السمة الأساسية لمرحلة المراهقة أنها فترة تسارع في النمو، والتغير المطرد في المظاهر الجسمية والانفعالية، ويشمل النمو فيها كافة أشكال النمو (الجسدي والاجتماعي والانفعالي والذهني)؛ فهي مرحلة نشاط وتغير على كافة أوجه الفرد ومكونات ذاته.
وتشكل التغيرات التي تحدث في النمو الفسيولوجي ونشاط الهرمونات في هذه الفترة المحددات والمؤثرات الأساسية لها، وتقوم بدور مهم في ظهور الملامح الجنسية المميزة لكل من الذكور والإناث، أو ما يعرف بالبلوغ لدى الجنسين، خاصة في الفترة بين 12 و14 عاماً.
يبدأ البلوغ من المخ في منطقة تحت المهاد تعرف بـ»الهيبوثالاموس» الذي يرسل إشارة للغدة النخامية لإفراز هرمون النمو، وتبدأ الغدد الدرقية والأدرينالية، والخصيتان والمبيضان بإفراز الهرمونات المرتبطة بالجنس والنمو المتمايز للجسم، وظهور الميول الجنسية للمراهق.
ويرتبط ذلك النشاط الهرموني والغددي بتغيرات انفعالية وتقلبات مزاجية تصاحب التغيرات الجسدية السريعة؛ بدءاً من الشعور بالدهشة والاستغراب، وربما الشعور بالفخر حتى الشعور بالخجل، كما يرتبط النمو الجسدي كذلك بالإحساس بالتعب أو الإرهاق، أو عدم التوازن أثناء المشي أو الحركة، مما قد يسبب الارتطام بقطع الأثاث أو إيقاع الأشياء، أو الظهور كما لو كان المراهق غير مبالٍ أو مكترث، كما تتميز هذه المرحلة بنشاط ما يعرف بـ»اللوزة»؛ وهي أحد أجزاء ما يعرف بالجهاز الحوفي بالمخ، وهو المسؤول عن الانفعالات وتنظيم عملها وإدارتها، ويكون نشاط اللوزة أكبر من نشاط الفص اللحائي الجبهي، وهو الفص المسؤول عن التفكير المنطقي وحل المشكلات واتخاذ القرارات والتعقل، وهو ما يفسر غلبة المشاعر والانفعالات وثورانها غير المتحكم.
وفي إحدى الدراسات العلمية التي تمت بجامعة هارفارد لمعرفة تفاوت القدرة بين المراهقين والراشدين على التركيز، وتقدير المكاسب والخسائر، ودور الوصلات العصبية بين مراكز السيطرة المعرفية في قشرة الفص الجبهي والمراكز الانفعالية، طلب الفريق العلمي من كل من الكبار والمراهقين المشاركة في لعبة، والإجابة عن الأسئلة وهم داخل جهاز التصوير المقطعي بالرنين المغناطيسي، بحيث يحصل المشارك عند كل جواب صحيح على 20 سنتاً، ويدفع عن الخطأ 10 سنتات، كما تضمن اللعبة رهانات كبيرة؛ حيث كان بإمكان المشارك ربح دولار واحد أو خسارة 50 سنتاً.
واكتشف الباحثون أن تفكير المراهقين لم يتغير خلال الرهانات الصغيرة والكبيرة، في حين كان الكبار أفضل بكثير في تقييم الربح والخسارة، وأن القدرة على التركيز ازدادت مع زيادة عمر المشارك.
وأكد تحليل نشاط الدماغ أن الاتصالات بين قشرة الفص الجبهي وحزام القشرة الأمامية ومنطقة إدارة الانفعالات باللوزة لدى المراهقين كانت منخفضة؛ أي بعبارة أخرى لم يميزوا جيداً بين الربح والخسارة، ويفسر ذلك عدم تقدير كثير من المراهقين لأهمية الاختبارات النهائية؛ وهو ما يستوجب منا فهم كيف يعمل عقل المراهق، وتقدير غلبة الانفعالات، وأثر الإفراز الهرموني المطرد على شخصية المراهق وتقلبات مزاجه؛ وهو ما يظهر لنا أن النمو النفسي لا ينفصل عن النمو الجسدي وأثر الهرمونات وعمل المخ لدى المراهق بل يتأثر به.
الاحتياجات النفسية
جانب آخر في البناء النفسي للمراهق يجب أخذه في الاعتبار والإشارة إليه، وهو الاحتياجات النفسية له، حيث تخلص واحدة من أحدث النظريات النفسية -التي تعرف بنظرية تحديد الذات أو تقرير المصير الشخصي- إلى وجود ثلاث حاجات نفسية أساسية للإنسان تسهم في توافقه وفعاليته النفسية، وهي:
1- الحاجة إلى الانتماء: تتمثل في حاجة المراهق إلى الشعور بالأمن الناتج عن الارتباط بالآخرين، والشعور أنه جزء من مجموعة، وأنه يمكن أن يُحِب ويُحَب، ولذلك نجد اهتمام المراهق بجماعات الأقران وتكوين الصداقات، والميل نحو المجاراة، وتفضيل جماعة الأصدقاء في بعض الأحيان على الأسرة والأهل؛ حيث يساهم الانتماء بشعوره بأنه مرغوب فيه، بل محتاج إليه، كما يولد لديه إحساساً أنه جزء من المجموعة، ومثل هذا الشعور يزيد من الأمان الداخلي له.
2- الحاجة إلى الاستقلال: حيث يحتاج للشعور بالحرية في القول والفعل؛ ليتمكن من التعبير عن الرأي دون خوف أو كبت، ويتمكن من القيام بما يرغب القيام به دون ضغط أو إحباط.
3- الشعور بالكفاءة والثقة في قدراته: لتنمى لديه الشعور بالمسؤولية، وتقدير الذات وإدراك دوره وأهميته مما يضفي على شخصيته التكامل، بينما يؤدي الحرمان من ذلك إلى معاناة من التبعية، والاعتماد على الآخرين والخوف من الإقدام، وانخفاض الإنجاز، وهو ما ينقص من تكامل شخصيته ويهز كيانه أمام من يتعامل معهم.
مراحل الهوية
إحدى النظريات الكلاسيكية في علم النفس التي فسرت سيكولوجية المراهقة هي نظرية «أريكسون» الخاصة بتكوين هوية الفرد -التي تعرف بنظرية البناء الداخلي للذات، ونظامه المميز للدوافع والقدرات والمعتقدات- وحسب هذه النظرية، كلما تطور البناء الداخلي بصورة جيدة أصبح الفرد أكثر وعياً بمدى تميزه عن الآخرين ومشابهته لهم، وبجوانب قوته وضعفه في شق طريقه بهذا العالم، وكلما كان البناء أقل تطوراً أصبح الأفراد أكثر اضطراباً بشأن اختلافهم عن الآخرين، وأكثر اعتماداً على مصادر خارجية في تقييم ذواتهم.
ويفترض “أريكسون” أن الهوية على شكل سلسلة من ثماني مراحل في النمو النفسي الاجتماعي، تبدأ كل منها بظهور أزمة نفس/ اجتماعية، وتسعى الذات جاهدة لحل هذه الأزمة، وهناك احتمالان لحل الأزمة؛ فهي إما تُحل إيجابياً مما يعني استمرارية النمو وكسب الذات لكفاءة جديدة، أو سلبياً مما يعني إعاقة النمو وفشل الذات في كسب فاعلية متوقعة؛ مما يعني درجة من الاضطراب النفسي والسلوكي يعبر عن نفسه في سلوك سلبي.
وفيما يلي المراحل الخمس من مراحل تشكل الهوية حسب “أريكسون”، وهي التي تنتهي بمرحلة المراهقة:
الأولى: تتشكل في أول سنتين بعُمر الفرد: والهدف منها الشعور بالثقة، والمحصلة الإيجابية لها الشعور بالأمل والقوة والقدرة على التحرك في العالم.
الثانية: في عُمر سنتين إلى 3 سنوات: والهدف منها الاستقلال، والفشل فيها يؤدي إلى الخجل والشك.
الثالثة: من 4 إلى 5 سنوات: وتهدف إلى تنمية المبادرة، والفشل فيها يؤدي إلى الشعور بالذنب.
الرابعة: من 6 إلى 12 عاماً: ومن خصائصها السعي إلى تنمية الاجتهاد، والفشل فيها يؤدي إلى الشعور بالنقص.
وتشكل فترة المراهقة المرحلة الخامسة من مراحل الهوية، وهي مرحلة تشكل الهوية، مقابل اضطراب الأدوار، وتشتت الهوية والشعور بالاغتراب، وهي مرحلة تكامل للمراحل الأربع السابقة لتكون هوية الفرد، حيث يسأل الفرد نفسه: من أنا؟ وماذا أريد؟ وما أهدافي في الحياة؟ وإلى أين أتجه؟
وتجاوز الأزمة في هذه المرحلة يجعل الفرد يشعر بهويته، ويكون متفائلاً نحو المستقبل، أما الفشل في الوصول إلى إجابات محددة لتساؤلاته فيجعله يعاني من اضطراب وتشويش هويته، وعدم القدرة على اتخاذ قرارات حول موضوعات مهمة كالدراسة والمهنة ودوره في الحياة.
والفشل في تكوين هوية إيجابية متكاملة لدى المراهق يجعله عرضة للاضطرابات النفسية، التي غالباً ما تبدأ من هذه المرحلة؛ فتشير الإحصاءات إلى أنه من المحتمل أن واحداً من كل خمسة مراهقين سيكون عرضة للاضطراب النفسي، وتصل نسب اضطرابات المزاج والاكتئاب لدى المراهقين قرابة 11%، و10% قد يعانون من اضطرابات بالمسلك، و10% عرضة لاضطرابات القلق.
وعامل من العوامل الاجتماعية والثقافية الحديثة الذي بات مؤثراً على مرحلة المراهقة استخدام الإنترنت وتطبيقات التواصل الاجتماعي التي تمثل تحدياً كبيراً من حيث فرصة التعرض لمواد غير مقبولة أو لائقة، أو الاستخدام الكثيف ذو الأثر السلبي على الشخصية.
وتشير الإحصاءات إلى أن أكثر من نصف المراهقين عرضة لمشاهدة مواد غير مقبولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو الإنترنت، وربع المراهقين في خطر إدمان استخدام مواقع التواصل والألعاب الإلكترونية، وهذا التعرض الكثيف يزيد نتائج الدراسات الحديثة من تأييد أثره على عمل المخ، وعمليات الذاكرة والانتباه، والقلق والاغتراب الاجتماعي، والعزلة والاكتئاب، والسلوك المخالف للقواعد والأعراف الاجتماعية.
ويمكن تلخيص هذا العرض في أن المراهقة مرحلة نمو متسارع غير متوازن؛ أحياناً تؤدي المشاعر والانفعالات والحاجات المتصارعة والهرمونات دوراً رئيساً تجعل احتمالية أن تكون هذه المرحلة هي مرحلة صراع أمراً وارداً، ومن المهم أن ينعكس هذا الفهم في آلية التعامل التي يجب أن تعتمد على الاحتواء والتفاهم والثقة ودعم النمو الإيجابي، وإتاحة الفرص لاكتشاف الذات والتعبير عنها، وتبتعد -قدر المستطاع- عن النقد واللوم والتحقير وعدم التفهم والمعاملة كطفل غير مسؤول أو كراشد مسؤول مسؤولية كاملة.
ويأتي تفهم احتياجات المراهق الرئيسة في الانتماء والاستقلال والكفاءة ورغبته في اكتشاف ذاته وتشكيل هوية أساساً لأي علاقة ناجحة معه، وهو ما يسمح بتشكل هوية إيجابية متكاملة لدى المراهق تُمكّنه من عبور هذه المرحلة المؤقتة والانطلاق بثقة نحو مرحلة الشباب والرشد.