت دون معالم، بل وكأننا نحن من أصبحنا تحت الأنقاض ولا نستطيع الخروج من تحت ركامها، فما نعيشه اليوم من تيه وضياع في تحديد البوصلة تجاه التعامل مع الحرب وما يجب أن يصاحبها من مواقف أمر يجلب الخوف والقلق على إنسانيتنا ومروءتنا.
شهر فبراير لنا نحن في الكويت له خصوصية كبيرة، ففيه الذكرى السنوية التي أنجانا الله بها من الغزو العراقي في عام 1990م، وهذه الذكرى بمثابة الدروس المتحركة في حياتنا اليومية، بل هي الذكرى التي كلما حلت تجعلنا نشعر بكل من تعرض للاحتلال والغزو والغدر من شعوب الأرض، فأبشع احتلال عرفه التاريخ هو احتلال من ليس له حق لأرض أصحاب الحق، فالصهاينة المعتدون حين قرروا احتلال أرض فلسطين سال لعاب الخونة والعملاء في التمهيد لذلك وتمكينه، وفي الوقت نفسه قد جرت سيول كثيرة من دموع مَن تم تهجيره وطرده من أرضه دون وجه حق، ونحن قد عشنا الحالتين حين رأينا بأم أعيننا كيف سال لعاب الخونة والغادرين، وشعرنا بحرارة الدموع التي هطلت من العينين وتجرعنا مرارتها، بل قاسينا الأمرّين من احتلال وغربة حتى عاد لنا الوطن وعدنا إليه بحمد الله.
فبراير يا فبراير، لا تظن أننا أعداء للفرحة وإدخال السرور على كل بيت في الكويت، وأننا نريد لمجتمعنا أن يعيش حالة البؤس والحزن عل الدوام، ولكن موقفنا واضح منذ سنوات طويلة حول كيفية شكر النعم، فلم تكن يوماً الزيادة التي رغب الله بها الشاكرين ووعدهم بها ستأتي بالمعاصي والتبذير ومحاربة القيم والأخلاق والفضيلة ومخالفة أوامره، فموقفنا من الحفلات الغنائية وما يصاحبها من تعدٍّ على حرمات الله تعالى وحدوده أمر مرفوض جملةً وتفصيلاً، ولكن ما يجعلنا في هذه السنة أكثر حرصاً على أن نكبت مظاهر فرحنا ونكبح جماح رغباتنا في إظهارها هو ما يحصل من جريمة منظمة وممنهجة في أرض إسلامية عربية لي ولك حق فيها، وعليّ وعليك وعلى سائر الأمة واجب شرعي في استرجاعها وتحريرها، فقطاع غزة وما يتعرض له من إبادة جماعية بوحشية وإرهاب تحت غطاء المجتمع الدولي قطعاً يرغمنا على العيش بطريقة لم نكن نتعود عليها.
إن الكويت التي عرفناها في نهايات عام 2023م التي أصدرت قراراً عبر مجلس وزرائها بإيقاف جميع مظاهر الفرح والاحتفال تقديراً للظرف الحاصل في فلسطين، والتي وجهت كذلك المساجد نحو القنوت في الصلوات، لا نتوقع منها النكوص والرجوع إلى الوراء في مواقفها النبيلة، بل حينما قلّ لغزة وفلسطين المعين والناصر، وكثر على أهلها الخائن والغادر، فإننا نتوقع من الكويت تقدماً أكبر في مواقفها تجاه قضية الإسلام والمسلمين الكبرى، فكيف يطيب لنا أن يتراقص في بلدنا أبناء الإسلام والمسلمين على أصوات الغارات والاعتداءات؟! بل كيف تجرى المواويل وهناك من يتجرع ويلات ألم الفقد والجوع والخوف والنزوح، فالوقت الذي أصبحت معركة «طوفان الأقصى» خير مربٍّ لأجيال أمتنا في الأقوال والأفعال والاهتمامات، لا نريد أن نكون كالتي تنقض ذلك الغزل والنسيج بيديها، ولا نريد أن نعطي الفرصة للشامتين بالكويت أن يشمتوا ويتهامسوا فيما بينهم أننا قد نكصنا على أعقابنا وأخذنا الطبلة والمزمار وبدأ العزف في ديارنا دون مراعاة لذلك الدمار، فكلنا أمل أن توقفوا الاحتفالات ولكم من الله الأجر والمثوبة على هذا القرار.