وتقاسي سيناء تحت ضربات تلك الحرب هدماً للبيوت، وتفجيراً للمنشآت، وتجريفاً للمزروعات، وقتلاً للأهالي وتشريدهم وحرمانهم من أبسط مقومات الحياة
الجمعة، الخامس والعشرين من أبريل، مرت الذكرى الثانية والثلاثين على تحرير سيناء (عام 1982م).. وقد جاء الاحتفال بتلك الذكرى هذا العام حزيناً كئيباً مخضباً بالدماء.. جاء وسيناء تئن تحت وقع ضربات قوات الانقلاب التي تخوض حرباً ضروساً ضد أهلها منذ الانقلاب الدموي في 3/7/2013م.
وتقاسي سيناء تحت ضربات تلك الحرب هدماً للبيوت، وتفجيراً للمنشآت، وتجريفاً للمزروعات، وقتلاً للأهالي وتشريدهم وحرمانهم من أبسط مقومات الحياة، في ظل حصار عسكري لا يقل ضراوة عن حصار غزة.
وفي تلك المناسبة، أصدر المرصد المصري لحقوق الإنسان أحدث تقاريره التي كشف فيها عن سقوط ما لا يقل عن مائتي قتيل، واعتقال ألف وخمسمائة شخص، وهدم أكثر من ثلاثمائة وخمسين منزلاً، وتعذيب ممنهج داخل «سجن العازولي» العسكري للمواطنين في شمال سيناء، تحت زعم مقاومة الإرهاب.
في تلك الأجواء، احتفل الانقلاب بتلك الذكرى ولكن على طريقته.. فقد اقتصر الاحتفال على قادة الجيش ولم يظهر مدني واحد فيه، واقتصر التكريم من قبل وزير الدفاع على الجنود والضباط، ولا ندري… تكريمهم على ماذا؟! على الحرب على أهلنا وأهلهم في تلك البقعة الغالية، تحت شعار مقاومة الإرهاب؟!
لأول مرة في العالم يتم الاحتفال بذكرى تحرير قطعة أرض على وقع ذبح وحصار ومطاردة أهلها، ليرقص العدو الذي تم تحرير الأرض من براثنه على جثث أهل تلك الأرض!
حتى لو كان هناك إرهاب وإرهابيون، فلا يجادل أحد في رفضه وإدانته وضرورة مقاومته.. لكن السؤال هنا: هل كل أهالي سيناء إرهابيون يجب تأديبهم؟ وهل باتت سيناء بقعة إرهابية حتى يتم تجريد حرب عقابية شاملة ضدها؟!
هل مقاومة الإرهاب والعنف وتهديد الأمن القومي لا تتحقق إلا بهذا العقاب الجماعي الذي نتابعه يومياً؟ فكل الأخبار الواردة من هناك لا تزيد على أخبار قصف الطائرات ودك الدبابات لبيوت خلق الله، ولم تسلم المساجد التي باتت هدفاً للتدمير والحرق في كل موقعة.. إنها حملة تأديب قاسية لأهل سيناء الذين انتخب معظمهم الرئيس «محمد مرسي»، ولم يتوقفوا عن التظاهرات رفضاً للانقلاب عليه، وهي حملة بلغت قسوتها الذروة؛ مما اضطر أحد المضارين للقول: «إن الاحتلال الصهيوني لسيناء لم يعاملهم بهذا الشكل»، وقد سمعت نفس الكلام من كثيرين من أهل شمال سيناء خلال جولة صحفية مطولة لي هناك قبل واحد وعشرين عاماً.. سمعتها والأسى يملأ أعينهم حزناً على حرمان حكومتهم (حكومة «مبارك») لهم من أبسط مقومات الحياة التي كان يوفرها لهم الاحتلال، رغم ذلك فإن حبهم لوطنهم لم ينقص ولم يتزحزح قيد أنملة، ولكنها المفارقة المؤلمة أن يعامل العدو المحتل أهل الديار بـ«إنسانية» يفتقدونها في حكوماتهم.. والصهاينة بالطبع لا يعرفون شيئاً اسمه الإنسانية لوجه «الإنسانية»، ولكن يعرفون «الإنسانية» للتخديم على بقائهم في الأرض التي يحتلونها، «حشر» الناس في مقارنات مريرة بين احتلال كان يوفر لهم المياه ويحافظ على ممتلكاتهم، وأبناء وطنهم الذين يدمرون كل شيء ويحرمونهم من كل شيء تحت مزاعم مقاومة الإرهاب!
لقد احتفلت مصر وأهالي سيناء بعيد تحرير أرضهم العام الماضي، واحتفل معهم الرئيس الشرعي للبلاد «د. محمد مرسي» الذي أعلن يومها عن إقرار خطة تنمية شاملة لسيناء بميزانية تقدر بـ4 مليارات جنيه، وذلك في إطار خطة تنمية منطقة القناة، وبالتزامن مع مشروع القناة العملاق، وقد عَهِد الرئيس للقوات المسلحة تنفيذ تلك الخطة ثقةً منه في جدية التنفيذ ودقة الإنجاز، يومها طار أهالي سيناء فرحاً، فقد جاءهم الفرج بعد طول إهمال عبر التاريخ، ولِمَ لا؟ فقد حانت لحظة الحياة الآدمية، لكنها فرحة سرعان ما تبخرت وانقلبت إلى مآتم، فقد انقلب كل شيء في مصر بعد أن انقلب الجيش على الرئيس المنتخب وزج به في السجن، وعادت سيناء إلى ما كانت عليه طوال عقود طويلة مضت.. عادت ملفاً أمنياً بامتياز، وعادت متهمة حتى تثبت براءتها، وعاد الخراب يعشش فيها، بل وما تم بناؤه في شهور تم تدميره في لحظات.. ولا حول ولا قوة إلا بالله!
سيناء يا قوم.. كنز من الثروات المدفونة تحت الأرض والموجودة فوقها.. وأهلها جزء أصيل من الشعب المصري وهم من خيار الناس.
سيناء هي حائط الصد الأول أمام العدو، وتدمير حياة أهلها بهذا الشكل يهدم ذلك الحائط إلى الأبد، ولذلك فإن الأفراح المنصوبة داخل الكيان فرحاً بما يجري لن تتوقف، فما يجري اليوم في سيناء يأتي ضمن أحداث يشيب لها الولدان.. فقد باتت غزة وأهل سيناء والإسلاميون الذين منحهم الشعب المصري ثقته في خمسة استحقاقات انتخابية متتالية أشرف عليها المجلس العسكري وشهد العالم بنزاهتها.. بات كل هؤلاء أعداءً لُداً يقوم الانقلاب بالتخلص منهم بأسرع وقت.. وتدحرج الانقلاب بهذا الشكل – برغبته أو مرغماً – إلى خندق العدو الصهيوني ليخوض معاركه نيابة عنه، وعندما يتحقق للعدو ما يرنو إليه سيتبرأ بل سيدين، والتاريخ خير شاهد.. كل من خدم الصهاينة والأمريكيين لم يلاقِ منهم إلا «جزاء سنمار»، ولكن القوم لا يعلمون، فسكرة الحكم وسكرة القوة وسكرة من يهللون تُنسي المرء نفسه، ولكن سكرات الموت أشد وأنكى، وعندها لن ينفع الندم.. هل تذكرون الموت؟!
Shaban1212@gmail.com
twitter: @shabanpress