توقعت المندوبية السامية للتخطيط أن تصل الخسائر التي ستتكبدها الثروة المنتجة في المغرب خلال الربع الثاني من العام الجاري إلى 3 مليارات دولار بسبب تداعيات فيروس كورونا، في وقت يشهد فيه الاقتصاد المغربي حالة من التراجع كغيره من اقتصادات العالم نتيجة جائحة كورونا.
وعدلت المندوبية السامية للتخطيط توقعاتها لتراجع النمو؛ حيث تتوقع أن يفقد المغرب ما يقارب 8.9 نقاط في الربع الثاني من العام الجاري، أي 3 مليارات دولار، بعدما كانت قد توقعت في مستهل إبريل الماضي، أن تصل تلك الخسارة إلي 3.8 نقاط، أي حوالي 1.5 مليار دولار.
وأكدت أن الطلب الخارجي الموجه للمغرب سيشهد تراجعا بنسبة 12.6% في الربع الثاني من العام الجاري، متأثرا بانخفاض الواردات، خاصة الأوروبية، ما سيساهم في تراجع الصناعة المحلية الموجهة للتصدير.
وكانت المندوبية قد قالت: إن ما يقارب 142 ألف شركة (أي ما يعادل 57% من مجموع المقاولات) صرّحت بأنها أوقفت نشاطها بشكل مؤقت أو دائم، مؤكدة في الوقت نفسه أن الشركات التي تعمل في القطاع الرسمي فقدت 726 ألف فرصة عمل بعد الجائحة.
وفي مطلع شهر أبريل الماضي كان قد حصل المغرب على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة ثلاثة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، لمواجهة تداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد.
وخفّضت وكالة “فيتش” الدولية للتصنيف الائتماني من توقعاتها بخصوص المغرب من “مستقرة” إلى “سلبية” بسبب تداعيات فيروس كورونا المستجد على الاقتصاد الوطني.
وقالت “فيتش”، في تقرير لها في مطلع الشهر الجاري، إن “هذه التوقعات السلبية تعكس الضربة القوية التي لحقت الاقتصاد جراء صدمة وباء فيروس كورونا، التي ستتسبب في أكبر انكماش في الناتج المحلي الإجمالي منذ 25 سنة”، مشيره إلى أن المغرب سيلجأ لمزيد من الاقتراض خلال العام الجاري.
تداعيات الأزمة
وساهمت أزمة “كوفيد-19” في انخفاض الصادرات والسياحة والتحويلات والاستثمار الأجنبي المباشر، وهو ما سيُضاعف عجز الحساب الجاري إلى 8.3% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2020 وفقا لتقرير وكالة “فيتش”.
ويرى الخبير الاقتصادي عبد الخالق التهامي، في حديثة لـ”المجتمع”، أن العواقب كثيرة على مختلف التوازنات الاقتصادية فعلى مستوى ميزانية الحكومة ارتفعت النفقات نظرا للمساعدات التي تقدمها الدولة للأسر والمؤسسات التي تضررت من الجائحة، ومن جانب آخر تراجعت الإيرادات نظرا لتوقف النشاط الاقتصادي مما يعني ارتفاع العجز الحكومي بشكل واضح خلال العام الجاري، مضيفا أن مشروع قانون المالية لعام 2020 أصبح متجاوزا، ولا يمكن الحديث عنه، وعلى الحكومة صياغة قانون مالية تكميلي لسنة 2020.
وأضاف التهامي أن صادرات المغرب التي تميزت في السنوات الأخيرة بصادرات السيارات والطائرات والفوسفات توقفت نظرا لتجمد النشاط الاقتصادي، في حين أن الواردات مستمرة، كما تراجعت تحويلات المغاربة بالخارج نتيجة تضرر المغتربين في البلاد التي يعيشون فيها وبالتالي فإن إيرادات المغرب من العملة الصعبة تشهد تراجعا يؤدي إلى عجز في الحساب الجاري لميزان الأداءات، مشيرا إلى أن انخفاض أسعار النفط خفف شيئا ما من وطأة تلك المؤشرات.
واعتبرت “فيتش” أن انخفاض أسعار منتجات الطاقة، ولا سيما البترول، ووقف بعض الاستثمارات التي تعتمد على الاستيراد وزيادة الدعم الخارجي، سيُساعد على الحد من تدهور رصيد الحساب الجاري إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2021، شرط انتعاش السياحة وزيادة القدرة التصديرية للصناعة.
من جانبه أرجع الخبير الاقتصادي، الطيب أعيس، في حديثة لـ”المجتمع”، تلك التداعيات السلبية على الاقتصاد المغربي إلى ما فرضه الحجر الصحي من جمود داخل الاقتصاد العالمي وتوقف المصانع والشركات والمؤسسات، بالإضافة إلى القطاعات الواسعة المتعلقة بالسياحة والصناعات المرتبطة بالخارج سواء أوروبا أو أمريكا أو الشرق الأوسط.
وأشار أعيس، إلى أن الحكومة المغربية تجاوبت مع الأزمة بشكل سريع من خلال اتخاذ إجراءات منذ بداية ظهور فيروس كورونا، والتي توجهت بالأساس لمحور الصحة بغض النظر عن التداعيات الاقتصادية نظرا لأن صحة المواطن التي تعد هو بالأساس المحرك الرئيسي للاقتصاد أولى من الاقتصاد؛ فأغلقت الحدود والمدارس ومنعت كل التجمعات، كما أسس المغرب صندوقا للتضامن الوطني لمساعدة الأسر المعوزة قدر المستطاع والذي وصل حاليا 3.5 مليار دولار.
الاقتراض الخارجي
صادق مجلس النواب في مطلع الشهر الجاري على مشروع قانون يتعلق بتجاوز سقف التمويلات الخارجية، ما يسمح بالترخيص للحكومة بتجاوز سقف التمويلات الخارجية، المحدد بموجب المادة 43 من قانون المالية لسنة 2020، بأغلبية أعضائه.
وسيمكن المشروع، حسب وزير المالية، المغرب من توفير حاجاته من العملة الصعبة، خاصة عبر اللجوء إلى الأسواق الدولية للاقتراض في ظل تأثر مجموعة من القطاعات، كالسياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة والقطاعات المصدرة، بالإضافة إلى تحويلات المغاربة القاطنين بالخارج.
وأشار التهامي، إلى أن الحكومة اضطرت إلى طلب رفع سقف التمويلات الخارجية نتيجة تراجع المداخيل الضريبية وغيرها من الإيرادات، خاصه أن القانون المنظم لقانون المالية لا يسمح للحكومة بالاقتراض من الخارج إلا في حدود ما حدده قانون المالية الذي كان مقدرا بـ31 مليار درهم (3.14 مليارات دولار)، وبالتالي في حال تم تجاوز قانون مالية 2020 فلا بد من رفع سقف التمويلات الخارجية من أجل مزيد من الاستدانة.
وأوضح التهامي أنه سيكون هناك تداعيات على الدين العام الذي يتراوح الآن بين 65% و70% من الناتج المحلي الإجمالي؛ حيث سيرتفع نتيجة أن الحكومة ستلجأ إلى مزيد من الاستدانة الخارجية لتغطية نفقاتها.
وحصل المغرب على قرض قيمته 100 مليون أورو من الاتحاد الأوروبي بهدف دعم تمويل الأنشطة الصحية في سياق أزمة “كوفيد-19″، ومواكبة الحلول المستقبلية لمرحلة ما بعد الجائحة من خلال المساهمة في تعزيز قدرة قطاع الصحة على التصدي للأزمات الصحية المحتملة.
وخلال الأسبوع الجاري، حصل المغرب على قرض بحوالي 127 مليون دولار أمريكي من صندوق النقد العربي، بهدف توفير الموارد المالية بما يدعم الوضع المالي ولتلبية الاحتياجات الطارئة ومواجهة التحديات المختلفة.
وتوقع التهامي أن يسوء الوضع الاقتصادي؛ فمع هذه الضربة الحالية يعيش المغرب سنة جفاف كبيرة جدا مما سيؤثر على الإنتاج الزراعي الذي تضرر، بالإضافة إلى وصول السياحة إلى صفر والتي كانت تعطي المغرب حوالي 70 مليار درهم (7 مليار دولار) سنويا.
فيما طالب أعيس، الحكومة بضرورة زيادة التمويل، وأن توجه كل احتياجاتها للصناعة الوطنية، وألا تذهب للخارج، مضيفا أنه إذا توجهت الحكومة إلى الخارج فيجب ألا تتعدى طلباتها من الخارج 20% من أجل تحفيز الصناعة المحلية، والعمل على الاهتمام بالاقتصاد الرقمي، خاصة أن المغرب يمتلك صناعات كثيرة في الصناعة الرقمية، بالإضافة إلى العمل على تطوير المجال الصحي والبحث العلمي.