في ظل التغيرات السريعة التي تحدث في هذا الزمن، وتسارع الانفتاح التكنولوجي، أصبحت التربية تفقد تلك السهولة والبساطة التي كانت عليها في السابق
في ظل التغيرات السريعة التي تحدث في هذا الزمن، وتسارع الانفتاح التكنولوجي، أصبحت التربية تفقد تلك السهولة والبساطة التي كانت عليها في السابق، فأصبح العقوق أسهل من كبسة زر في الأجهزة المحمولة، ولعل الآباء سبب من أسباب عقوقهم أنفسهم، حين اعتقدوا أن تربية الأبناء قواعد لا تتغير، وجهلوا تلك الحكمة العظيمة التي نطق بها علي بن أبي طالب حين قال: «ربوا أبناءكم لزمن غير زمانكم».
في السابق، يقف الأبناء ساعة يستمعون لنصح الآباء، الآن أصبح جلياً تذمرهم من النصح، ولا نلومهم، فالوقت يمر بسرعة، وأصبح الاختصار في كل شيء هو السمة الأساسية لزماننا، فوسائل التواصل الاجتماعي شجعت كل ذلك، 130 حرفاً على «تويتر»، و15 ثانية على «الإنستجرام» والكيك وغيرها.
ولذلك وجب علينا – كآباء – أن نتعلم فنوناً تربوية تتماشى مع هذا الزمن المنفتح السريع، مع الحفاظ على الهوية الإسلامية، لنخرج جيل النهضة الذي نحلم به.
والمراهقة هي المرحلة الأصعب في مراحل التربية؛ لما يشوبها من تغيرات سريعة نفسية وعقلية وجسدية وعاطفية، تجعل الوالدين في حيرة من أمرهم، سأتطرق من خلال هذه السلسلة إلى شرح هذه التغيرات، وكيفية العلاج، وأهم الاضطرابات السلوكية والنفسية للمراهق؛ لنعبر سوياً مرحلة المراهقة بأمان وسلام وحب.
تناولنا في العدد الماضي موضوع النمو العقلي للمراهقين، وتحدثنا عن ميزتين من مميزات تفكير المراهق، واليوم نتناول ميزتين أخريين:
3- يدرك المراهق اتجاهات وماهية الأشياء مثل إدراكه لمفاهيم الخير والشر، والجمال والقبح، والعدالة والظلم، في حين يعجز الطفل عن إدراك هذه المفاهيم.
وهنا يسبب للبعض من المراهقين الحيرة، خاصة أنه قد يكتشف أن ما يقوم به أبوه هو شر محض فيبدأ بكرهه والانتقام منه.
مثال ذلك كان «داود» طفلاً بريئاً يشاهد والده أحياناً حين يستيقظ من النوم صباحاً، ملقى على الأرض وبجانبه السجائر وبعض الإبر والزجاجات الفارغة، والرائحة كانت لا تطاق، كان يقترب من أبيه بدافع الحب ليمسح على رأسه ظناً منه أنه مريض، ولعل والده أحياناً ينهره فلا يفهم معنى ذلك.
أما عندما كبر أدرك أن ذلك شر محض؛ فبدأ يصب جام غضبه عليه وينتصر لأمه التي ظلمها أبوه وظلم هو معها كذلك.
لذلك كانت أم داود تشتكي وتقول: عندما كان أصغر من ذلك لم يكن يبالي، كان يحاول أن يقترب من والده ويحبه.. نعم كلامك صحيح؛ لأنه لم يدرك أن ذلك شر محض فلم يفرق بين الخير والشر والقبح والجمال.
حرصه على الجمال:
يقوم بالعناية بملابسة واختيار ما يناسبه من ملبس، كذلك اختيار طعامه بعكس الطفولة، لم يكن يقدّر الجماليات في الملبس ولا يختار المناسب في الوقت المناسب.
أتذكر أن أحد أولادي عندما كان صغيراً كان يرتدي ملابس الشتاء في الصيف والعكس في فصل الشتاء، بل إنه في إحدى المرات أصر أن يذهب للحضانة في الصندل الصيفي وكان الجو شتاء.
أما الآن فهو يختار بعناية ملبسه ويعرف أن لكل لباس مناسبة وموسماً.
4- يتأثر تفكير المراهق بالخبرات التي يمر بها، فكلما تنوعت وازدادت هذه الخبرات؛ نمت واتسعت مجالات تفكيره.
فإن كانت خبراته صحيحة متزنة أخرجت لنا رجلاً (أو امرأة) ناضجاً سليماً نفسياً، خاصة إن كان هناك توافق أسري واهتمام من الأسرة بتعدد خبرات الطفل في مرحلة الطفولة.
أعرف صديقة تكبرني سناً وأعتبرها مربية لي، كنت أراقبها وهي تهتم بإشراك أولادها بأكثر من نشاط، وتنوع لهم في ذلك وتشجع مواهبهم وإن كان إنتاجهم دون المستوى، كان وجهها يتهلل بكل إنتاج لهم، بعد كل هذه السنوات أشاهد أبناءها وقد أصبحوا من المتميزين في المجتمع، فأحدهم شاعر، والآخر كاتب، وأحدهم يقود أكبر تجمع شبابي في الكويت.