لأول مرة في مصر، أقيمت في النصف الأول من شهر فبراير (7 – 14/2/2014م) صلاة جماعية في الكنائس المختلفة لمدة أسبوع، من أجل توحيد كافة الكنائس المنشقة عقائدياً منذ قرون، ودمجها في كيان واحد.
لأول مرة في مصر، أقيمت في النصف الأول من شهر فبراير (7 – 14/2/2014م) صلاة جماعية في الكنائس المختلفة لمدة أسبوع، من أجل توحيد كافة الكنائس المنشقة عقائدياً منذ قرون، ودمجها في كيان واحد.
وقد مر الحدث وغطته وسائل الإعلام بأنواعها، مجرداً في حد ذاته، دون أن يتساءل أحد عن سبب هذا الاحتفال ولا عن معناه، بل ولا حتى عن مغزاه فيما يتعلق بمصر أو انعكاسه عليها بما أن الجهة التي أقامته هنا هي الكنائس المصرية.
وقد ورد الخبر على النحو التالي: «أقيم هذا الأسبوع تحت رعاية «مجلس كنائس الشرق الأوسط»، (التابع بدوره لمجلس الكنائس العالمي)».
كما أعلنت المواقع الفرنسية الكنسية أنه ستقام أيضاً يوم 7 مارس 2014م صلاة للمسيحيات في مصر والعالم خاصة في فرنسا، من أجل توحيد الكنائس، بمبادرة من الكنائس الفرنسية مع توضيح أنها «مع ومن أجل المرأة المسيحية في مصر»، تحت عنوان له مغزاه «ستتدفق المياه في الصحارى».
ولمن لا يعرف الموضوع، فإن فكرة «توحيد الكنائس» بدأت بإنشاء المجلس العالمي لتوحيد الكنائس سنة 1948م، في أمستردام، وإن كانت إدارته توجد في جنيف بسويسرا.
وعام 2010م أصبح يضم عضوية 349 كنيسة من الكنائس المنشقة أو المختلفة عقائدياً، إلا أن مجمع الفاتيكان الثاني (1962 – 1965م) هو الذي تبنى فكرة التطبيق الفعلي وحددها كبرنامج عمل وقرار لا رجعة فيه، ليتم تحت لواء كاثوليكية روما.
تلاعب بالعقائد
وهذا المجمع قرر من ضمن ما قرر «تبرئة اليهود من دم المسيح»، بعد أن ظلت الكنيسة تلعنهم على مدى ألفي عام تقريباً؛ وهو ما يوضح أن التلاعب بالعقائد في المؤسسة الكنسية شيء مألوف، من أجل السياسة والمصالح، وما من أحد يمكنه المناقشة أو الاعتراض، كما قرر ذلك المجمع الفاتيكاني الثاني «تنصير العالم»؛ وقرر إنشاء «المجلس البابوي من أجل توحيد الكنائس»؛ و«المجلس البابوي من أجل الحوار بين الأديان»، وهو ما يوضح أن هذا القرار مثله مثل كل قرارات ذلك المجمع هي قرارات لا رجعة فيها ولا نقاش.
ولن أذكر هنا إلا القرارات المتعلقة بموضوع هذا المقال، ومن البديهي أن قرار «تنصير العالم» يعني ضمناً قرار «اقتلاع الإسلام»، ويكفي إلقاء نظرة على ما يتجرعه المسلمون في العديد من البلدان وخاصة في بورما أو في أفريقيا الوسطى ذات الأغلبية المسيحية، ومحاولات اقتلاع الإسلام والمسلمين؛ لندرك حقيقة ما يدور وسط صمت العالم الغربي والفاتيكان المحركان لهذا الاقتلاع.
وتأكيداً لعملية «تنصير العالم» التي بدأ الإعلان عنها على استحياء عند انتهاء المجمع الفاتيكاني عام 1965م، أعاد البابا «يوحنا بولس الثاني» إعلانها رسمياً، من مدينة شانت يقب في إسبانيا عام 1982م، ثم أورد معناها صراحة في كتاب «الجغرافيا السياسية للفاتيكان»، موضحاً: «أنه لابد من توحيد كافة الكنائس للتصدي لموجة المد الإسلامي»، وهو ما يوضح الهدف الأساس من عملية توحيد هذه الكنائس وخاصة انعكاسها على مصر المسلمة.
تنصير العالم
وإذا ما رجعنا إلى قرارات أخرى لنفس مجمع الفاتيكان الثاني لرأينا أنه قرر «فرض المساهمة في عملية التنصير على كافة المسيحيين في العالم، الكنسيين منهم والمدنيين»، وهي أول مرة في التاريخ يصدر فيها الفاتيكان قراراً متعلقاً بالمدنيين؛ كما قرر «فرض المساهمة في عملية تنصير العالم على كافة الكنائس المحلية في العالم»، وهو ما عبّرت عنه آنذاك قائلة أكثر من مرة: «إن الفاتيكان بهذا القرار يضع الكنيسة وأتباعها في مصر في موقف «الخيانة» بالنسبة لمصر المسلمة وللمسلمين جميعاً».
الأمر الذي يكشف أهمية وضرورة أن يدرك ويعي الجميع، مسلمون ومسيحيون، حقيقة ما يدور في العلن وفي الخفاء.
وترجع أولى محاولات الكنيسة المصرية للاندماج في عملية «توحيد الكنائس» والخروج عن تعاليم عقائدها إلى البابا «شنودة الثالث»، عندما سافر إلى الفاتيكان عام 1973م، بعد عام من انتخابه رئيساً للبطريركية المصرية، وكان أول مسؤول في الكنيسة المصرية يسافر في زيارة رسمية منذ عام 451م، أيام «مجمع خلقيدونيا» الذي أقر أن المسيح، «النبي المقتدر» كما تقول الأناجيل، الذي تم تأليهه في مجمع «نيقية الأول» عام 325م، هو «إله ذو طبيعتين»، وهو ما يخالف عقيدة الكنيسة القبطية التي تؤمن بأن له طبيعة واحدة، إضافة إلى أكثر من خمسة عشر خلافاً أخرى، وتمت القطيعة بين الكنيستين.
بيان مشترك
وعندما التقى البابا «شنودة الثالث» بالبابا «بولس السادس» أصدراً بياناً مشتركاً يوم 10 مايو 1973م، أعربا فيه عن استمرار «الخلاف اللاهوتي» بينهما، وأكدا الإيمان المشترك بين المؤسستين؛ بمعنى إيمانهما بأن المسيح إلهاً، واتفقا على وقف التراشق بينهما أو استقطاب الأتباع والعمل على توحيد الكنائس، كما أن «شنودة الثالث» قد اعترض على تحديد الفاتيكان بأن «كنيسة المسيح الوحيدة هي الكنيسة الكاثوليكية»، رغم التعديل الذي أدخلته الفاتيكان بدلاً من عبارة «هي»، وكتب بدلاً عنها عبارة (Subsistit in)، وتعني «قائمة»، وهي رغم التغيير أشد في المعنى من حيث إنها تعني «قائمة دائمة»، وبهذه الاتفاقية وضعا حداً لخمسة عشر قرناً من المعارك اللاهوتية بين الكنيستين اعتماداً على التحايل والتغاضي.
ويقول البيان في إحدى فقراته: «بالفعل، منذ عام 451م انبثقت بيننا خلافات لاهوتية استمرت وتفاقمت بسبب عوامل غير لاهوتية، وهي خلافات لا يمكن تجاهلها، ورغمها، مع ذلك، نعيد اكتشاف أنفسنا ككنائس لها ميراث مشترك، ونجاهد بإصرار وثقة في الرب أن نصل إلى كمال واكتمال هذه الوحدة التي هي هبة منه»؛ أي أن البابا «شنودة» يقر بوجود خلافات لكنه يتنازل ويوافق ويجاهد لتحقيق وحدة الكنائس!
مواصلة الحوار
وهناك اتفاقيات أخرى تمت آنذاك، فبعد عودة «شنودة الثالث» إلى القاهرة تم إنشاء لجنة مشتركة من القبط والكاثوليك لمواصلة الحوار بينهما، ودراسة مجالات التراث الكنسي والآباء والعبادات واللاهوت والتاريخ والمشكلات العملية، وكل الخلافات بين الكنيستين بحيث يمكنهما «التعريف بالإنجيل بصورة تتفق ورسالة الرب الحقيقية واحتياجات وتطلعات عالم اليوم»، وهو ما يشير بوضوح إلى قضية «تنصير العالم».
وتوالت الزيارات المتبادلة بين مسؤولي الكنيستين، وفي عام 1974م، أيام الأسبوع الدولي السنوي للصلاة من أجل اتحاد الكنائس، أعلن البابا «شنودة الثالث» قائلاً: «العالم المسيحي بأسره شغوف ليرى وحدة الكنائس، أن المسيحيين يدفعون رؤساء كنائسهم للعمل على وحدة الكنائس وأنني لعلى يقين من أن الروح القدس يدفعنا لتحقيق ذلك».
ونفس الصياغة نراها تتكرر عند زيارة الأنبا «تواضروس الثاني» للبابا «فرانسيس» في الفاتيكان، إذ قالت وكالة أنباء «فيديس» التابعة للفاتيكان يوم 4 مايو 2013م: إن «تواضروس الثاني» هو الذي أعرب عن رغبته للذهاب إلى روما، وذلك عند استقباله مندوب الفاتيكان في مصر بكاتدرائية «سان مارك»، وقد تناولتُ هذه الزيارة آنذاك بمقال بعنوان «خلفيات تواضروس الثاني والفاتيكان»، وعند انتخاب البابا «تواضروس الثاني» يوم 4 نوفمبر 2013م أرسل إليه البابا «بنديكت السادس عشر» رسالة تهنئة ودعاه للحوار، وإلى وحدة كافة المسيحيين في كنيسة واحدة، وقد تناولت هذه الزيارة بانعكاساتها آنذاك في مقال آخر بعنوان «زيارة تواضروس الثاني للفاتيكان».
وإذا ما أخذنا في الاعتبار موقف الكنيسة القبطية في مصر، وكل ما انجرفت إليه من أحداث ومواقف غير أمينة، اعتماداً على التواطؤ مع الغرب ومع الفاتيكان، والوقوع في شراك مخططاتهما المدمرة لكيان البلدان المسلمة وشعوبها، وليس هذا الموقف بجديد أو مرتبط بالبابا «تواضروس الثاني» منذ توليه منصب البابوية وحده، وإنما هو تاريخ ممتد تورط فيه البابا الراحل «شنودة الثالث»، وما أكثر الأحداث التي تكشف عن أن النوايا غير مطمئنة وغير أمينة، ولا أذكر منها هنا إلا الإصرار المتعصب الذي لا مبرر له على تنصير شكل الدولة المسلمة ببناء المزيد من الكنائس، علماً بأن السيد المسيح قد طالب بأن تكون الصلاة في الغرفة بالبيت وغلق بابها، أي عدم الاستعراض والتباهي بالصلاة؛ والاستيلاء على أراضي الدولة لبناء الأديرة، وآخرها الاستيلاء على محمية وادي الريان في محافظة الفيوم، وهي الواقعة التي نشرتها جميع الصحف! وقد تناولت بعض هذه المواقف في مقالين آنذاك أحدهما بعنوان «خطاب مفتوح إلى البابا شنودة الثالث»، والمقال الآخر بعنوان «رسالة إلى البابا شنودة».
لا أكتب استفزازاً لأحد ولا لإثارة البلبلة، وإنما هي محاولة جادة بكل ما تحمله من آلام ومعاناة لنتدارك الموقف، فالإطار العام لكل ما دار ويدور، في العلن وفي الخفاء، يحتم علينا جميعاً إعادة النظر في مختلف المواقف المتعددة التي ستؤدي بحالها الراهن إلى الانفجار حتماً، والرصاص أو القنابل حين تتساقط لا تفرق بين مسلم ومسيحي.
ليت إخواننا المسيحيين يقرؤون النصوص والوثائق، بموضوعية وأمانة، والتعاون بصدق على حل مشكلات مصر بدلاً من الانصياع لبعض القيادات أو القساوسة المنفلتة والتي لا يعنيها إلا تأجيج الفتنة في مصر بين المسلمين والمسيحيين، وأذكر، على سبيل المثال لا الحصر، كتاب الأنبا «يوحنا قولته» الذي تناولته في مقال بعنوان نفس الكتاب وهو «المسيحية والألف الثالثة».>
المصادر:
1- رابط اتفاقية البابا «شنودة» والبابا «بولس السادس» يوم 10 مايو 1973م:
http://www.vatican.va/roman_curia/pontifical_councils/chrstuni/anc-orient-ch-docs/rc_pc_christuni_doc_19730510_copti_fr.html