في الوقت الذي تعيش فيه اليمن أزمة إنسانية مأساوية، ترسخ اقتصاد الحرب والثراء غير المشروع في البلد الأفقر عربياً، ما أدى إلى ضياع مليارات الدولارات كانت كفيلة بتخفيف الوضع الإنساني المتفاقم.
وأودت الحرب المستمرة منذ نحو سبع سنوات بحياة ما لا يقل عن 233 ألف شخص، وبات 80% من سكان اليمن يعتمدون على المساعدات للبقاء أحياء، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.
الأربعاء الماضي، اتهم تقرير صادر عن فريق مراقبي العقوبات التابع لمجلس الأمن الدولي، الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي بغسل أموال واستغلال مبالغ نقدية كبيرة بطريقة غير قانونية.
التقرير قال: إن السعودية أودعت ملياري دولار لدى البنك المركزي التابع للحكومة اليمنية مطلع عام 2018، ضمن برنامج للتنمية وإعادة الإعمار، كخط ائتمان لشراء سلع أساسية لتعزيز الأمن الغذائي، واستقرار أسعار تلك السلع محلياً.
لكن البنك المركزي، بحسب التقرير، خالف قواعد تغيير العملات وتلاعب في سوق العملة، وغسل جزءاً كبيراً من الوديعة السعودية بمخطط معقد لغسل الأموال، وهو الأمر الذي أدر على تجار مكاسب بلغت قيمتها 423 مليون دولار.
ويعاني الريال اليمني من تدهور حاد غير مسبوق، ووصل سعر الدولار الواحد، السبت الماضي، أكثر من 850 ريالاً، بعد أن كان قبل الحرب يساوي 215 ريالاً.
التقرير الأممي أفاد بأن الحوثيين حوّلوا 1.8 مليار دولار على الأقل في عام 2019، عن الغرض المخصص لها واستخدموا قسماً كبيراً منها لتمويل المجهود الحربي.
وأضاف أن الحوثيين يؤدون وظائف تقع حصرياً ضمن سلطة الحكومة اليمنية، إذ إنهم يجمعون ضرائب وإيرادات عمومية أخرى، التي يُستخدم جزء كبير منها لتمويل مجهودهم الحربي.
ومنذ سنوات يعيش أكثر من مليون موظف حكومي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين بلا مرتبات، رغم قدرة الجماعة على تسديدها، ما أدى إلى اتساع رقعة تدهور الوضع الإنساني، وفق تقارير اقتصادية.
نفي حكومي واستغراب حوثي
التقرير الأممي قوبل باعتراض من قبل الحكومة اليمنية، واستغراب من قبل جماعة الحوثي.
ووصفت إدارة البنك المركزي بالحكومة في اجتماع لها الخميس، الاستنتاجات التي توصل إليها الفريق الأممي بأنها “ادعاءات مضللة”، وفق “الوكالة اليمنية الرسمية” (سبأ).
بدورها، تجاهلت جماعة الحوثي التقرير الأممي، باستثناء عضو المجلس السياسي الأعلى فيها، محمد علي الحوثي، حيث علق على التقرير في تغريدة مقتضبة عبر حسابه على “تويتر” قائلاً: “تقرير الخبراء كثير الغرائب”.
وتعليقاً على التقرير الأممي وترسخ اقتصاد الحرب في اليمن، يقول الباحث الاقتصادي اليمني عبدالواحد العوبلي: إن الإيرادات السنوية التي يحصل عليها الحوثيون أكثر من 1.8 مليار دولار.
وأضاف العوبلي أن الحوثيين يستولون عملياً على إيرادات الضرائب والجمارك والرسوم التي كانت تشكل حوالي 30% من ميزانية الحكومة اليمنية حسب أرقام 2014.
وتابع: الحوثيون يحصلون على مبالغ أكبر مما ذكر التقرير الأممي، إلا أن انعدام الشفافية والإرهاب الذي تمارسه المليشيا الحوثية على الصحفيين تعيق رصد وكتابة التقارير الموثقة عن هذا النوع من المخالفات.
وأفاد العوبلي بأن التقرير الأممي تضمن معلومات خطيرة للغاية، وسيؤثر على قدرة الحكومة اليمنية على استعادة الثقة بمؤسساتها المالية، لأن الثقة جزء أصيل من رأس مال أي بنك.
وزاد: توثيق فساد في البنك المركزي اليمني من قبل لجنة أممية، سيصعب إجراءات استعادة الثقة ويؤخر استجابة المانحين للحكومة، أو استجابة السعودية مثلا لطلبات الحكومة لدعمها بوديعة سعودية جديدة.
على حساب المواطن
من جهتها، قالت الصحفية اليمنية المتخصصة بالشأن الإنساني، عفاف الأبارة: إن اقتصاد الحرب ترسخ منذ بدء الصراع في البلاد، ما أدى إلى ثراء كبير وهائل لدى العديد من الشخصيات، سواء التي تتبع الحكومة، أو الحوثيين.
وأضافت أن هذا الثراء غير المشروع والفساد المالي وانتشار عمليات الاستغلال، والمتاجرة بالمساعدات الدولية، كلها عوامل أدت إلى إنهاك اليمنيين الذين يعيشون المأساة، وبات الكثير منهم على حافة المجاعة.
وتابعت: في الوقت الذي يعيش فيه أكثر من مليون موظف بلا مرتبات، خصوصاً الواقعين تحت سيطرة الحوثيين، هناك إهدار كبير للمال، في سبيل المجهود الحربي، دون النظر لآلام وأوجاع الموظفين الذين باتوا يعيشون المأساة والفقر.
وزادت: لا حل لهذه المأساة التي صنعها تجار الحروب، سوى إنهاء هذا الصراع ووقف “اقتصاد الحرب”، وهذا لن يتم طالما هناك تجار كبار يستفيدون من استمرار النزاع، كونهم يجنون ملايين الدولارات على حساب المواطن البسط الذي بات جائعاً في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم.