لقد أصبح العالم الإسلامي يحن إلى طافية النجاة الأبدية لإرساء سفينته إلى الجودي حتى تسكن الأرض، وتطمئن الوهاد والميادين المضطربة، وتتنفس الأنفس راحة وروحة، ويطل بأعينه الواهية إلى مطلع شمس يأتي بخبر جديد، ويحدد نظرته نحو فلق يحييهم بفجر مبتسم، ويا ليت الصبح قريب والظلام بعيد من كل باب.
الشرق الأوسط، وحتى الآن لم تنطفئ ناره، ولم يسكن غباره، بل هو وحده يقوم في فوهة الانفجار وعلى وشك الانتحار، السُّنة والشيعة و”الداعش” والمسلمون، والخلافة والعربية، والإسلام والكفر، أصبح الدين في القلق والخطر، في كل واد صرخات تتردد، وفي كل نادية أخبار القتلى والمرضى والجرحى، وفي كل قنوات مشاهد الأطفال الرضع والبنات المغتصبة والمباني الخربة، طفل يساومه كل مفلس وبنت تباع ولو لثلث أو سدس، ولكن القرارات تنهمل وتتقاطر مثل الشلالات، من الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية والأمم المتحدة، ومن محكمة “أمريكا العادلة”.
لقد نفشت غنم القوم في حديقة الإسلام فما وجدوا سليمان أو داود، فضاع دمهم مهدراً، فضل الطريق إلى المحكمة أو أصبح لقيطاً بين كثبان الصحراء وظل شعارهم مجرد رشحات في جدران الزمان.
أما شبابنا الذين بيدهم يستقيم الظل، وإن كان العود أعوج انشغلوا عن متطلبات الساعة، وانهمكوا في الحشايا والأطراف، وأخواتنا خلعوا حجاباً فرضه الحبيب على أمهات المؤمنين، ورقعوا جلباباً طرزه المصطفى بقوله الشريف، فكيف يصلح العطار ما أفسده الدهر.
من أنتم اليوم؟
في الماضي، نعم في الماضي، صافحنا ملائكة الرحمن، فتلاكمت سيوفنا بإذن الله في الميدان، ما كان عدو يقبل ولا يتحدى، وما كان أي كافر أو مشرك يتقدم فيبارز، بل قذف الله في قلوبهم الرعب وجدد في قلوبهم ذكريات خيبر وبدر، فتولوا مدبرين، وانهزموا هاربين، في الحال بل في هذه الساعة، لقد طال ليل الأنين، فمروا في دموعه سنين، مع أنه أمة أبت للركوع لغير الله، وردت كل كيد في نحور العدو، فماذا بقي في تركة خالد ومثنى؟ وهل بليت بردة كعب؟ وهل خرق كساء أهل بيت النبي المصطفى؟
يجترون أن خالداً خرق صفوف العدو فأصاب ميمنهم وميسرهم، ويفتخرون أن عقبة وابن قاسم أتى السند وهزم الجند، بل كلها ذكريات مكسرة أطرافها وممزقة غلافها، طبعاً كنتم ملوك الأرض وهم عبادها، وكنتم سلاطينها وأساطينها، وكنتم زيداً وهم عمر تضربون ويضربون، فأخبرني من أنتم اليوم؟ وما عنوانكم؟ وما بطاقتكم؟
فجدد أخي في الإسلام تراثاً دفنت أنت وحدك في طبقات العراق والشام وفي سورية ويمن بل في مصر وتونس، وهل تأخرتم في إدراك كيد العدو وفي إطلاق قيده، أم رهنتم مريمكم وفاطمتكم لمتعة ليلة أو ليلتين؟ كلا؛ انتفض من غبارك وانهض من منامك وجدد حياتك، تفكر أن في دماغك طاقة كهرباء تخرق كل الأشياء وفي جماجمك قريحة تحطم غل الأعداء.
في الماضي صرخت امرأة مسلمة وا معتصماه حين لطمها السجان، فلم يتلاشَ هذا الصدى حتى لباه الخليفة وأطلقها من برثن السجان والجلاد، وذا حجاج يلبي أختاً تصرخ واحجاجاه حين غصبها قطاع البحر بساحل الهند، حيث ربطوا قلبهم بأخوة الإسلام فأسرعوا إلى الإجابة والتلبية.
وفي سورية، وفي يمن، وفي أفغان، لا تبقى إلا خلالة هضمها الاستعمار والاحتلال بأنيابه وأضراسه مع أنها كانت بوابة تاريخ وعتبتها، قامت تحمي عزة الأمة وإباءها، وفي تقلبات الزمان تغيرت مهجتها، وزالت بهجتها ولم تبق إلا صورة الجسم واللحم، فرب نداء وحنين أصبح من غير صدى حتى تراكمت الجثث في أزقتها وفي مدنها.
يعلمون أن العدو يبيت في بحبوحة دارهم، وينمو ويشبع تحت سمعهم ومنظرهم، ولكن أصابهم شل وملل أو نسيان قاتل، فلا تقع في الحال إلا ما مر عليها التاريخ من قبل وعبر عليها الأيام بطراً وبطشاً، وما تفكروا أن التاريخ تكرار بعد تكرار، وأن الدنيا مسرح تحقيقها ومرتع واقعها.
الصهيونية ولباب الإسلام
أما الشعب الإسلامي الذي اشتدت عليه وطأة الرقدة وقبضتها، لا بد ليقظة منتفضة من سريرها؛ حتى لا يمسها أي سوء، نحن شعب شاهدنا مد التاريخ وجزره حتى وصلنا إلى ضفاف يمد إليه أجاشع اليهود والنصارى، ويطل من كوة بيوتهم إلى هذه الدرر الكامنة وتبيعونها في أسواقهم، ولكنها تجارة بائرة وبضاعة مزجاة.
فمن الذي يلعب وراء هذه العمليات الجراحية، هي قوة واحدة حقاً، هي الصهيونية التي فتكت لباب الإسلام وخرقت إجماعها وأسبلت دموعها.
والتحديات المعاصرة تنفجر من معين واحد وترتدي حلة خلعتها في ماضيها، وهل ترقد موجة قبضت على استعمارات التتار؟ وهل ترقد أمة كانت رهباناً بالليل وفرساناً بالنهار؟ دعوة حق قضت على الحركة الاعتزالية، واعتقاد صحيح سيطر على إخوان الصفا وخلان الوفا، لم تركع دون التحدي والأزمات والمشكلات بل تتحرك بطاريتها مشحونة بالقوة الإلهية وبالمقدرة السماوية؛ لأنه يقذف بالحق فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون.
في بنيات أيامنا نقشت بعض وقفات لامعة، تسطع كبرق الليل وتخترق مثل الرعد والصلصال، ومن هذه المواقف الحية نودع طاقة جديدة ونروي عروقاً مخضرة لتثبت سيقان شجرة الإسلام ويجلو سيف السلام، مثل معركة “بدر”، تلك الوقعة الحاسمة التي منها بدا الإسلام مبتسماً، وازدهر مجده قاصماً كل عداوة، فكل واقعة جرت في قريب من الأيام تؤذن أن الصياد واحد، وأنه يكمن في عقر دار صاحبه.
وأما اليهود – قاتلهم الله – فيقومون بهذه المسرحيات المأساوية، يتسللول مترصدين، ومن غرقدهم تنبت الفتن والملاحم، ومن تلمودهم يرتل مزمار الشيطان والخلاعة، يسيطرون على المواقع والشبكات وينشرون رسالة خليعة، خالية من لب المروءة لتوقع توصياتهم أثراً عميقاً، ولتنتج هذه العمليات الشنيعة في كل فؤاد يحن إلى التقوى، وأما الصهيونية فهم أنفسهم وراء كل جريمة، وراء هذه الحوادث الوخيمة، وما هي إلا لبلبلة أفكارهم وزلزلة أقدامهم أمام تيار الإسلام.
فما فلسفتك أيها المسلم؟ خذ الكتاب بقوة وقاوم به من أتاك وساء بك، فحسبك كتاب الله وسُنة رسوله، ولا تلتمس أي بضاعة في سوق الغربية، تلك تجارة بائرة ومساومة خاسرة، فابن في نفسك خيبر تدمر من أتاك حاقداً وماكراً، وجدد في حياتك عليا ومثنى والبراء.
لسنا من نبيع سلاحنا لأدنى ترفهنا، بل نعلي جبيننا مهما شددنا عليه العصابة، فارم غرقداً تنموا في فيافيك، لقد أطلقنا النار إلى فيك، ألق التلمود لقد أتى موسى بعصاه فإذا هي تلقف ما تأفكون.
على حين أصبح العالم يطل إلى فجر سعيد، وظل المسلمون يرمقون إلى طافية نجاة وإلى سفينة نوح ألقى اليم طفلاً بريئاً في الساحل، ومن روحه المفقود يردد في خبايا العالم، أين المسيح المنتظر والمهدي المؤمر؟ لقد آن الزمان لإزالة مخيمات الحزن والكآبة ولسوف ينزل عيسى في المنارة البيضاء واضعاً كفيه على أجنحة ملكين، فهيا إلى تلك اللمحة المبتسمة رغم ما صبت فيها قنابل “داعش” وأصحابها، ولسوف يعلو الوحي السماوي على الخرافات والترهات، فمرحباً إلى صبح سعيد لنستمع خير الأناشيد.