أعلن الكاتب الكندي ديفيد جونستون، أمس الإثنين، عن نشر جامعة “ييل” الأمريكية المشهورة لأول ترجمة بالإنجليزية لكتاب المفكر الإسلامي رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي “الحريات العامة في الدولة الإسلامية” والذي تم إصداره للمرة الأولى في بداية التسعينات من قبل مركز دراسات الوحدة العربية، والذي بسببه تم منع رئيس المركز د. خير الدين حسيب رحمه الله، وكل منشوراته من دخول تونس.
والمشروع رسالة دكتوراة للغنوشي، كان رئيس فرع اتحاد علماء المسلمين في تونس د. عبدالمجيد النجار، مشرفاً عليها.
الإسلام والحريات
ويقدم الغنوشي في كتابه هذا تصوراً للمشروع الإسلامي في مجال الحريات العامة، وهو في الأصل كما سبق أطروحة دكتوراة، ولكن ظروف السجن والملاحقة والتهجير التي تعرّض لها الغنوشي حالت دون تقديمها للمناقشة، وكان قد أعدّ مادة الكتاب أثناء اعتقاله في الفترة 1981 – 1984م.
وديفيد جونستون هو أستاذ في الدراسات الإسلامية في كلية فولر بجامعة القديس يوسف، وقد استغرق في ترجمة الكتاب ثلاث سنوات.
صدر هذا الكتاب، “الحريات العامة في الدولة الإسلامية”، للشيخ راشد الغنوشي، رئيس حركة “النهضة” التونسية، في أكثر من طبعة، وعن أكثر من دار للنشر في العالم العربي خلال العقد الأخير من القرن العشرين، والعقد الأول من الألفية الجديدة.
الطبعة الأولى صدرت عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، في العام 1993م، وجاءت في 382 صفحة.
ويعود ذلك إلى أهمية الموضوع الذي تناوله الكتاب، والتوقيت الذي صدر فيه، حيث لم تكن هناك صورة واضحة عن قضية التنظيم الإسلامي لشؤون السياسة والمجتمع من الزوايا ذات الحساسية، ومنها قضية حقوق الإنسان، وفي القلب منها الحريات العامة.
تناول القسم الأول حقوق الإنسان وحرياته في الإسلام، مقارنة مع مفاهيم الحرية في الغرب، بما في ذلك حرية المعتقد، وحرية الفكر والتعبير، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وتناول القسم الثاني الحقوق والحريات السياسية، وشمل الحديث عن المبادئ الأساسية للديمقراطية، والمبادئ الأساسية للحكم الإسلامي.
تناول القسم الثالث الضمانات التي وضعتها الشريعة الإسلامية لعدم الجور، والحريات العامة في النظام الإسلامي.
وناقش فيه الغنوشي مفهوم الاستبداد، والمبادئ الأساسية لمقاومة الظلم في الدولة الإسلامية، ووضع تصورات تطبيقية في هذا الصدد، عن مفاهيم السياسة والنظم الحديثة، عن رقابة الشعب، وعقد الإمامة، ومبدأ الفصل بين السلطات.
مقاصد الكتاب
يقول الغنوشي في الكتاب “لو فقه الناس مطالب كل من الديمقراطية والإسلام، لو فعلوا ذلك لوقفوا على حقيقة المساحة الواسعة للاشتراك والتداخل بينهما، وكم يصلحان أساساً متيناً لتبادل المنافع والتعايش، كما أن التباين معها والاستدراك عليها واردان، تلك هي حصيلة تأملاتنا لسنوات طويلة، خرجنا من المعتقلات لننخرط في ساحات النضال اليومي ضد الديكتاتورية متسلحين بهذين السلاحين: الإسلام والديمقراطية”.
بدأ التفكير في تأليف كتاب “الحريات العامة في الدولة الإسلامية” ضمن الظروف السياسية في تونس آنذاك، حين أعرب الرئيس بورقيبة عام 1981 عن عدم ممانعته لتشكيل وترخيص الأحزاب السياسية، فسارع الاتجاه الإسلامي بقيادة راشد الغنوشي لتقديم بيان يطالب فيه بترخيص حزبه.
شكّل البيان التأسيسي للاتجاه الإسلامي خلفية ولدت منها فكرة الكتاب الذي جاء بحثاً عن الحريات، وإجابة لكثير من التساؤلات التي طرحت آنذاك عن توافق الحرية والإسلام، إلا أن الفكرة لم ترق للسلطة الحاكمة بوجود تيار إسلامي يمارس السياسة، فاكتفى بترخيص الأحزاب القريبة من مشروعه، واعترف بحزبين فقط: الحزب الشيوعي وحركة الديموقراطيين الاشتراكيين، بينما اعتقل رموز الإسلاميين.
براءة الإسلام من الاستبداد
لم يكتفِ الكتاب بتأصيل مبدأ الشورى والديمقراطية كآلية لتطبيقها، بل جدد في تقديم ضمانات تحفظ مسار الدولة من الميل نحو الاستبداد، فقد ورد في متنه: ما الذي يضمن أن لا تتحول الدولة المسلمة نفسها إلى جهاز للقمع والتدمير ومطاردة الأحرار والحيف عن حقوق الإنسان والشعوب، وبالخصوص أن ذلك طالما حدث في تاريخ الإسلام ولا يزال، ويزداد الأمر سوءاً إذا ادعت دولة الاستبداد أنها تفعل ذلك باسم الله أو رسالة الإسلام؟ أن لا نكون معرّضين لديكتاتورية دينية هي شر ما ابتليت وتبتلى به البشرية؟
يقول الغنوشي في الكتاب: قامت الدولة على أساس المواطنة، أي المساواة حقوقاً وواجبات، وبسبب أصالة قيمة حرية الاعتقاد -وثمرتها القبول بالتعدد الديني- فقد تعايشت في ظل كل المجتمعات الإسلامية على مر التاريخ كل المعتقدات التوحيدية وحتى الوثنية في وئام وسلام.
وبخصوص المواطنة يرى أن “الدولة المسلمة تقوم على مفهوم المواطنة، بمعنى الاشتراك في الأرض. وكما يقول المختار الشنقيطي فالدولة المعاصرة هي دولة عقارية، بمعنى الاشتراك في العقار، الذين يشتركون في امتلاك الوطن، هؤلاء مواطنون جميعا ولهم نفس الحقوق. هل الدولة الإسلامية هي كذلك؟ نعم هي كذلك، في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، كانت المدينة أول مجتمع طبق فيه الإسلام، وكانت تقوم على مبدأ المواطنة”.
ما اختلف فيه حول الكتاب
وهناك قضيتان أثارهما الكتاب وأحدثتا ردود فعل مختلفة لا تزال صداهما في الأوساط الفقهية والفكرية وهما الموقف من الردة، ومن ولاية المرأة، إذ يرى أن الردة المستوجبة للعقوبة الجسدية هي الردة المسلحة والتي تمثل خيانة للأمة، فيما لا يرى مانعاً من ولاية المرأة ما عدا الولاية العظمى.