وفقاً لإحصاءات «اليونسكو» عام 2008/ 2009م، فقد بلغ عدد الطلاب الجامعيين في التعليم العالي العربي 7 ملايين و706 آلاف طالب وطالبة، بزيادة تقدر عن الإحصاء السابق 1999/ 2000م بنسبة 256%(1)، وفي ضوء هذه المؤشرات الإحصائية، يمكن أن نتوقع -في غياب البيانات الحالية- أن عدد الطلاب في التعليم الجامعي العربي لا يقل في عام 2019/ 2020م عن 15 مليون طالب يرتادون الجامعة في مختلف أنحاء الوطن العربي.
هذا الرقم مغرٍ بشكل لافت، يجعل من الضروري توجيه الخطاب الخاص والعام له؛ فهذه الكتلة البشرية من الراشدين من النادر أن تجتمع في مجتمع ما تحت غطاء فكري واحد، تتشابه في معطياته ومقدماته، وكذلك في توقع مخرجاته وثماره؛ فهي من ناحية تمثل الكتلة التي تتوجه نحو الرشادة العقلية، وكذلك تمثل الزاوية الحرجة للعلم والتنمية في المجتمع؛ فتكون بذلك مؤشراً لجانبين رئيسين لحالة المجتمع، هما: الوعي، والعلم.
بيد أن هذه الكتلة البشرية لا يمكن أن تحفز إلى هذين المؤشرين لتسهم فيهما بشكل فاعل دون وجود مقاصد واعية للسعي الجامعي لدى هذه الفئة.
رباعية مقاصد الطالب الجامعي العربي:
يمكن أن نشير في هذا الصدد إلى رباعية مقاصدية للطالب الجامعي العربي، تمكنه من الإسهام الحقيقي في بناء مجتمعه وأمته، وتحول هذه الكتلة البشرية الصماء بما يراد لها من الأنظمة العربية القائمة، إلى كتلة حافزة ودينامية في محيطها الداخلي والخارجي، وهذه الرباعية المقاصدية، هي: مقصد الحفز الحضاري، ومقصد كسب العلم وشروطه، ومقصد التزكية والأخلاق وأهميته، ومقصد اغتنام الوقت وخطورته.
1- مقصد «الحفز الحضاري» ووجوبه:
إن الطالب العربي -أثناء ارتياده الجامعة- لا يمثل ذاته بمفهومها الضيق، وإن كان ذلك صحيحاً من ناحية التعيين؛ حيث يحمل بطاقة يكتب فيها اسمه وجامعته وكليته وقسمه الذي ينتمي إليه، لكن هناك حقيقة كبرى غائبة في هذا التعيين، وهي أنه يحمل حضارة تمتد لقرون تفوقت على أقرانها في وقتها، ولم تكتفِ بذلك، بل قدمت للإنسانية أصول العلم الحديث بشهادة المنصفين من أهل الحضارة المعاصرة.
ومن ثَمَّ، فالطالب العربي يحمل في طيات وجدانه هذا الشعور الحضاري العميق بالفخر والاعتزاز من ناحية، وبالأسى من حالة الواقع المعاصر لأمته ومجتمعه من ناحية أخرى، وإن الجمع بين هذين المتناقضين مع طاقة الأمل والحيوية التي يحملها الشباب الجامعي العربي ينتج لنا شعوراً جديداً، وقيمة عليا لحركة ونشاط الطالب الجامعي العربي، ألا وهي «الحفز نحو بناء حضارة عربية إسلامية أصيلة معاصرة»، وهذا لا يتكون إلا بلحاظ بناء التصورات الأصيلة لثقافة الطالب العربي، التي تدفع حركته نحو الطموح في بناء حضاري جديد أصيل ومعاصر.
وإن شعور الطالب الجامعي بمسؤوليته الحضارية عن تحقيق البعث لأمته، في ظل هذا التراجع الحضاري الكبير، يجعل من تواجده الجامعي ليس غاية لتحصيل «شهادة» ورقية، وإنما رسالة لتحقيق غاية حضارية.
2- مقصد «كسب العلم» وشروطه:
الجامعة أحد المصادر المهمة لكسب العلوم وتحصيلها، فهي تقدم للطالب خلاصة العلم الحديث ونظرياته بطرائق ومجالات شتى، ورغم أن هناك تنافسات عديدة لهذا المصدر -في ضوء ثورة الاتصالات المعاصرة- فإنها المكان الوحيد الذي يرتبط الطالب فيه بمصدرية أخرى هو «الأستاذ» الجامعي الذي ينقل عصارة خبرته إلى طلابه، فيقدم لهم سنوات من الخبرة في فترة وجيزة هي الممر الجامعي الدراسي.
إلا أن الطالب العربي عليه ألا يدور في فلك الأوثان التي أرادت الأنظمة العربية تشييدها في التعليم الجامعي العربي، وذلك بجعل الجامعة مصدراً وحيداً للعلم الغربي، مع تغييب تنافسية الهوية الحضارية، فيقدم للطالب علم الاجتماع الغربي ونظرياته دون ابن خلدون، وعلم النفس الفرويدي دون أبوزيد البلخي، أو علوم الطب المعاصرة وأعلامها دون ابن الهيثم.
وهنا تبدو شرطية تحصيل العلم وكسبه لدى الطالب الجامعي العربي، وهي أن يبدأ العلم من حيث بدأ العلم ذاته، وينظر إلى ذاته الحضارية، وما قدمته في هذا المجال؛ ليشحذ همته نحو العلوم الحديثة باعتبارها حلقة ضمن حلقات الحضارة تحتاج إلى نقد وتطوير، لا إلى عبادة ولا قداسة، ومن ثم يدور الطالب العربي في فلك الأفكار لا فلك الأوثان المشيدة للعلم الغربي في جامعتنا المعاصرة.
ومن ثَمَّ، تبدو معادلة تحصيل العلم كالتالي: الوعي بالعطاء الحضاري الذاتي + استيعاب العلم الحديث + تفعيل النقد للعلم الحديث + العمل على التطوير والتجاوز.
3- مقصد «اغتنام الوقت» وخطورته:
الاغتنام هو الانتهاز، ونقيضه الهدر، والوقت فرصة لا تعوض، وهو أحد أركان البناء الحضاري -كما عده مالك بن نبي- والطالب الجامعي العربي أمامه فرصة حياتية في اغتنام الوقت وتوظيفه لبناء ذاته ومجتمعه بصورة تبدو الأكثر اتساعاً في حياته من أي مرحلة أخرى، وهو الأمر الذي يتطلب معه عدة أمور، أهمها:
– التخطيط الجيد الكلي للعام الدراسي من الدرس العلمي إلى المسؤولية الاجتماعية.
– التخطيط اليومي الجزئي ليوم طالب الذي يتنوع ما بين تحقيق الأمور الضرورية كالنوم والطعام والصلاة وغير ذلك، ثم جداول المحاضرات والاستذكار والمتابعة.
– الأعمال التطوعية الواجبة، سواء داخل الجامعة أو المجتمع.
لو قُدّر تعداد الطلاب الجامعيين في التعليم العالي العربي بـ15 مليوناً -بحسب التوقع المشار إليه في صدر المقالة الحالية- فإنهم يمتلكون ما يقرب من 240 مليون ساعة يومياً بعد خصم الاحتياجات الضرورية التي ينفقونها من 6 – 8 ساعات، أي يمتلكون في الأسبوع الواحد ملياراً وستمائة وثمانين ساعة، ولو قدم الطالب الجامعي ساعتين من وقته أسبوعياً لأعمال تطوعية مقصودة وهادفة يكون مجموع الساعات المقدمة 30 مليون ساعة، يمكن أن يتغير بها وجه المجتمع المدني العربي لو تم استثمار ذلك الوقت واغتنامه والتخطيط الجيد له.
كذلك من الضروري أن يسكن في وعي الطالب أن حياته الدراسية ومسؤولياته الاجتماعية والوطنية مرهونة بحسن التخطيط لوقته، وأن هدر الوقت -الذي أصبح سمة الإنسان العربي عموماً- عامل يشل تحقيق أهدافه العلمية والاجتماعية معاً، ومن ثم يتطلب الأمر «الضبط» للوقت، الذي ينبع من إدراك قيمته الحياتية والحضارية معاً، وعدم الانسياق وراء منافذ هدر الوقت التي امتلأت بها الساحة العربية عموماً، لا سيما فيما يتصل بمواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت منفذاً رئيساً لسرقة أعمار طلابنا الجامعيين وغيرهم.
4- مقصد «التزكية والأخلاق» وأهميته:
«لا علم دون أخلاق».. هكذا يقرر تراثنا التربوي الإسلامي، وقد ذكر في ذلك كتابات عديدة ومؤلفات كثيرة، حيث كان يضع المربون خصائص للمتربي (طالب العلم)، وكان على رأس تلك الخصائص الورع والتقوى، وإذا كانت البيئة العربية منذ دخول الفضائيات والمواد التلفزيونية الوافدة ثم بالاتصالات العالمية وشبكتها العنكبوتية قد استطاعت تلويث أجزاء كبيرة منها، إلا أن الطالب الجامعي يظل هو الأمل في استعادة «الأخلاق المجتمعية»، ويظل مقصد التزكية والأخلاق راسخاً في هويتنا التربوية والثقافية، ويكون ذلك بتنمية شعور الطالب ذاتياً بأن الجامعة محراب، والمحراب مكان للتبتل لا للعبث أو اللغو، وأن المعرفة والأخلاق هما مناسك هذا التبتل وطقوسه.
وفَّق الله أبناءنا الطلاب وبناتنا الطالبات لخير الأمة والدين.
__________________________________
الهامش
(1) المؤتمر الإقليمي العربي حول التعليم العالي، القاهرة، 2009.