“الأوليغارشية” هي تحكم أقلية في السلطة أو المال، و”الأوليغارشيون الروس” هم رجال الأعمال في الجمهوريات السوفيتية السابقة الذين تربحوا على الثروة بسرعة خلال عصر الخصخصة الروسية في أعقاب تفكك الاتحاد السوفياتي في التسعينيات.
ولعقود من الزمان دأب الأوليغارش الروس على نقل مليارات الدولارات من الأموال غير المشروعة إلى الخارج، ووضعوها في شركات وهمية لجعل تعقبها أمراً في غاية الصعوبة.
مركز أبحاث أمريكي: حجم الأموال الروسية المهربة حول العالم تقدر بنحو تريليون دولار
وحجم هذه “الأموال السوداء” الروسية المهربة حول العالم تقدر بنحو تريليون دولار، بحسب مركز الأبحاث الأمريكي “أتلانتيك كاونسل”.
لكن القيود الأمريكية والأوروبية عليهم دفعتهم للتفكير في الانتقال لملاذات آمنة أخرى بعيداً عن بلاد الغرب.
وقد كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في 9 مارس الماضي عن أن 38 رجل أعمال روسياً يملكون أصولاً عقارية واستثمارية في دولة عربية، بما يبلغ قدره 314 مليون دولار.
وبعد العقوبات الأخيرة التي أصبحت تهدد من هم على شاكلتهم في الدول الغربية، زاد إقبال الأثرياء الروس على تلك الدولة للاستقرار ومباشرة أعمالهم.
وحسب بحث لمركز “الدراسات الدفاعية المعمقة” في واشنطن، يملك الأوليغارشيون المقربون من بوتين ما لا يقل عن 76 من الأملاك في تلك الدولة، يديرونها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
أبرز هذه الشخصيات ألكسندر بوروداي عضو مجلس الدوما الذي عمل رئيس وزراء للأقاليم الانفصالية في شرق أوكرانيا، وباكخان غاييف عضو مجلس الدوما المالك لشركة بترولية روسية، وألكسي أليكسين أحد كبار موردي التبغ في بيلاروسيا وهؤلاء الثلاثة فقط مجتمعين يملكون عقارات بقيمة 75 مليون دولار.
لكن الجديد هو تصاعد الحديث في مصر عن السعي لجذب هؤلاء الأوليغارش الروس كي تستفيد مصر من أموالهم في دعم مصاعبها الاقتصادية الحالية.
يدفع إلى ذلك علاقات القاهرة وموسكو الجيدة وقبول مصر مبادلة القمح من روسيا بالدفع بالعملة الروسية الروبل عكس القيود الأمريكية، وكذا سعي القاهرة لمضاعفة استثماراتها مع روسيا.
وقد دعا سياسيون مصريون الحكومة إلى فتح أبوابها أمام المستثمرين الروس بعد تجميد أصولهم في الغرب.
ودعا حزب “نداء مصر” مجلس الوزراء إلى الترحيب بالمليارديرات الروس حتى تستفيد مصر من نفيهم من الأسواق الأوروبية والأمريكية.
وقال رئيس الحزب طارق زيدان في بيان صدر في 20 مارس الماضي “على الحكومة التواصل مع المستثمرين الروس والحكومة الروسية ومنحهم امتيازات للاستثمار في مصر، لا سيما في الصناعة والطاقة والسياحة”.
وأضاف لصحيفة “المونيتور” الأمريكية: “أعددنا دراسة للصناعات التي قد نستفيد فيها من الاستثمارات الروسية وسنرسلها للحكومة قريباً، فنحن في أزمة اقتصادية، والشيء المهم الآن هو جذب هذه الاستثمارات”.
أيضاً طالب رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين علي عيسى في 7 أبريل الماضي، في تصريحات لصحيفة “الأهرام” المملوكة للدولة، بإعادة عقد الصفقات التجارية مع روسيا لتذليل العقبات التي تواجه المصدرين المصريين في السوق الروسية.
كما ذكر السفير الروسي في مصر جورجي بوريسينكو في أكتوبر 2021، أن المستثمرين المصريين يريدون جذب المزيد من المستثمرين والشركات الروسية إلى مصر.
ويوم 16 أبريل الماضي، قدمت جمعية رجال الأعمال المصريين مقترحاً للحكومة المصرية لفتح حسابات بنكية بالروبل الروسي.
وكانت مصر اضطرت، للتصويت على قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة يدين الغزو الروسي لأوكرانيا تحت تهديد أمريكي وأوروبي بعد بيان أصدره سفراء الاتحاد الأوروبي والناتو بالقاهرة لمطالبتها بالتصويت مع قرار الادانة، لكنها رفضت لاحقاً قراراً آخراً يقضي بتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان بسبب “الانتهاكات الجسيمة والمنهجية لحقوق الإنسان” في أوكرانيا.
مصالح السلطات المصرية مع روسيا قد تدفعها للمضي قدماً في اجتذاب الأوليغارش الروس
مصالح مصر مع روسيا
ويقول مراقبون: إن سعي مصر لاجتذاب الأوليغارش الروس بدعوى أنهم مستثمرون والقاهرة في حاجة ماسة للاستثمارات سببه انهيار اقتصادها، لكن يتوقع أن يغضب ذلك أمريكا بشدة لأنها تعتبر هؤلاء الروس هم من يدعمون حرب بوتين في أوكرانيا وغالبيتهم من أنصاره.
فبعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، تقود الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وبريطانيا، إضافة إلى عدد من الدول الحليفة لها، حملة عقوبات تستهدف الاقتصاد الروسي، أفراداً وشركات ومنظمات مالية.
لكن مصالح السلطات المصرية مع روسيا قد تدفعها للمضي قدماً في هذا الخيار خصوصاً في ظل حاجتها لقمح روسيا واشتراط روسيا شراء سلعها بالروبل الروسي للتغلب على المقاطعة والحصار الغربي.
وبلغت الاستثمارات الروسية في مصر 8 مليارات دولار نهاية 2020، يتركز معظمها في قطاع الطاقة.
وتعتمد مصر بشدة على روسيا لتلبية احتياجاتها من القمح، وتستفيد المدن المصرية الساحلية المطلة على البحر الأحمر من السياحة الروسية كما تستثمر روسيا في مشاريع عملاقة في البلاد، مثل محطة الطاقة النووية في الضبعة وكذلك المنطقة الصناعية في قناة السويس.
ويعاني الاقتصاد المصري من آثار تدهور خطيرة في ظل تداعيات حرب أوكرانيا واستمرار سيادة الديون من أجل الانفاق على مشاريع غير ربحية مثل العاصمة الإدارية.
ويبلغ إجمالي ديون مصر 400 مليار دولار منها 145.5 مليار دولار ديون خارجية فقط، وهو أعلى أربع مرات مما كان عليه عام 2010.