مرت 531 سنة على سقوط آخر معاقل المسلمين في الأندلس، بعد أن استسلمت غرناطة وسلمت باتفاقية وقعها آخر الحكام المسلمين الأمير أبو عبدالله محمد الثاني عشر، المعروف بأبي عبدالله الصغير، مع كل من فرناندو، وزوجته إيزابيلا من الطائفة الكاثوليكية، وكان ذلك في 20 يناير 1492م (897هـ).
ويستحضر العرب والمسلمون في مطلع كل عام سقوط غرناطة إذ يستعيدون الحديث عن ذلك الفردوس الذي فقدوه بفقدانهم تلك البلاد.
وتداولت صفحات إسلامية ومغردون عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” هاشتاج “ذكرى سقوط الأندلس”، وأخذ النشطاء يقرؤون الذكرى ويدعون للاستفادة من عبر التاريخ.
المأساة التي لا تُنسى
وقالت صفحة “المسلمون في الأندلس”: في مثل هذا اليوم من 531 سنة غربت الشمس لآخر مرة على غرناطة وهي تحت حكم المسلمين، لتشرق بعدها وهي تحت حكم القشتاليين.
وأشارت الصفحة إلى أن مع دخول الصليبيين المدينة كان أول شيء فعلوه هو طمس المحراب وإقامة المذبح وتحويل المساجد الي كنائس.
وقال الناشط السياسي خالد الجهني، في سلسلة تغريدات: في مثل هذا اليوم 1 يناير، أشرقت شمس آخر يوم على غرناطة تحت حكم المسلمين، ففي اليوم التالي سُلمت مفاتيح المدينة للصليبيين، حيث غربت “شمس” الحضارة الإسلامية هناك وأفلت أقمارها، وعاشت بعدها عصور الظلام والظلم والقتل والحرق ومحاكم التفتيش.
وأضاف: في مثل هذا اليوم قبل 531 سنة صلى المسلمون آخر صلاة عشاء تحت سقف الإسلام في مدينة غرناطة الأندلسية، وكان تسليم مدينة غرناطة في 2 يناير من قبل السلطان أبو عبدالله الصغير إلى الملكين الكاثوليكيين فيرناندو، وإيزابيل.
وتابع: في ليلة كهذه عام 1492م نامت غرناطة على الأذان واستيقظت على بدء عهد قرع الأجراس، لينقطع الأذان بعد ذلك قرونًا طويلة جداً.
وذكرت هنا علي أننا كمسلمين لا تهمنا بداية يناير إلا لنذكر الثاني منه، اليوم الذي سقطت فيه غرناطة؛ آخر معاقل المسلمين في الأندلس، ولنذكر الأهوال والموت الذي عاناه إخوتنا على أيادي النصارى في “محاكم التفتيش”.
وأضافت: إن كنا نسينا فهم لا ينسون ويعيدون تمثيل المشهد كل عام.. الأندلس الجرح الذي لا يندمل.
وقال الشيخ سعيد الكملي: كنت أتساءل دائماً: لماذا الأندلس بتلك القوة يتسلط عليها قوم جهلة وهي أرقى شعوب الأرض في ذلك الزمن؟
وأشار، في محاضرة مصورة بعنوان “تاريخ الأندلس والمغرب” إلى سبب ذلك، فقال نقلاً عن أبي العباس القرطبي شارح مختصر مسلم: إنما ذلك لشيوع الفواحش منهم بالإجماع من شبّانهم بالفعل ومن شيوخهم بالإقرار فلا تأمن الفروج ولا الأموال فسلط الله عليهم عدوهم إلى أن أزالهم بالكلية.
وكتب الباحث في التاريخ والحضارة الإسلامية د. محمد إلهامي: اليوم، 2 يناير، هو ذكرى سقوط الأندلس.. المأساة التي لا تُنسى رغم مرور خمسة قرون على وقوعها.
ويلات “محاكم التفتيش
في مقال بعنوان “محاكم التفتيش“، أشار مشرف موقع “قصة الإسلام” د. راغب السرجاني إلى أبشع صور “محاكم التفتيش” لإبادة مسلمي الأندلس على يد النصارى الإسبان.
وقال السرجاني: كان الصليبيون الحاقدون إذا وجدوا رجلاً يدَّعي النصرانية ويُخفي إسلامه؛ كأن يجدوا في بيته مصحفًا، أو يجدوه يُصَلِّي، أو كان لا يشرب خمرًا، أقاموا عليه الحدود المغلظة، فكانوا يلقون بهم في السجون، ويعذبونهم عذابًا لا يخطر على بال بشر، فكانوا يملؤون بطونهم بالماء حتى الاختناق، وكانوا يضعون في أجسادهم أسياخًا محمية، وكانوا يسحقون عظامهم بآلات ضاغطة، وكانوا يمزقون الأرجل، ويفسخون الفك، وكان لهم توابيت مغلقة بها مسامير حديدية ضخمة تنغرس في جسم المعذب تدريجيًا، وأيضًا أحواض يُقَيَّد فيها الرجل، ثم يسقط عليه الماء قطرة قطرة حتى يملأ الحوض ويموت، وكانوا -أيضًا- يقومون بدفنهم أحياء، ويجلدونهم بسياط من حديد شائك، وكانوا يقطعون اللسان بآلات خاصة.
وثيقة سقوط غرناطة
وقد كشفت وثيقة إنجليزيَّة تؤكِّد أنَّ سقوط غرناطة الإسلامية والحصار الذي عانت منه المدينة “كان أكثر شراسة مِمَّا هو معروف حتَّى الآن”.
وتتحدَّث الوثيقة، وفق شبكة “الألوكة” الإسلامية، عن حجم الأسلحة الَّتي كانت بِحَوزة الغرناطيِّين، ومَدى التَّرَف والأُبَّهة التي تَميَّزَت بِها القصور الغرناطيَّة والبلاط الملَكِي، وأثر الحضارة التي فرضَتْه القوَّات الإسبانيَّة على أهالي مدينة غرناطة، حتَّى اضطرَّهم إلى أكل الكِلاب والقطط، ويَخْلص إلى أنَّ العرب دفعوا ثَمنًا باهظًا للغاية بسقوط آخِر جوهرة لهم في أوربا.
ويَذْكر المؤلِّف أنَّ القوَّات التي حاصرَتْ غرناطة كانت أكبَر بكثيرٍ من عدد القوَّات الغرناطيَّة، مُخالفًا بذلك الرواية المتواترة من أنَّ جيش غرناطة كان كثيرًا، وتضيف الوثيقة أنَّ “أهالي غرناطة مَرُّوا بِمُعاناة قاسية خلال أعوام الحصار، وقامَتِ القُوَّات الإسبانيَّة بتحطيم وحَرْق الحقول المُجاورة للمدينة، ما تسبَّب في مَجاعة رهيبة بين سُكَّان غرناطة، ولِهَذا السبب أكلوا الخيول والكلاب والقطط”.
وتتعرَّض الوثيقة أيضًا للكنوز الهائلة التي سرَقها الإسبانُ بعد انتصارهم، ففي مسجد غرناطة كان هناك 300 مصباح من الذَّهب والفضَّة، وعثر ملكُ إسبانيا على كمِّيات هائلة من الذَّهَب، وبِها بنَى الكنيسة مكانَ المسجد، ويَذْكر المؤلِّف أيضًا: أنَّ جدران أحَدِ القصور كانت مبنيَّة من البازلت، ومرصَّعة بالأحجار الكريمة؛ لذلك تَمَّ الاستيلاءُ على كميات هائلة من تلك الجواهر والأحجار الكريمة في قصور غرناطة”.
ويذكر المؤلِّف الإنجليزي أنَّ “الملك فرناندو لَم يسمح للمسلمين إلاَّ بما يستطيع كلُّ واحد منهم أن يَحْمله على ظهره من حاجات، ما عدا الذَّهَب والفِضَّة والسِّلاح؛ ولِهذا فإن الجيش الإسبانِيَّ وجد عند دخوله المدينةَ الآلافَ من الأسلحة من سيوف ودروع ومَجانيق.
هل تتكرر المأساة؟
ومن يقرأ كيف سقطت الأندلس يعرف ماذا يحصل الآن في بلاد العرب والمسلمين كفلسطين والعراق وسورية واليمن وليبيا وأفغانستان، وغيرها.
ووفق شبكة “الألوكة“، قام العلاَّمة اللغوي حسن الكومي بإِنجاز عمل موسوعي ضخم، كتَبَه هنري تشارلزلي بعنوان: “محاكم التفتيش في إسبانيا” إحساسًا بعظم النكبة التي حدَثَت للمسلمين في الأندلس.
وقال: إنَّ مِن دوافعه إلى ترجمة الكتاب عدم وجود بحث تاريخي عن العرب والمسلمين في إسبانيا بعد سقوط غرناطة، موضحًا أنَّ ما جرى للعرب والمسلمين من اضطهاد وقَهْر، وانتزاعِ أملاك وأموال، وسرقة وطَرْد وتشريد، وغير ذلك، يُشْبه ما جرى ويَجْري لعرب فلسطين بالاحتلال “الإسرائيلي” لبلدهم، وإنشاء دولة “إسرائيل” فيه، كما يشبه ما حدث من فوضى وسرقات من جانب قوات الاحتلال الأمريكي بعد سقوط بغداد.