بين هذا وذاك نجد تجربتي الذاتية مع بعثة المراقبين العرب التي دخلت أول دفعة منها سورية
البروفيسور أنور مالك، أستاذ القانون بالجامعات الفرنسية، والمراقب العربي في أول بعثة للجامعة العربية لتفقد الأحوال في سورية عام 2011م، والذي استقال من البعثة على الهواء مباشرة بعد اكتشافه لفساد مهمته.
وقد أصدر البروفيسور أنور مالك (وهو جزائري الأصل يعيش في فرنسا ويدرس القانون في جامعاتها) عقب استقالته من البعثة كتاب «ثورة أمة»، تحدث فيه كشاهد عيان على أسرار فعاليات تلك البعثة، وما حدث فيها من مخالفات حتى استقالته منها.
وقد أهدى الكتاب إلى الثورة السورية فقال: «أرفع هذا الكتاب إلى الثورة السورية الخالدة، إلى كل الأحرار في العالم الذين يناهضون الظلم ويتصدون للظالمين.. وأخص بالذكر أهالي حمص الذين عايشتهم على مدار أيام قضيتها بينهم بصفتي مراقباً عربياً، فأحببت فيهم بساطتهم وإخلاصهم وصدقهم ورباطة جأشهم على الرغم من النار والدمار.
إلى أهلي وأسرتي وابنتي أريج، ومرام». تجربة شخصية
وفي مقدمة الكتاب قال المؤلف: «الحديث عن التجارب الشخصية والسير الذاتية مهما كان نوعها في كتاب أو مسلسل أو رواية أو ديوان شعر ليست بالأمر الهين، أو أنها في متناول كل من هبَّ ودبَّ؛ لأن في ذلك تشعبات كثيرة، وزوايا مفتوحة، وأخرى مغلقة، تجد الكثير من الناس يتفادونها أو يجهلون حيثياتها، ولو كان طرفاً في صناعة قرار ما، وإن الخوض في تجارب الآخرين وقصصهم ومواقفهم إذا تعلق الأمر بالتاريخ هو بدوره صعب للغاية، دائماً توجد دوائر مظلمة، إما لأن الذين لديهم علاقة بالحدث يطمسونه، أو لأن الفاعلين الأساسيين غائبون أو لأنه يفضح جهة متنفذة لا تزال لديها سطوتها في صناعة المشهد وتطوراته.
بين هذا وذاك نجد تجربتي الذاتية مع بعثة المراقبين العرب التي دخلت أول دفعة منها سورية، وكنت من ضمنها في 26 ديسمبر 2011م، حيث إن هذه التجربة الشخصية صنعت الحدث العالمي في مدة معينة، وكانت مساراً مهماً في ثورة الشعب السوري على نظامه.
البداية
بدأت السطور الأولى من هذا الكتاب منذ انسحابي من بعثة الجامعة العربية في سورية، حيث أعلنت استقالتي من فندق «السفير» بحمص عبر صفحتي الخاصة على «الفيسبوك» صباح يوم الجمعة 6 يناير 2012م، وهو ما أثار جدلاً واسعاً حينها، لما تداولت رسالتي فضائيات كثيرة، حتى تعرضت لتهديدات بالذبح وحملات تشويه ممنهجة، ثم تمكنت بحمدالله تعالى من مغادرة مدينة خالد بن الوليد المنكوبة يوم الإثنين 9 يناير 2012م، وتعرضت لمحاولة اغتيال فاشلة لم يفلح المتربصون من تحقيق غايتهم؛ لأن الله سبحانه قدر فضح المتاجرين بدماء الأبرياء، وبعدها نجحت في مغادرة دمشق مساء الثلاثاء 10 يناير 2012م نحو الدوحة وقدمت شهادة تابعها كل العالم.
غرقت أكثر من سنة وأنا أخط حروف كتابي بين الفينة والأخرى.
بالتأكيد أن ما عليه الشأن السوري الآن من تدهور في الأوضاع الإنسانية والأمنية، وما بلغته الجرائم المرتكبة في حق الإنسانية التي فاقت كل التصورات، لم تعد جرائم حرب فقط، بل هي في حاجة إلى مراجعة القوانين والمواثيق الدولية لابتكار مصطلح جديد يليق بما هو عليه وضع هذا البلد الرائع الذي كان شعبه مصدر الفرحة لشعوب ودول كثيرة على مستويات مختلفة.. وإن الأمور في تطور متسارع حتى صار ما وقفنا عليه نحن المراقبين العرب أو الدوليين من مأساة لا تمثل إلا 10% من حجم ما عليه سورية الآن.
شهادة للتاريخ
يقول ناشر الكتاب (مكتبة العبيكان بالسعودية): «الإنسان موقف، ويتجلى ذلك حين يكون صاحب الموقف على المحك، ويصدق ذلك في أجلى صوره على الأستاذ أنور مالك الذي ذهب مبعوثاً من قبل جامعة الدول العربية ليرصد الواقع السوري على الأرض في محنته الشديدة، فما راوغ أو حاور أو داور، وإنما شهادته عن الأوضاع في سورية الحبيبة الجريحة جلية مجلجلة، كما عايشها عن كثب، موجهه في ذلك قوله تعالى: {$ّلا تّكًتٍمٍوا پشَّهّادّةّ $ّّمّن يّكًتٍمًهّا فّإنَّهٍ آثٌمِ قّلًبٍهٍ $ّاللَّهٍ بٌمّا تّعًمّلٍونّ عّلٌيمِ >283<}(البقرة)، ورائده في كل ما فعل، ويفعل نصرة لشعب وقع بين فكي أسد ما عرفت الرحمة إلى قلبه سبيلاً.. فتحية إعزاز وإكبار له فيما صنع.. هذا الكتاب شهادة موثقة أطلقها المؤلف لله أولاً، ثم للتاريخ ثانياً، عن بعثة ذهبت في مهمة محددة فتاهت عن هدفها وضاعت ففشلت.
ويقع الكتاب في 523 صفحة من القطع المتوسط، تحدث فيه المؤلف عن يوميات بعثته إلى سورية يوماً بيوم، منذ تكليفه بالمهمة وحتى استقالته على الهواء من البعثة وهو في حمص، بعد أن رأى فساد البعثة، وعدم أمانة رئيسها وعدد من أعضائها في إخفاء جرائم «بشار» وعصابته، وتضليل الرأي العام المحلي والعالمي بأكاذيب عن الوضع في سورية، بعد أن استمال النظام السوري بعضهم عن طريق الرشى المادية والجنسية!>