على بعد 200 متر من المسجد الأقصى، أقام المستوطنون الصهاينة بحماية جيش الاحتلال مقبرة يهودية وهمية لتعزيز ادعائهم أن لهم تاريخاً في هذه الأرض.
أسماء وتواريخ وهمية نقشت على شواهد هذه القبور التي زرعت مؤخراً في منطقة تقع ما بين وادي الربابة وجبل صهيون جنوبي المسجد الأقصى أطلقوا عليها اسم «مقبرة سمبوسكي اليهودية».
يعتقد البعض أن سميوسكي هو اسم ملياردير يهودي مول إقامة هذه المقبرة، إلا أن د. جمال أبو عمرو، أستاذ الهندسة المعمارية بجامعة بيرزيت، والمختص بعمارة وشؤون القدس، أكد لـ«المجتمع» أن سمبوسكي هي فطيرة فلسطينية (بيتزا) تشبه نصف الدائرة، وهي تشبه قطعة الأرض التي استولى عليها المستوطنون لإقامة هذه المقبرة الوهمية عليها، لذلك اكتسبت هذه التسمية.
وستقام يوم الثلاثاء القادم للمرة الأولى في تاريخ دولة الاحتلال مراسم تذكارية لهذه المقبرة المزعومة في نفس مكان المقبرة.
وكانت بلدية الاحتلال في القدس بالتعاون مع جمعية «إلعاد» الاستيطانية باشرت بأعمال حفريات وترميم منذ العام الماضي في المنطقة بين منازل المقدسيين، ونصبت بوابة خاصة كتب عليها «مقبرة سمبوسكي اليهودية».
مقبرة مصطنعة
وقال عمرو: مقبرة سمبوسكي مصطنعة وتوسعتها مصطنعة، والهدف منها الاستيلاء والسيطرة على أراض جديدة في وادي الربابة المستهدف.
وأضاف: نحن أمام توظيف غير علمي وغير موثق وغير قانوني؛ توظيف لاسم «مقبرة سمبوسكي» التي كانت موجودة في العهد العثماني، فهذه التوسعة غير قانونية والتسمية غير قانونية وهي سطو على أراضٍ فلسطينية وقفية لا يجوز بيعها ولا شراؤها.
وأكد أن الدولة العثمانية كانت تؤجر اليهود والمسيحيين مقابر خاصة بهم من أجل دفن موتاهم، وكانت من ضمنها مقبرة سمبوسكي الصغيرة التي تقع على سفح جبل صهيون، ولكن التوسعة التي تتم الآن ليس لها علاقة بالمقبرة التي بدأ اليهود بترميمها منذ العام 2000.
وقال عمرو: لم يكتف «الإسرائيليون» بترميم المقبرة والحفاظ عليها وتوسعتها، إلا أنهم تجاوزوا الشارع الذي يسير ما بين باب المغاربة باتجاه الشارع المؤدي إلى الخليل بيت لحم غرباً الذي كان يفصل سمبوسكي إلى الشمال عنها واستولوا على أرض تبلغ مساحتها 20 دونماً تقع إلى الجنوب من هذا الشارع في وادي الربابة.
وأضاف: هذه أرض فلسطينية خالصة وضع الاحتلال يده عليها ووزع فيها حجارة كبيرة وثقيلة وهمية، ولا يوجد فيها أي قبر على الإطلاق، ولا يوجد فيها أي شخص مدفون على الإطلاق، لكن الاحتلال وضع يده على هذه الأرض ووزع فيها حجارة ووضع قوساً معدنياً وكتب عليه «مقبرة يهودية- سمبوسكي»، ووضع عليها النجمة المعروفة السداسية.
وأشار الباحث الفلسطيني إلى أن هذه المقبرة شبه مندثرة، ولكن بدأ «الإسرائيليون» يهتمون فيها منذ بداية عام 2000 بإعادة ترميمها وتوسعتها وتنظيفها.
وتابع الباحث الفلسطيني: نحن أمام عملية حرب مقابر، فمقابر المسلمين مثلاً تخلع من جذورها وتُزال، وفيها عظام وفيها جماجم وفيها آثار وفيها كتابات، في حين تزرع على أراض إضافية قبور وهمية وهي حجارة كبيرة أو حجارة أثرية توضع ويكتب على لافتة معدنية أو حجرية «مقابر لليهود»، هذه مصيبة من صنع البشر، ليست حقيقية على الإطلاق، هي قبور وهمية.
تهويد الهوية
من جهته، حذر وكيل وزارة السياحة والآثار الفلسطينية د. محمد خلة من محاولات الاحتلال المستمرة في سعيه لتزوير التاريخ في القدس وكان آخرها زعمه الكشف عن مقبرة يهودية بين وادي الربابة وجبل صهيون جنوبي المسجد الأقصى.
وقال خلة لـ«المجتمع»: إقدام الاحتلال للمرة الأولى في تاريخه على إقامة مراسم تذكارية ليهود زعم أنهم دفنوا قديماً بالقرب من المسجد الأقصى وإطلاق مسمى «مقبرة سمبوسكي اليهودية» على المكان ما هي إلا محاولات فاشلة لقلب الحقائق ومسح الأصالة الإسلامية والعربية المتجذرة على هذه الأرض.
وأضاف: باشر الاحتلال حفرياته في المنطقة منذ العام الماضي، ويحتكر أعمال التنقيب في القدس التي كان من آخرها إعلانه خلالها عن اكتشافه خرزة مصنوعة من الذهب الخالص عمرها أكثر من 1600 عام في الحفريات جنوبي المسجد الأقصى أو ما يقول الاحتلال: إنه نفق «طريق الحجاج».
وشدد نائب مدير عام الأوقاف الإسلامية في القدس، رئيس أكاديمية الأقصى للعلوم والتراث الشيخ ناجح بكيرات، على أن بناء القبور الوهمية في القدس يأتي ضمن المخطط الصهيوني الذي يهدف إلى إيجاد رؤية حضارية يهودية، وذلك لتطويق المسجد الأقصى المبارك.
وتحدث بكيرات لـ«المجتمع» عن المحاولات الصهيونية لإيجاد رموز يهودية تحضيراً لمشروع الهيكل بحيث يكون في محيط المسجد الأقصى والبلدة القديمة قبور يهودية بحجة أن هذه المدينة هي مدينة يهودية وأن تاريخها تاريخ يهودي.
وقال: هدف إقامة هذه القبور الوهمية هي محاولة لطرد القبور التاريخية الإسلامية، وهي محاولة لفرض واقع قداسة يهودي، مصادرة أكبر عدد من الدونمات الوقفية والإسلامية، وهي عملية خنق للحضور الإنساني.
وأضاف: يتم الإنفاق على القبور الوهمية من قبل وزارتي الأديان، والسياحة «الإسرائيليتين»، وهناك منظمات وجمعيات تدعم مثل هذه القبور.
وكشف بكيرات أن بعض الأشخاص يدفعون مبالغ وصلت إلى 250 ألف دولار لمجرد أن يكون له قبر في القدس مكتوب عليه اسمه.
واعتبر أن هذه القبور الوهمية شكلت حجة للوجود اليهودي في المدينة المقدسة.
وقال محذراً: أعتقد أننا أمام واقع خطير جداً يريد أن يقدم المدينة على أنها مدينة يهودية وعاصمة يهودية لمشروع الدولة اليهودية، وذلك ضمن مخطط قديم تم ترجمته على أرض الواقع بعد عام 1967.