بحثت رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت، مع مستشار المرشد الإيراني الأعلى للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، مسألة الانتخابات العراقية المزمع عقدها في العراق خلال الأشهر المقبلة.
جاء ذلك خلال زيارة غير معلنة تقوم بها رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق إلى طهران، وقد كشف مكتب ولايتي عن الزيارة خلال بيان أوضح فيه أن بلاسخارت ناقشت مع مستشار المرشد الإيراني قضية الانتخابات في العراق، مشيراً إلى أنها انتخابات “حاسمة للغاية”، وأن ولايتي تمنى “مستقبلاً مشرقاً للشعب والحكومة في العراق”.
موجة سخط
وقد أثار هذا الإعلان موجة انتقادات وسخط سياسي وشعبي في الأوساط العراقية، معتبرين مناقشة ممثلة الأمم المتحدة لمسألة عراقية داخلية مع الجانب الرسمي الإيراني، يمنح شرعنة لتدخل طهران في الشأن العراقي.
رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي ظافر العاني، قال في تغريدة على موقع التدوينات القصيرة “تويتر”: “لا توجد جهة شرعنت التزوير والفساد والتدخل في الانتخابات العراقية مثل بعثة الأمم المتحدة في العراق عبر تقارير تبريرية مخادعة”.
وأضاف العاني: “وما زيارة بلاسخارت لطهران اليوم ومناقشتها هناك موضوع الانتخابات العراقية إلا دليل إضافي”.
وتابع رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي: “إبعاد الأمم المتحدة عن الانتخابات العراقية يجعلها أكثر نزاهة”.
من جهته، اعتبر النائب المستقل في البرلمان العراقي باسم خشان زيارة بلاسخارت إلى طهران ومناقشتها ملف الانتخابات معها خطوة “غير مبررة” مشيراً إلى أنها “محل شك وشبهات”.
وتابع، في تصريح صحفي بالقول: إن ملف الانتخابات البرلمانية قضية عراقية داخلية، يجب ألا تناقش خارج الحدود مع أي مسؤول أجنبي كان، فهذا الأمر سيفتح الباب للتدخلات الخارجية في الانتخابات”، مستدركاً “هذا يعني أن الانتخابات لن تكون نزيهة وعادلة، وهذا ما نخشى منه بسبب تصرفات وتحركات بلاسخارت”.
الناشط والصحفي العراقي ناصر الشيخلي، قال لـ”المجتمع”: إن “الشارع والنشطاء العراقيين يشعرون بخيبة أمل كبيرة بعد زيارة المبعوثة الأممية لإيران”، مبرراً ذلك بالقول: “كنا نعوّل على دور للأمم المتحدة في مراقبة الانتخابات المبكرة القادمة، والحد من عمليات التزوير والتلاعب بالنتائج، لكي تأتي النتائج متطابقة مع سخط الشارع من الطبقة السياسية الذي عبر عنه في المظاهرات الغاضبة منذ أكثر من عام، هذه الزيارة ترسل إشارة بأن الأمم المتحدة لن تكون نزيهة”.
وأضاف: “هذه الزيارة السرية التي كشف عنها الطرف الإيراني أثبتت أن الأمم المتحدة تتعامل مع الواقع كما هو، والواقع يشير إلى أن إيران هي صاحبة الكلمة العليا في البلد، ودور الأمم المتحدة سيكون دوراً شكلياً فقط”.
المحلل السياسي العراقي عادل الدليمي اعتبر زيارة بلاسخارت إلى طهران اعترافاً دولياً بأن العراق ساحة صراع إقليمي، ولا يمكن تسوية أي ملف فيه دون الرجوع إلى الفواعل الإقليمية في المشهد العراقي.
وأضاف الدليمي، في حديثه لـ”المجتمع”: “كون العراق ساحة صراع، ويقع تحت النفوذ الإيراني أمر معروف ومسلّم به منذ احتلاله من قبل أمريكا عام 2003، الجديد أن الزيارة الفريدة والأولى من نوعها تقر أممياً بأن العراق بلد ناقص السيادة”.
وأشار إلى أن “بلاسخارت تحظى بمقبولية عالية لدى القوى السياسية الشيعية، بسبب هذه المواقف؛ حيث أجرت قبل ذلك مباحثات موسعة مع المرجعية الشيعية وقادة في الحشد الشعبي والساسة الشيعة، دون أن يكون لها تواصل موازٍ مع مرجعيات المكونات العراقية الأخرى”.
يونامي توضح
الضجة دفعت بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) للكشف عن الزيارة غير المعلنة، وقالت في بيان: إنها جاءت بهدف “دعم الاستقرار في العراق”.
وأضافت، في بيان، أمس الإثنين: إن “الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت زارت طهران يومي 31 يناير و1 فبراير، وعقدت محادثات مع مسؤولين إيرانيين حول القضايا الإقليمية، وذلك في إطار الجهود المبذولة لدعم الاستقرار في العراق”.
وأضاف البيان أن “الممثلة الخاصة كانت قد زارت عدداً من دول المنطقة، بما في ذلك إيران من قبل، وتأتي هذه الزيارات تعزيزاً لتفويض بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) بموجب قرار مجلس الأمن رقم (2522) الصادر عام 2020، الذي يتضمن تيسير الحوار والتعاون الإقليميين، بما في ذلك حول قضايا أمن الحدود والطاقة والتجارة والبيئة والمياه والبنية التحتية والصحة العامة واللاجئين”.
وكان من المقرر أن تُجرى الانتخابات المبكرة في السادس من يونيو المقبل، حسبما أعلنت رئاسة الوزراء العراقية، إلا أن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات اقترحت تأجيل الانتخابات وإجراءها في 16 من أكتوبر المقبل.
وبررت المفوضية سبب اقتراح الموعد الجديد لإجراء الانتخابات إلى أن ذلك جاء نظراً لانتهاء المدة المحددة لتسجيل التحالفات السياسية، ولقلة عدد التحالفات المسجلة في دائرة شؤون الأحزاب والتنظيمات السياسية للفترة المحددة في جدول العمليات، مما يتطلب تمديد فترة تسجيل التحالفات، وما يترتب على ذلك من تمديد فترة تسجيل المرشحين ولإفساح المجال أمام خبراء الأمم المتحدة والمراقبين الدوليين، ليكون لهم دور في تحقيق أكبر قدر ممكن من الرقابة والشفافية في العملية الانتخابية المقبلة، ولضمان نزاهتها وانسجاماً مع قرار مجلس الوزراء بشأن توسيع التسجيل البايومتري وإعطاء الوقت الكافي للمشمولين به، وإكمال كافة الاستعدادات الفنية.
يذكر أن الانتخابات المبكرة كانت أحد أبرز مطالب المتظاهرين في العراق على مدى أكثر من عام، إلا أن الخلافات لا تزال قائمة داخل البرلمان العراقي الذي يملك كلمة الفصل لحسم هذا الجدل، ويلمس عدم جدية الكتل الكبرى في المضي بإجراء العملية واكتفائها بإبداء التأييد كلامياً فقط.