هل يمكن الحديث عن بداية تحول في الإعلام الفرنسي في طريقة تناوله للقضايا الإسلامية؟ يصعب تقديم إجابة قاطعة في هذا الموضوع، لكن الملاحظ أن مؤشرات جديدة تبشر بتوجه فيه نسبة كبيرة من الموضوعية، كما يدل على ذلك مقال صحيفة “لوموند”، بتاريخ 30 أبريل 1995م، بعنوان “وزير الداخلية يمنع كتاباً عن الإسلام”، الذي يشرح ملابسات القرار الذي يقضي بمنع كتاب “الحلال والحرام في الإسلام” للشيخ القرضاوي.
ومساهمة منها في إفادة القراء بالمحتويات الجادة للصحافة في العالم، رأت “المجتمع” تقديم ترجمة لأهم ما جاء في هذا المقال بقلم: ناتانيال هارزبارغ:
لقد أثار هذا القرار دهشة الناشر، وكذلك المختصين في العالم الإسلامي، ذلك أن منهج السلوك اليومي هذا لم يحدث أي جدل منذ صدوره عام 1992م، وهو كتاب ديني فحسب، ولا يدعو إلى احتقار الديانات الأخرى، ولا العصيان والتمرد على الدولة.
وقد صرح الناشر “دار القلم” بأن الكتاب الذي نشر منذ عام 1992م “لم يحدث مشكلاً قط”، وفي حين تؤكد وزارة الداخلية أنها طلبت من الناشر توضيحات بشأن الكتاب في يناير الماضي، يؤكد الناشر من ناحيته أنه لم يسمع بتاتاً بهذا الأمر، وأوضح بأن الكتاب وزع منذ عام 1990م، بالتعاون بين داري النشر عكاظ في باريس، وريحان في المغرب، نفس النص ونفس الترجمة، ودار القلم تؤكد بأنها لم تقم إلا بإصلاح بعض الأخطاء.
وبخصوص المفكر الإسلامي د. يوسف القرضاوي (صاحب هذا الكتاب)، فإن هذا المفكر قريب لأوساط الإخوان المسلمين في مصر، وهو أحد مفسري القرآن المعروفين، إلى جانب الشخصية المصرية الأخرى محمد الغزالي، وتباع كتب القرضاوي –المترجمة عادة– بملايين النسخ في كل العالم الإسلامي، وهو معروف بأنه “معتدل”، حتى إن الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد دعاه في الثمانينيات لرئاسة جامعة الأمير عبد القادر بمدينة قسنطينة.
ويلخص “سيفران لابات”، المختص في الحركة الإسلامية الجزائرية بمعهد العلوم السياسية، فيقول: “إنه الإسلام الصحيح والمؤسساتي، وليس له علاقة مع التيار النضالي العنيف”.
إذاً، بماذا يمكن اتهام الكتاب من أجل تبرير مثل هذا القرار (المنع)؟
ذلك أن منع كتاب ذي نزعة إسلامية شيء استثنائي، ففي عام 1994م، منعت وزارة الداخلية مجموعة كتب للمفكر المسلم أحمد ديدات، لكن هذه الأخيرة تتهجم بقوة على الأديان الأخرى، وخلال السنة الماضية منعت أيضاً نشرات توزعها جمعية “الصداقة الجزائرية بفرنسا”، إلا أن التصدي لمنظمة قريبة من الجبهة الإسلامية للإنقاذ يمكن أن تزعم الوزارة أنها تريد من وراء ذلك التصدي لحركة سياسية تدعو للعنف.
بيد أنه في هذه المرة ليس هناك ما يبرر المنع، فالكتاب المعني الممنوع هو عبارة عن قانون ينظم سلوك المسلم المستقيم، بل إنه فيما يتعلق بالعلاقة مع الآخرين؛ يوصي بإيلاء عناية خاصة لأهل الكتاب، ومعاملتهم بالإحسان.
وقد صرح “أندري داميان”، مستشار وزير الداخلية للشعائر التعبدية، بقوله: “نحن اخترنا هذا الكتاب لأنه لقي نجاحاً كبيراً، فهو إجراء بيداغوجي”، في مجمل الأمر إفهام والمقصود به أن يكون درساً.
ويؤكد المستشرقون أن هذا المنع يعتبر حدثاً كبيراً، فهو الأول من نوعه، ويشرح “أوليفي رؤا”، باحث مختص بالعالم الإيراني بالمركز الوطني للبحوث العلمية، هذه المسألة فيقول: “إلى الوقت الحاضر، كان التهجم يستهدف الأصولية الإسلامية كحركة سياسية مع الاحتياط جيداً من التهجم على الإسلام، وفي هذه الحالة (منع كتاب الشيخ القرضاوي) يتم استهداف الدين الإسلامي في حد ذاته، ومنطق الأشياء يقتضي أن يتم منع القرآن، وكذلك كتاب التعليم المسيحي، ألم يقل البابا: إن قوانين الله تعلو على قوانين الجمهورية؟ كما يتم محاكمة الكنيسة بانتهاج التمييز؛ لأنها تمنع النساء من تولي منصب الكهانة، فهذا المنع ليس له أي معنى سوى أنه جاء في فترة ما بين دورتين للانتخابات الرئاسية”.
هل هو هجوم واضح ضد الإسلام، أم أنه عملية انتخابية في آخر ساعة؟ ليس هناك شيء من هذا الأمر تؤكده وزارة الداخلية، كل شيء يعود، إذاً، للحلال والحرام، أو للممنوع وغير الممنوع، غير ممنوع التعاون بين المسلمين وغير المسلمين، وغير ممنوع الغناء والموسيقى، ولكن ممنوع الرشوة والتجسس.
___________________________________
العدد (1149)، ص30 – بتاريخ: 9 ذو الحجة 1415ه – 9/5/1995م.