سبب هذا المنشور ما وجدته من تفاعل مشكور من قبل القراء على سؤال طرحته على صفحتي الخاصة بـ”فيسبوك”، وهو:
إذا طُلب منك أن تقدم تعريفاً بالإسلام في خمس دقائق أو يزيد فماذا ستقول؟
وجاءت تعليقات نافعة وقيمة، فشكر الله القراء الأعزاء على حسن تجاوبهم.. أطرح هنا نقاطاً مهمة حول هذا السؤال:
كيف نُقدم تعريفاً بالإسلام في عالمنا المعاصر، سيما في أوروبا؟
ما الملامح العامة التي ينبغي أن نستحضرها عندما نقوم بعرض حقائق الإسلام لغير المسلمين أو للمسلمين أنفسهم؟
أُجْمل القول في النقاط التالية:
١- التعريف بالإسلام علم وفن وخبرة ومهارات، وهو حقيق بأن يكون تخصصاً تُعقد له الدورات وورش العمل وتُؤلف فيه الكتب، خاصة ونحن نعيش في عالم مفتوح سريع التغير كثير التعقيدات، كثرت فيه الشبهات حول الإسلام وشريعته، والقرآن الكريم ورسالته، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وسيرته، وهو يواجه كيداً من خصومه يمكرون الليل والنهار، وتقصيراً من أبنائه في فهم رسالته وحسن البيان كما تقتضي طبيعته الحنيفية السمحة.
ملاحظة: ما تكرم به الإخوة والأخوات وسادتنا المشايخ من مشاركات في نظري نأخذ منه بحسب مقتضى الحال، فحديث جعفر بن أبي طالب أمام النجاشي يصلح كقواعد عامة، وقد تضمن شرحاً رائعاً لرسالة الإسلام، وكلام ربعي بن عامر لا يصلح لكل مخَاطَب ولا كل مناسبة وإن تضمن مقصداً عظيماً من مقاصد الشريعة كالحرية، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلمس عند كل مُخَاطَب ما يناسب عقله وحاله.
٢- من القواعد المقررة عند العلماء أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال والعرف والعوائد والنيات، كما أشار إلى ذلك الإمام ابن القيم في “إعلام الموقعين”، ولنا أن نقرر أن خطاب التعريف بالإسلام يتغير بتغير العصر والبيئة والأشخاص والظروف الخاصة والعامة.
– فإن كنتَ تجلس مع مجموعة من الشباب وأردتَ أن تتحدث عن الإسلام فلا بد أن تعرف كيف يفكرون وماذا يشغل بالهم وما اهتماماتهم، ربما تختار الحديث عن عناية الإسلام بالشباب، الإسلام والصحة، السعادة من منطلق إسلامي، الرياضة والترفيه من منظور إسلامي.
– وإن تحدثتَ مع طلبة العلم من الباحثين فينبغي أن تختار الداعية أو الكتاب الذي يبرز مكانة العلم والمعرفة في القرآن الكريم والسُّنة الشريفة.
– وإن كنتَ متحدثاً مع مجموعة من النساء فيمكن أن تختار منزلة الأم والبنت والزوجة والأخت والعمة والخالة في الإسلام، رافضاً الظلم الذي يقع عليها باسم الشريعة مُظهراً العدالة التي تحكم العلاقة بين الرجل والمرأة من خلال نصوص الكتاب والسُّنة.
– وإن تحدثتَ مع قادة سياسيين فحدثهم الرسول صلى الله عليه وسلم القائد المفاوض الذي أسس دولة المواطنة الكاملة.
– فإن جمعك لقاء مع كبار السن والعجزة فحدثهم عن الأمل وعن مكانة الكبير وضرورة توقيره وتقديره وأن له حق الوفاء من الجيل الجديد لقاء ما أفنى زهرة عمره في خدمته.
– وحين يجمعنا لقاء مع متعددي الأديان من أهل الكتاب وغيرهم فيجب أن نوسع دائرة المتفق عليه والمشترك الإنساني مستشهدين بالآيات الجامعة للقيم الأخلاقية الكبرى.
إن الإسلام يحفل دوماً بمكارم الأخلاق، وقد أمر أتباعه أن يبحثوا عن الحكمة وينتفعوا بها أنى وجدوها.
– والخطاب الموجه للملحدين يختلف عن أهل الكتاب.
– وخطاب الطائع من المسلمين بخلاف العصاة، وتذكر قوله تعالى: “نبئ عبادي”، “وقل يا عبادي”.
وماذا عن فقه المناسبات؟
يجب أن يتفاعل المسلم مع المناسبات العامة للمجتمع والخاصة للأفراد، وأن يسجل فيها حضوراً يخدم رسالته ويسعد من حوله.
وقد قال العلماء: البلاغة هي: رعاية مقتضى الحال.
هناك مجموعة من المناسبات والأعياد علينا أن نظهر كلمة الإسلام فيها قولاً وعملاً، أذكر منها:
– يوم الوحدة الألمانية 3 أكتوير، مع أهمية معرفة تاريخ الحدث لنستفيد في خطابنا على المنبر أو المحاضرة أو ما نكتب.
– يوم المرأة العالمي.
– يوم الطفل.
– يوم البيئة.
– أيام رفض العنصرية.
– يوم رأس السنة الميلادية.
– يوم الجار.
ويحسن أن نطلق مبادرات مصاحبة لهذه المناسبات فنجمع بين التنظير والتطبيق.
– المناسبات والأعياد الإسلامية مدخل عظيم للتعريف بالإسلام.
– الصلاة.
– الصيام.
– الزكاة.
– الحج.
ويجب أن نبرز هنا أسرار ومقاصد كل عبادة وأثرها العملي في حياتنا، وأشير هنا إلى ضرورة التكوين العلمي لمن يقوم بهذا الدور وولوجه إلى باب طلب العلم ليحسن البلاغ عن دينه على بصيرة.
قواعد عامة في التعريف بالإسلام
هناك آيات جامعة لمجموعة من القيم الأخلاقية كقوله تعالى:
(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {90}) (النحل).
وأذكر أننا في اليوم المفتوح بأحد المساجد قرأنا من سورة “الحجرات” وبعد ترجمة الآيات جاءتني امرأة ألمانية وقد أبدت إعجابها الشديد بالقيم الأخلاقية التي اشتملت عليها السورة الكريمة.
وهكذا نجمع في التعريف بالإسلام بين المقدار الذي يستطيعه كل مسلم، ومخاطبة الفئات والشرائح التي تتطلب وعياً ودرساً لا يشق على ما رام هداية العباد وإقامة الحجة.
وسيبقى كل مسلم يحمل هم التعريف به في حاجة ماسة لاستلهام العون والتوفيق والتسديد من الله تبارك وتعالى، فبيده مفاتيح القلوب، وهو الهادي إلى طريق الهدى والرشاد.
(*) رئيس هيئة العلماء والدعاة بألمانيا.