بعد أن كانت توصف بـ”التاريخية” باتت القنصلية الأمريكية في مدينة القدس مجرد “وحدة للشؤون الفلسطينية”، ضمن السفارة الأمريكية لدى إسرائيل، بقرار من إدارة الرئيس دونالد ترامب.
طوت واشنطن، الإثنين 4 مارس/ آذار الجاري، تمثيلها الدبلوماسي الذي بدأ بالقدس في 1844، أي قبل 175 عاما، ما جعلها واحدة من الممثليات الدبلوماسية الأمريكية الأطول تاريخيا في المنطقة.
وألغت إدارة ترامب اسم “القنصلية الأمريكية العامة في القدس”، وأصبحت كارين ساساهارا آخر قنصل أمريكي عام في القدس، بعد سبعة أشهر فقط على توليها المنصب، في أغسطس/آب 2018.
ويأتي دمج “القنصلية العامة” في السفارة ضمن تبعات نقل واشنطن سفارتها لدى إسرائيل، يوم 14 مايو/ أيار 2018، من تل أبيب إلى مدينة القدس الفلسطينية المحتلة، في خطوة يرفضها الفلسطينيون.
** دمج القنصلية مع السفارة
مع دمج “القنصلية العامة” في السفارة، أطلقت واشنطن على القنصلية اسم “وحدة الشؤون الفلسطينية” بالسفارة.
وقالت السفارة عبر موقعها الإلكتروني، الإثنين، إن “التمثيل الدبلوماسي الأمريكي في القدس تأسس لأول مرة عام 1844، وتم تحديد البعثة كقنصلية عامة في 1928، وفي مارس (آذار) 2019 تم دمج القنصلية مع السفارة”.
وأضافت: “كجزء من السفارة الأمريكية بالقدس، فإن عمل القنصلية العامة سابقا مستمر، تحت إدارة وحدة الشؤون الفلسطينية”.
ومنذ تأسيسها في القدس عملت القنصلية كبعثة دبلوماسية مستقلة تولت العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع الفلسطينيين، بالمقابل تولت السفارة في تل أبيب مسؤولية العلاقات مع إسرائيل.
وتأسست السفارة أواخر ستينات القرن الماضي، قبل أن تنتقل إلى القدس في 14 مايو/أيار الماضي، وهو اليوم الذي يوافق ذكرى قيام إسرائيل عام 1948 على أراضٍ فلسطينية محتلة.
وبدأ التمثيل الدبلوماسي الأمريكي في منطقة “باب الخليل” بالبلدة القديمة في القدس، ثم انتقل إلى مبنيين، الأول في القدس الشرقية للمعاملات القنصلية، والأخير في القدس الغربية، كمقر للعلاقات السياسية وإقامة القنصل الأمريكي العام.
وفي 2010 أصبح للقنصلية مبنى للمعاملات القنصلية في المنطقة الفاصلة بين شطري القدس الشرقي والغربي، وهو ما تحول إلى مقر للسفارة الأمريكية الجديدة، العام الماضي.
بينما تحول مقر القنصلية في القدس الشرقية إلى “البيت الأمريكي”، وهو يُعنى بالتعاون الثقافي مع الفلسطينيين.
** رفض فلسطيني
بشدة، عارض الفلسطينيون نقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى القدس، واعتبروه تكريسا من ترامب لاعترافه في 6 ديسمبر/ كانون أول 2017، بالقدس بشطريها الشرقي والغربي، عاصمة مزعومة لإسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال.
ويتمسك الفلسطينيون بالقدس الشرقية عاصمة لدولتهم المأمولة، استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية، التي لا تعترف باحتلال إسرائيل للمدينة منذ عام 1967.
وأعلنت الخارجية الأمريكية، في مايو/أيار الماضي، عن بقاء القنصلية كبعثة دبلوماسية مستقلة مسؤولة عن العلاقات مع الفلسطينيين.
لكن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، أعلن، في 18 أكتوبر/تشرين أول الماضي، عن دمج القنصلية بالسفارة.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية روبرت بالادينو، في بيان الإثنين: “تندمج القنصلية الأمريكية العامة في القدس في سفارة الولايات المتحدة في القدس لتشكلا بعثة دبلوماسية واحدة”.
وتابع: “سيكون ثمة استمرارية كاملة للنشاط الدبلوماسي والخدمات القنصلية الأمريكية أثناء عملية الدمج وبعدها”.
وأردف: “سنواصل ممارسة كافة المهام الدبلوماسية والقنصلية التي كانت تؤديها السفارة الأمريكية في القدس”.
وأضاف بالادينو: “وسنشارك في مجموعة واسعة من عمليات إعداد التقارير والتواصل والبرامج في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومع الفلسطينيين في القدس، من خلال وحدة الشؤون الفلسطينية بالسفارة”.
ومحاولا تبرير خطوة الدمج زاد بقوله إن “الدافع وراء هذا القرار هو جهودنا العالمية لزيادة كفاءة وفعالية مشاركاتنا الدبلوماسية وعملياتنا.. ولا يشير ذلك إلى تغيير في السياسة الأمريكية بشأن القدس أو الضفة الغربية أو قطاع غزة”.
وشدد على أن واشنطن “وكما ذكر الرئيس (ترامب)، تستمر في عدم اعتماد أي موقف من قضايا الوضع النهائي، بما فيها مسألة الحدود. وتخضع الحدود المحددة للسيادة الإسرائيلية في القدس لمفاوضات الوضع النهائي بين الطرفين”.
ومفاوضات السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي متوقفة منذ أبريل/ نيسان 2014؛ جراء رفض إسرائيل وقف الاستيطان والقبول بحدود ما قبل حرب يونيو/ حزيران 1967 أساسا لحل الدولتين.
ومضى المتحدث الأمريكي قائلا إن “الإدارة ملتزمة بالجهود الرامية إلى تحقيق سلام دائم وشامل يوفر مستقبلا أكثر إشراقا لإسرائيل والفلسطينيين”.
وردا على إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، والذي أثار غضبا عربيا وقلقا دوليا، أعلنت السلطة الفلسطينية وقف الاتصالات السياسية مع الإدارة الأمريكية، بما فيها القنصلية، وتدعو إلى إيجاد آلية دولية لرعاية عملية السلام.
وترفض السلطة الفلسطينية أي تعامل مع السفارة الأمريكية، وتدعو إلى إعادتها إلى تل أبيب، والتراجع عن الاعتراف بالقدس عاصمة مزعومة لإسرائيل، كشرط لإعادة الاتصال مع إدارة ترامب.