الهند تعد من أعرق الحضارات، حيث شهدت حياة الاستقرار البشري منذ نحو 9 آلاف سنة، ومنذ ذلك الحين تعتبر بلداً متنوع الثقافات والديانات، ويجمعهم التبادل الثقافي والاحترام، وخلال الاحتلال البريطاني لشبه القارة الهندية (1858 – 1947م) أو ما سُمي بـ«الراج البريطاني»، حاول الهنود التخلص من هذا المستعمر البغيض، وتوحد الجيش الهندي في العديد من الثورات ضد الاحتلال، ولكن في القرن العشرين، وبعد استقلال الهند عام 1947م، انقسمت شبه القارة الهندية إلى دولتين؛ إحداهما ذات أغلبية مسلمة؛ وهي جمهورية باكستان الإسلامية، وأخرى ذات أغلبية هندوسية؛ وهي جمهورية الهند الشعبية، وأقر الدستور عام 1950م، وأكد في نصوصه «علمانية» الدولة، ووصف المجتمع بأنه متعدد اللغات والأعراق.
ولكن الحكومة الهندية في السنوات الأخيرة، ومع وصول حزب «بهاراتيا جاناتا» اليميني المتطرف إلى سدة الحكم، «كشَّر» عن أنيابه، ورمى بالدستور الذي عدل عام 1976م أرضاً، وبقي الحقد الدفين على الإسلام والمسلمين مسيطراً على حكومة «ناريندرا مودي»، رئيس الوزراء.
فما تشهده الهند هذه الأيام من تحرش بالمسلمات ونزع حجابهن (الإسلام الديانة الثانية في البلاد، ونسبة المسلمين 14.2% من عدد السكان) أمر لا يتوافق مع كل الأعراف؛ سواء في القانون الهندي أو الدولي، وتنص المادة (18) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن: «لكل إنسان الحق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة، ولا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، ولا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون التي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية».
فأين منظمات حقوق الإنسان مما تتعرض له أخواتنا المسلمات في الهند من نزع للحجاب ومنع للدراسة، وأيضاً مما يتعرض له المسلمون في الهند بصفة عامة، من قتل واعتداءات، وهدم للمساجد، ومنع الكثير من المظاهر الإسلامية؟ ماذا لو ذبحت بقرة أو تم الاعتداء على معبد في الهند؟ ألن يُتهم من يقوم بذلك بالإرهاب ويتم تجييش الجيوش وتشن الحروب؟ وأين منظمة التعاون الإسلامي مما يحدث للمسلمات في الهند؟ أليس الدفاع عن المسلمين أولى من التعاون مع الهندوس واليهود؟ لماذا نرى معابد الهندوس في الدول العربية، بينما المساجد تهدم في الهند؟! لماذا لم تخرج الاحتجاجات الشعبية في البلاد العربية والإسلامية؟ فلم نرَ إلا وقفة لأبناء وبنات الشعب الكويتي أمام السفارة الهندية، وطلباً برلمانياً بمنع دخول المنتمين إلى هذا الحزب المتطرف إلى دولة الكويت.
يقول الشاعر:
أنَّى اتجهت إلى الإسلام في بلد تجدْهُ كالطير مقصوصاً جناحاه
للأسف، لقد وصلنا إلى هذه الحال، مع أننا نملك كل مقومات الحلول ليس للمسلمين في الهند فقط، وإنما لكل مشكلات الأمة الإسلامية، ومنها أن العمالة والبضائع الهندية هي الغالبة في منطقتنا الإسلامية، فنستطيع أن نُقنن تلك العمالة، ويكون هناك حصار اقتصادي على الهند من خلال المقاطعة، ومن ذلك فرض رسوم عالية على التحويلات للهند، ونستطيع أن نحمل قضية المسلمين في الهند إلى المنظمات الدولية.
ورسالتي إلى السياسيين الهنود: ماذا دهاكم؟ ماذا تريدون من استفزاز مواطنيكم؟ فهم هنود مثلكم، وقانونكم يتيح لهم اعتقاد ما يريدون، أتريدون أن تنشئوا جيلاً حاقداً عليكم؟ عودوا إلى صوابكم، فمهما حاولتم إرهاب المسلمين فلن تنجحوا، وإنما سترون الآلاف من أمثال الفتاة الهندية الشجاعة التي خرجت متحدية قطعان الهندوس، إننا موقنون بنصر الله وتأييده، ولو توهمتم أننا ضعفاء، لا.. بل نحن أقوياء بإيماننا بالله تعالى، فعودوا إلى رشدكم، قال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج).