لا يُنكر مدى شعبية لعبة كرة القدم وتغلغلها في المجتمعات والبيوت الغنية والفقيرة، بل وصار نجوم الكرة أهم وأكثر تأثيرًا من مئات السياسيين والعلماء والمفكرين وغيرهم!
تاريخيًا، يقال: إن كرة القدم لعبة صينية قديمة تعود للقرن الثالث قبل الميلاد.
وبمرور الزمن صارت لعبة شعبية بامتياز لدرجة أن عمدة لندن، وبسبب الفوضى التي سببتها لعبة كرة القدم، أمَرَ في العام 1314م بحظر اللعبة، وسجن مَن يلعبها!
وخلال المائة عام من الحرب بين إنجلترا وفرنسا (1337 – 1453)، اعتبر الملوك إدوارد الثاني، وريتشارد الثاني، وهنري الخامس، لعبة كرة القدم غير قانونية في جميع أنحاء المملكة المتحدة؛ لأنها أبعدت التركيز عن ممارسة الضوابط العسكرية!
ولعبة الكرة بصورتها الحالية يقال: إنها بدأت في إنجلترا في العام 1863م، حيث كانت البداية الواضحة لهذه اللعبة وانتشارها المكثف في الأرض إلى أن وصلت إلى كونها اللعبة العالمية الأولى، وهي المخدّر الحلال لمئات ملايين البشر في المعمورة!
وكرة القدم اليوم ظاهرة عالمية لا ينكرها إلا مَنْ لا يرى الشمس في رابعة النهار، وحقيقة يمكن تعلم الكثير من الدروس منها، وأهمها: التدريب المكثف، والتعاون واللعب بروح الفريق المتضامن، والتخطيط المسبق، والتركيز العالي، والتلاحم المادي والمعنوي، والسعي للفوز، والتمتع بالروح الرياضية عند الفوز أو الخسارة.. وغيرها من الدروس التي يمكن تعلمها من اللعبة، التي يمكن أن تُستثمر في غالبية المجالات الإنسانية، بما فيها المجالات السياسية والاجتماعية والخدمية وغيرها.
والذي يعنينا في المرحلة الحالية التركيز على قضية مفصلية، وهي: هل صارت كرة القدم في بعض البلدان هي المخدّر القاتل للمواطنين من المشجعين بحيث صارت أخبار الكرة لدى هؤلاء الجماهير أهم من أخبار فلسطين وبقية بلدان الأمة التي تعاني من هول الدمار والتخريب والقتل؟
وحتى لا نُتّهم بأننا ضد التطور والترفيه البريء نُبين بأن المقصود من المقال هو بيان التوقيتات المتعمدة، والتحركات المدروسة، والفعاليات المقصودة للفعاليات الكروية لضرب التلاحم الشعبي والإنساني بين أبناء الأمة!
إن إقامة البطولات الكروية المحلية والكبرى في زمن القضايا المصيرية لا يمكن أن تكون إلا واحدة من معاول الكسر لظهر التلاحم بين أبناء الأمة.
ومعضلة الانشغال العربي شبه العام بكرة القدم، المحلية والعالمية، ليس خافيًا على أهلنا في غزة، وقد خاطب أحد المواطنين الغزيين العرب والمسلمين يوم 29 أكتوبر 2024م: «تفرجوا على المباريات، وسيبوا دم إخوانكم يسيل!».
وهذه رسالة قصيرة، ولكنها مليئة بملايين معاني الألم واللوم والخذلان التي يشعر بها أهلنا في غزة!
إن سياسة التمويه والإلهاء للجماهير عن القضايا المصيرية والجوهرية لا يمكن أن تُثمر عن ثمار ناضجة؛ لأن الناس اليوم، وفي ظل كون العالم قرية صغيرة، يتابعون أخبار العالم لحظة بلحظة، ولا يمكن لمَن يملك ذرة من الإنسانية، بعيدًا عن العقائد الدينية والإنسانية التي تحثّ على نصرة المظلوم، إلا أن يرفض ما يجري من قتل وإرهاب لأهلنا في غزة هاشم.
وصدق الكاتب الروسي ليو تولستوي بقوله: إذا شعرت بالألم، فأنت على قيد الحياة، أما إذا شعرت بألم الآخرين فأنت إنسان.
فكيف بمَنْ لا يشعر بالألم والأسى الذي أصاب أكثر من 45 ألف شهيد، نصفهم تقريبًا من الأطفال، وعشرات آلاف الجرحى، وأكثر من مليون ونصف نازح في غزة؟!
لنراجع أنفسنا: هل نحن على قيد الحياة، أم أننا في عالم ظاهره الحياة وباطنه السكون والموت؟!
ربما ماتت إنسانيتنا من هول ما نراه من قتل وترهيب واستخفاف بالإنسان في غزة!
______________________
dr_jasemj67@