قمة التناقض والازدواجية في فرنسا ماكرون: علمانية في الداخل ودينية في الخارج!
في خطوة غريبة وقبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، قرر الرئيس إيمانويل ماكرون مضاعفة دعم فرنسا المرصود للمدارس المسيحية في المنطقة العربية والشرق الأوسط، معللاً ذلك بكونه “التزاماً علمانياً تاريخياً” للجمهورية، في خطاب يشابه بشكل كبير ما يقوله عادة منافسوه في اليمين المتطرف.
ماكرون أعلن، في 2 فبراير 2022، في لقاء مع نشطاء مسيحيين يتولون مهمة دعم المسيحية والمسيحيين في المنطقة العربية أن الدولة الفرنسية وجمعية “أوفر دوريان” ستضاعفان معاً مساهماتهما في صندوق دعم مدارس الشرق برفعها إلى 4 ملايين يورو، وأنه سيتم مضاعفة المبالغ المالية للصندوق الذي أنشئ في يناير 2020، ودعم عام 2021 قرابة 174 مدرسة مسيحية، بينها 129 في لبنان، و16 في مصر، و20 في الأراضي الفلسطينية، و3 في الأردن، وفقاً لما نشرته “وكالة الأنباء الفرنسية”.
وبرر ماكرون هذه الخطوة أمام 150 مدعواً في قصر الإليزيه بكون “دعم مسيحيي الشرق هو التزام علماني لفرنسا ومهمة تاريخية”، ويشكل “استجابة لضرورة عدم التخلي عن النضال من أجل الثقافة والتعليم والحوار في هذه المنطقة المضطربة”
بالمقابل، لا يزال ماكرون وحكومته يقودون حرباً ضد المدارس الإسلامية بفرنسا، مضطهدين مسلميها ويصورونهم خطراً محدقاً بالبلاد، حتى إنه أغلق مدارس ومساجد بدعاوى أنها تعلم أطفالها التطرف، في إشارة لتعاليم الدين الإسلامي، وفتح الباب أمام صعود خطاب الكراهية ضد مسلمي فرنسا الذين يشكلون ثاني أغلبية دينية في البلاد.
ولا يزال ماكرون وحكومته يلاحقون مسلمي البلاد ويشنون حملة تضييق على مؤسساتهم، ذلك منذ أن ألقى خطابه الذي يدعو لمحاربة ما أسماه “الانعزالية الإسلامية”، جاعلاً من مسلمي البلاد الخطر المحدق بالجمهورية، وبعد سن حكومته قانوناً خاصاً لذلك.
وبموجب هذا القانون، أصبحت التهم جاهزة لإغلاق مساجد ومدارس البلاد التي تتبع الديانة الإسلامية.
وفي سنة 2021، أغلقت تلك الحكومة 21 مسجداً بالبلاد، وحلت عدداً كبيراً من المدارس والجمعيات والمؤسسات التابعة لمسلميها، كما خلقت شقاقاً سياسياً بين ممثلي الشأن الديني للجاليات الإسلامية هناك.
ويقول مراقبون: إن قرار ماكرون جاء عقب تسليط عدد من المرشحين للانتخابات الرئاسية، خاصة من المحسوبين على اليمين بشقيه المعتدل والمتشدد على مسيحيي الشرق الأوسط ومصيرهم، لذلك سعى كي يزايد عليهم.
وقد استغرب عدد من المثقفين والصحفيين الفرنسيين توجه ماكرون لسن قانون حول المسلمين، في وقت تعيش فيه البلاد أزمات متتالية! واستغربوا التحول الراديكالي في خطابه حيث كان يعارض في حملته الانتخابية السابقة اليمين الداعي إلى اضطهاد مسلمي فرنسا، والآن يتبنى نفس خطاب اليمين المتطرف؛ ما يدل على ازدواجية معاييره واستغلاله السياسي للقضايا مع قرب الانتخابات الرئاسية!
لعبة دينية خطيرة
ويقول ألان غريش، الصحفي الفرنسي المخضرم رئيس تحرير موقع “أوريون 21″، ورئيس حزب “الاتحاد الديمقراطي لمسلمي فرنسا”، المرشح الرئاسي نجيب أرزقي: إن دوافع ماكرون انتخابية حيث يسعى للبحث عن حصد أصوات في اليمين الفرنسي المتطرف، والسعي للفوز بالانتخابات، لكنهما حذرا أنها لعبة دينية خطيرة.
وقال غريش: هي دوافع انتخابية تدفع إلى البحث عن حصد أصوات في اليمين، ومن ثم التحضير لمقابلة محتملة مع مارين لوبان في الدور الثاني من الانتخابات القادمة، التي سترغم اليسار بالمقابل على منحه أصواتهم لأنهم لا يريدون لوبان رئيسة للجمهورية، وبالتالي يضمن حظوظه في ولاية ثانية، لكنها لعبة خطيرة!
فيما قال أرزقي: إن ماكرون في ظل فشله في حل مشكلات الفرنسيين يزايد بخلق مشكل مزيف لإلهاء الشعب عن حقيقة ذلك الفشل.
اللعب بورقة المسيحيين العرب
وتزامن ذلك مع زعم تقرير نشرته صحيفة “تلغراف” البريطانية، في 25 ديسمبر 2021، أن وضع المسيحيين في الشرق الأوسط “كارثي” ويهدد بالإخلال بتواجدهم في التركيبة السكانية للمنطقة.
واتهم ضمناً حكام المنطقة بالمسؤولية عن المعاناة التي يعيشها بعض المسيحيين، وكيف أنهم يواجهون اضطهاداً وعنفاً، مثل المسلمين في ظل أنظمة قمعية مثل سورية ومصر.
التقرير الذي كتبته مراسلة مختصة في حقوق الإنسان تحدث عن تضاؤل أعداد المسيحيين في الشرق الأوسط بشكل يهدد أكبر ديانة في العالم بالانقراض من المنطقة التي كانت ذات يوم مهداً لها.
وحسب إحصاءات الفاتيكان، تراجع عدد مسيحيّي الشرق الأوسط إلى نحو 15 مليوناً، وأصبحوا اليوم يشكّلون ما نسبته 4% فقط من إجمالي سكان المنطقة، بعدما كانوا يشكّلون 20% قبل الحرب العالمية الأولى.
وتسعى بعض التقارير الغربية للعب بورقة المسيحيين العرب منذ سنوات بغرض التدخل في شؤون العالم العربي بدعاوى حماية الأقليات، ويفطن كثير من المسيحيين العرب لذلك وينتقدونهم.
وفي كتابه “من يحمي المسيحيين العرب؟”، تحدث د. فكتور موسى سحّاب، لبناني مولود في يافا، يثبت أن المسلمين لم يضطهدوا المسيحيين، وأن ما يقال عن العنف الإسلامي ضد المسيحيين كذب، وأن المسيحيين العرب اضطهدوا 3 مرات في التاريخ لم يكن المسلمون طرفاً في أي منها، بل كان وجودهم رحمة وسلاماً وخلاصاً لهم.