تحتل دولة الكويت في الواقع العربي مكانة جديرة بالتقدير والاحترام؛ تعود لعهود الآباء المؤسسين للدولة الحديثة فيها؛ فعطاؤها وتواجدها في قضايا الأمتين العربية والإسلامية بله الإنسانية يشهد به المتابع، وتدل عليه شواهد الخير والعطاء؛ فلقد نأت بنفسها عن التجاذبات، واشترعت لخط سيرها الوسطية بحكمة بعدت بها أن تكون طرفاً في أي صراع.
تلك مقدمة بين يدي القول عن دورها في الإبداع الفكري والثقافي على الصعيد العربي؛ حيث أنفقت دولة الكويت -وما تزال- الكثير من المال حسبة وإحياء للثقافة العربية، في وقت تخلت كثير من الدول في محيطنا العربي والإقليمي عن مظاهر قوتها الناعمة، وأبرزها بكل تأكيد الكلمة المكتوبة والمرئية.
فحين اختفت من واقع الثقافة العربية مجلات كبيرة مثل “الرسالة”، و”الثقافة”، و”المقتطف”، كانت مجلة “العربي” الكويتية على موعد لتسد الفراغ وتربي الذائقة العربية؛ وغير بعيد عن “العربي” كتاب “عالم المعرفة” الذي يعد تميزاً علمياً وزاداً معرفياً لم ينقطع حتى في فترة الغزو العراقي الغاشم على الكويت التي أبت أن تترك القارئ العربي للزيف والجهل الذي دفع تلك الطغمة المجرمة لتستبيح الحرمات وتنتهب الخيرات وتتنكر ليد البر والوفاء.
ناهيك عن كثير من الإصدارات الأخرى من سلسلة المسرح العالمي أو روايات عالمية أو الصحف.
الثقافة الإسلامية
وهنا يأتي الحديث عن تواجد الكويت في الفكر الإسلامي وتميزها في معالجة الجديد مما طرأ على الساحة الفكرية، وتلك الحالة المتميزة التي تشهدها الحياة في تلك الدولة التي جعلت من الثقافة والكلمة مظهراً أساسياً لقوتها الناعمة في عالم لا يحترم غير التميز والقوة، ويأتي في هذا السياق مجلة “المجتمع” التي تحتفي في مارس المقبل بمرور 53 عاماً على صدورها، حرصت فيها على أن تظل –كما اختطت لنفسها من البداية- “مجلة المسلمين في أنحاء العالم”.
لقد استوعبت الكويت كل تيارات الفكر من عروبي قومي وإسلامي وسطي في صياغة عبقرية لدولة آمنت بالإنسان أياً كان؛ دون تفريط في الثوابت العقدية ولا الانتماء لمحيطها العربي الإسلامي!
كما أن هناك إصدارات أخرى عديدة سواء من جامعة الكويت، ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي، بالإضافة لإصدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، فجامعة الكويت تصدر وحدها عشر مجلات علمية محكمة، منها ما يصدر باللغة الإنجليزية؛ مما تبلغ به الدهشة حالة من العجب والافتخار بما يبذل جلاء للمعرفة وبعثاً لجيل مثقف ينتمي لأمته!
يقول د. خليفة الوقيان، في كتابه “الثقافة في الكويت بواكير- اتجاهات- ريادات”: “إن المنجزات الحقيقية التي يحق ذكرها ويقتضي المنهج العلمي الوقوف عندها وتوثيقها، ونحن نتناول الثقافة في الكويت هي التي صنعها الرجال والنساء الذين استوطنوا هذه الأرض الفقيرة في مطلع القرن السابع عشر، وتغلبوا على الصعاب والمعوقات، وأقاموا مجتمعاً مدنياً متحضراً من أهم ملامحه الاهتمام بالثقافة، والإيمان بالديمقراطية، والسعي لمواكبة ركب التطور، وطبيعة النظام الكويتي يقوم على الانفتاح ومقاومة الغلو في المعتقد ويبعد عن التجاذبات السياسية”.
ولعل أجمل ما أختم به تلك المقالة ما كتبه د. محمد الرميحي، رئيس تحرير مجلة “العربي” الأسبق، في فبراير 1996م: “الثقافة في الكويت هي جزء من تيار كامل ومتدفق من الثقافة العربية وهي رافد من روافدها، ولكنه الأكثر جرياناً، والأرحب ضفافاً، تماثله الحركة الثقافية في بيروت والقاهرة ودمشق، وهو مع العديد من روافد الثقافة العربية يصب في هذا النهر المتدفق”.
هذه شهادة مفكر كويتي كبير يشهد بما عاصره من جهد ثقافي، وهو مع الكويت في عدم التنكر لمراكز ومشاعل الإبداع العربي في عواصمه على تعددها، إنه الاهتمام والاستثمار في الإنسان قبل كل شيء!
لذلك كانت مسيرة الكويت باهرة تتحدى بموقعها وتواجدها في منطقة الخليج والوطن العربي؛ حتى عرفت بأنها عبر تاريخها مجتمع الحرية والحياة الديمقراطية والتضامن والتكافل الاجتماعي.
____________________
(*) أديب وروائي.