عقدت هيئة علماء فلسطين في الخارج، الجمعة الثالث من فبراير، مؤتمرها الثالث لجمعيتها العمومية، في مدينة إسطنبول، وسط حضور ثلة من العلماء والسياسيين يُقدرون بنحو مائة شخصية دينية وسياسية وفكرية من مختلف الدول العربية والإسلامية، من بينهم رئيس الشؤون الدينية في تركيا محمد غورماز، والشيخ أسامة الرفاعي، رئيس المجلس الإسلامي السوري، والسفير الفلسطيني في تركيا فائد مصطفى، ورؤساء العديد من المؤسسات العلمائية الإسلامية، وذلك بهدف جمع كلمة علماء الأمة وحشد طاقاتهم لدعم القضية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الصهيوني.
بدأت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، بعرض مرئي تضمن بعضاً من إنجازات ومشاريع “هيئة علماء فلسطين في الخارج” وكان من بينها مشروعات لدعم لاجئين فلسطينيين، وأيضاً مشروعات لدعم المرابطين في المسجد الأقصى ضد محاولات التهويد الصهيونية، ودعم قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وجرحى العدوان على قطاع غزة، بالإضافة إلى إقامة عرس جماعي إسلامي هو الأول من نوعه في تركيا.
دور هيئة علماء فلسطين في الخارج
وقال د. مفيد أبو عمشة، نائب رئيس هيئة علماء فلسطين في الخارج: إن دور الهيئة أن تعمل على خدمة قضية وشعب فلسطين، إلى جانب قضايا الأمة الإسلامية كلها، موضحاً أن الهيئة تعمل على تقوية الوحدة بين الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وعلى ارتباط الفلسطينيين في الشتات بوطنهم، وأنها تدعم كافة الجهود التي تستهدف الحفاظ على القدس ومواجهة المخططات الصهيونية.
واختتم أبوعمشة بالتأكيد على أن فلسطين قضية إسلامية، وأن التأصيل الشرعي لهذه القضية والعمل على تفعيل دور علماء الأمة لنصرتها، وحشد الرأي العام وأحرار العالم لإزالة الاحتلال الصهيوني ودعم المقاومة الفلسطينية، هو من أولويات عمل الهيئة.
وحدة كلمة العلماء
من جانبه، ثمن د. محمد غورماز، رئيس الشؤون الدينية في تركيا، الفعاليات العلمائية الداعمة لقضية فلسطين، وأكد أن أرض فلسطين ثابتة في عقيدة المسلمين جميعاً كأرض إسلامية.
ودعا علماء فلسطين في داخلها وخارجها ومن كافة الانتماءات إلى الائتلاف والتوافق ونبذ الخلافات، ووضع الخطط الواضحة للعمل المشترك وحشد طاقات العلماء وحشد الرأي العام الإسلامي والإنساني لنصرة قضية فلسطين.
وأوضح أن من أولويات دور العلماء في فلسطين وخارجها، دحض الافتراءات الصهيونية التي تدعي حقاً لها في المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين ومدنها، مشيراً إلى أن الأمة الإسلامية تتطلع لأن يكون علماء فلسطين أكثر الناس تمسكاً بالحقوق الإسلامية في فلسطين، ونوه إلى أن الضغوط قد تكون كبيرة وأشد مما قبل، بغرض تصفية القضية الفلسطينية.
تحديات وأخطار تتزايد
أما السفير الفلسطيني لدى تركيا فايد مصطفى، فقال: إن مجمل الظروف العامة التي تمر بها القضية الفلسطينية والأمة العربية والواقع الإسلامي في العالم، يضاعف أهمية دور العلماء، لاسيما وأن الاحتلال الصهيوني يواصل بشكل ممنهج حصار قطاع غزة وتهويد مدينة القدس وعمليات الاستيطان.
وتوقع السفير الفلسطيني أن تزداد جرائم الاحتلال الصهيوني بحق فلسطين، استناداً من قبل الاحتلال إلى الجانب الأمريكي خاصة بعد تولي الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترمب الذي أظهر عنصرية تجاه المسلمين.
وأكد أن الظروف الراهنة وما تعيشه الأمة الإسلامية من تحديات لا سيما بعد تصاعد خطاب الكراهية وظاهرة “الإسلاموفوبيا” ومحاولات وصم الإسلام بالإرهاب، تفرض على الأمة وقادتها تدارك المخاطر التي تحدق بالعالمين العربي والإسلامي، والوقوف أمام هذه المخططات التي تستهدف تشويه الدين الإسلامي، وكذلك الوقوف أمام المشروع الصهيوني الذي قال: إن الفلسطينيين يشكلون خط الدفاع الأول في مواجهة هذا المشروع الصهيوني.
العلماء وخروج الأمة من كبوتها
وقد ألقى الشيخ أسامة الرفاعي، رئيس المجلس الإسلامي السوري، كلمة نيابة عن علماء الأمة الإسلامية، قال فيها: إن المخاطر التي تحدق بالأمة لم تعد تخفى على أحد التي من مظاهرها تخندق أعداء الإسلام في العالم كله في خندق واحد ضد الأمة الإسلامية، وأوضح الرفاعي أن قضية المسلمين جميعاً واحدة، وأن كل المشكلات التي تواجه الأمة إنما هي مفردات لهذه القضية، مؤكداً أن على المسلمين جميعاً وفي مقدمتهم العلماء، هو اجتماع الكلمة ورص الصفوف، موضحاً أنه إذا توحدت كلمة العلماء فإنما ستتوحد الأمة جميعها من ورائهم.
وأضاف الرفاعي أنه بقراءة التاريخ نجد أن دائماً الأمة الإسلامية لم تتوحد إلا عندما توحدت كلمة العلماء مثل ما حدث أثناء الغزو التتري أو الصليبي لبلاد المسلمين.
وأكد رئيس المجلس الإسلامي السوري أن عين قضية المسلمين جميعاً هي فلسطين وبيت المقدس، وأن هذا هو ما يشغل جميع المسلمين حول العالم، فجميعهم أبصارهم تتجه صوب المسجد الأقصى.
أولويات الخطاب العلمائي في المرحلة الراهنة
وقد أعقب الجلسة الافتتاحية، ندوة حوارية بعنوان “الخطاب العلمائي في المرحلة الراهنة موجهات وأولويات”، وقد أشار د. نور الدين خادمي، العالم المقاصدي المعروف وزير الأوقاف والشؤون الدينية التونسي السابق، خلال كلمته في الندوة، إلى عدد من الأولويات التي يجب مراعاتها في خطاب العلماء، وأوضح أن الإصلاحات الحقيقية هي الواجب الوطني والديني الموكول للأمة حالياً وفي مقدمتها العلماء، موضحاً أن الإصلاح الحقيقي هو معنى ومبنى وليس دعوة أو شعاراً أو برنامجاً مؤقتاً، وشدد على أن الإصلاح لا يمكن أن يأتي من إرادة غير حرة.
وأضاف أنه من الأولويات التي يجب مراعاتها في الخطاب العلمائي في المرحلة الراهنة، تأسيس الوعي في الخطاب العلمائي، وأن هذا الخطاب العلمائي لا بد أن يتحلى بقيم تأسيس وعي الأمة وترسيخ معارفها بما يحفظ حقوق الأمة والارتقاء بها، ويحافظ على وحدة الدول وقيم المجتمعات والفضيلة.
وأشار خادمي إلى أن خطاب العلماء لا بد أن يتسق مع الثورات والإصلاحات، ومواكبة الفكر السياسي الجديد الذي لا ينفصل عن تاريخ وتراث الأمة وإنما يستكمله بمحددات تراعي الواقع الجديد.
وأكد أن من أولويات قضايا الأوطان والأمة الحفاظ على الدول في خطاب العلماء بغض النظر عن الأوضاع الاجتماعية أو السياسية، وبغض النظر عن الحزب الذي يحكم، وبالتالي فمن مهام العلماء التأكيد على أهمية الحفاظ على قيم المجتمع والتعليم وهكذا.
وفي البعد العالمي والإنساني، أشار وزير الأوقاف والشؤون الدينية التونسي السابق إلى أن الوجود الإسلامي في الغرب يحتاج إلى خطاب علمائي، يناسب بيئة الغرب وواقعه وبيئة المسلمين في الغرب والدول غير المسلمة التي لها اعتبارات تختلف عن الدول العربية والإسلامية، يراعي هذا الخطاب الحفاظ على الوطن والدين، والاندماج الإيجابي، مضيفاً أن دور العلماء أن يحملوا الغرب بما فيه من مسلمين وغيرهم على الانتصار لقيم الحق والعدل بدون عنصرية أو تعصب، بدون أن ننسى أن نثمن موقف المعتدلين والمنصفين في الغرب.
انتخاب مكتب تنفيذي جديد
جدير بالذكر أن هيئة علماء فلسطين في الخارج تعنى بالإسهام في نشر التأصيل الشرعي للقضية الفلسطينية ومستجداتها بأبعادها المختلفة بطريق علمي منهجي، وإلى تفعيل دور علماء الأمة تجاه القضية الفلسطينية ودعم الشعب الفلسطيني الذي يعاني من الاحتلال الصهيوني وفي الشتات.
ويستمر المؤتمر لثلاثة أيام بدءًا من الخميس 2 فبراير حتى السبت الرابع من فبراير 2017م، إذ من المقرر أن يجري اليوم السبت انتخاب المكتب التنفيذي الجديد للهيئة لأربع سنوات قادمة.