بعد نحو 4 شهور من محادثات لا تزال ترعاها واشنطن والبنك الدولي، بشأن أزمة سد النهضة الإثيوبي، تقدمت مصر “خطوة” للأمام بتوقيع أولي لاتفاق ملء وتشغيل السد، بينما تراجعت إثيوبيا للخلف بصورة علنية بالتغيب عن الاجتماع الأمريكي نهاية فبراير/ شباط الماضي، الذي شهد التوقيع.
ولم يقف التراجع الإثيوبي للخلف عن الغياب الذي اعتبرته مصر “متعمدا”، في بيان للخارجية قبل أيام، بل خرج وزيران إثيوبيان في مؤتمر صحفي الثلاثاء، ليعلن أحدهما عن اعتزام بلاده ملء السد في يوليو/ تموز المقبل، دون الالتزام بتوقيع الاتفاق، وهو ما رفضته القاهرة لاحقا.
وبينما السودان لا يبرح مكانه بالمراوحة في المنتصف كعادته دائما، بحسب مراقبين، منذ بداية المشاورات الثلاثية قبل سنوات، حيث قدم ملاحظات اعتراضية على اتفاق واشنطن، مقتربا من رفض أديس أبابا، وفي الوقت ذاته تمسك بأهمية ملء السد عقب توقيع اتفاق شامل، منحازا لمصر قليلا.
وبينما إثيوبيا تقول، في المؤتمر الصحفي السابق الذي أثار جدلا، إن “المياه مياهنا ولا قوة ستمنعنا”، كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، يترأس اجتماعا موسعا لقيادات الجيش يتحدث عن الأمن القومي المصري بعد وقت قصير من محادثة تلقاها من نظيره الأمريكي دونالد ترامب، تطرقت لتحركات الأخير لإنجاز اتفاق سد النهضة.
ومنذ 9 سنوات، يتسبب مشروع السد في خلافات، لا سيما بين إثيوبيا ومصر، حيث تتخوف القاهرة من تأثير سلبي محتمل للسد على تدفق حصتها السنوية من مياه نهر النيل البالغة 55.5 مليار متر مكعب، بينما يحصل السودان على 18.5 مليارا.
وتقول أديس أبابا، إن المشروع حيوي لنموها الاقتصادي، حيث تسعى إلى أن تصبح أكبر مصدر للطاقة الكهربائية في إفريقيا، بأكثر من 6 آلاف ميغاوات.
وانطلق مسار واشنطن لبحث إتمام اتفاق لسد النهضة، بعد شهر من إعلان القاهرة في 5 أكتوبر/ تشرين أول 2019، أن الأمور وصلت إلى “طريق مسدود”، مطالبة بوسيط دولي، وسط نفي ورفض إثيوبيين.
وفي 22 أكتوبر، أعلنت مصر تلبية دعوة واشنطن لـ”كسر جمود المفاوضات”، بالتزامن مع تلويح رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، بإمكانية خوض الحرب، قبل أن يصحح ويؤكد أن تصريحاته (بشأن خوض حرب) تم اجتزاؤها من سياقها، ويشدد على تمسك إثيوبيا بمسار المفاوضات وصولًا إلى اتفاق نهائي.
ووفق بيانات رسمية وتقارير صحفية، ترصد الأناضول، تفاصيل ما يربو عن 4 أشهر من انطلاق مسار واشنطن على النحو التالي:
** 6 نوفمبر/ تشرين ثاني 2019.. انطلاق مسار واشنطن
برعاية الخزانة الأمريكية، وحضور البنك الدولي، أسفر اجتماع وزراء خارجية مصر والسودان وإثيوبيا في واشنطن، عن الاتفاق على عقد أربعة اجتماعات فنية يتخللها اجتماعان بالولايات المتحدة للتقييم، على أن يتم توقيع اتفاق منتصف يناير/ كانون ثان 2020 أو اللجوء للوساطة.
** 15 نوفمبر.. الاجتماع الفني الأول
انطلق ليومين في أديس أبابا على مستوى الوفود الفنية من الدول الثلاث، بمشاركة ممثلي الولايات المتحدة والبنك الدولي، وناقش مراحل تخزين سد النهضة.
** 2 ديسمبر/ كانون أول 2019.. الاجتماع الثاني
انطلق بالقاهرة بالتشكيل السابق، وتم بحث العناصر الفنية الحاكمة لعملية ملء وتشغيل سد النهضة.
** 10 ديسمبر/ كانون أول 2019.. الاجتماع التقييمي الأمريكي الأول
أعلنت القاهرة أن الاجتماع التقييمي في واشنطن، “حدد مسار المفاوضات والعناصر التي يجب تناولها من أجل التوصل إلى اتفاق حول ملء وتشغيل سد النهضة بحلول 15 يناير/كانون ثان 2020”. أو اللجوء لوساطة، دون تفاصيل.
** 21 ديسمبر/ كانون الأول 2019.. الاجتماع الثالث
بحث الاجتماع الفني الثالث في الخرطوم الوصول إلى حلول لعدد من النقاط العالقة المتعلقة بقواعد الملء والتشغيل.
** 10 يناير/ كانون ثان 2020.. الاجتماع الرابع والأخير
اتهمت الخارجية المصرية، الجانب الإثيوبي الذي استضاف الجولة الرابعة بـ”التعنت” وأنها عطلت الوصول إلى تحقيق تقدم ملموس، وسط نفي إثيوبي، وذلك غداة اختتام رابع وآخر الاجتماعات “دون توافق”.
** 12 يناير.. إثيوبيا تلجأ للوساطة
رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، يطلب من رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، الوساطة في مفاوضات سد النهضة؛ نظرا لأن بلاده ستتسلم رئاسة الاتحاد الإفريقي عام 2020 خلفا للقاهرة، دون موقف مصري رسمي وعدم تعليق سوداني.
** 14 يناير.. الاجتماع التقييمي الأمريكي الثاني والأخير
استضافت واشنطن وفود الدول الثلاثة لتقييم الجولات، التي انتهت وفق إعلان القاهرة وأديس أبابا “دون توافق” على ملء وتشغيل السد.
قبل أن يعلن السودان توافقه مع كل من مصر وإثيوبيا، على عقد اجتماع يومي 28 و29 من الشهر نفسه في واشنطن، من أجل وضع اتفاق شامل لملء وتشغيل “سد النهضة”.
** 31 يناير.. موافقة على الذهاب لاتفاق
أعلنت كل من مصر وإثيوبيا والسودان، التوصل إلى اتفاق حول جدول ملء “سد النهضة”، وآلية التعامل مع حالات الجفاف، على أن يتم اجتماع ثلاثي في واشنطن يومي 12 و13 فبراير من أجل إقرار الصيغة النهائية للاتفاق، وفق بيان مشترك.
** 14 فبراير/ شباط 2020.. اتفاق وشيك
أعلنت كل من مصر والسودان وإثيوبيا، أنه سيتم توقيع الاتفاق النهائي بشأن ملء وتشغيل سد النهضة قبل نهاية فبراير، عقب اختتام جولة مفاوضات (بين 12 ـ 13 فبراير) في واشنطن.
فيما أبدت أديس أبابا، بعد يوم تحفظها على الأنباء التي تحدثت عن قرب توقيع اتفاق نهائي، معتبرة أن التوصل إليه “يحتاج الكثير من العمل قبل أن يتبلور، حسب تغريدة لوزير المياه والري الإثيوبي سيليشي بيكيلي على حسابه في “تويتر”.
** 22 فبراير.. رسالة إثيوبية لمصر
استقبل الرئيس المصري، رسالة من رئيس الوزراء الإثيوبي، تطرقت لملف سد النهضة دون تفاصيل في البيانات الرسمية.
** 25 فبراير.. رسالة إثيوبية للسودان
تسلم رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، رسالة من آبي أحمد، تتصل بمحادثات سد “النهضة”، وسط وقفة احتجاجية، في الخرطوم تطالب بوقف مفاوضات السد.
** 26 فبراير.. انسحاب إثيوبي من اجتماع التوقيع
أعلنت إثيوبيا، انسحابها من المشاركة في الاجتماع الثلاثي الذي كان مقررا لتوقيع الاتفاق في واشنطن؛ “لمزيد من المشاورات الداخلية”، فيما تحدثت تقارير أنها “لا ترغب في توقيع اتفاق لا تضمن أن البرلمان سوف يجيزه وهي مقبلة على انتخابات قريبة”.
** 29 فبراير.. توقيع أولي لمصر وخيبة أمل إثيوبية وملاحظات سودانية
أعلنت الخارجية المصرية أن بلادها قامت بالتوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق المطروح في اجتماع واشنطن، معربة عن تطلعها أن توقع السودان وإثيوبيا على الاتفاق باعتباره اتفاقاً عادلاً ومتوازناً ويحقق المصالح المشتركة.
الخارجية الإثيوبية تعرب عن “خيبة أمل” إزاء اجتماع واشنطن، وما أسفر عنه من توقيع أولي، مؤكدة أنها ستبدأ في ملء السد بالتوازي مع البناء وفق مبادئ الاستخدام العادل وعدم التسبب في أي ضرر وستواصل التفاوض لوضع لمسات أخيرة على الاتفاق النهائي.
فيما أعلنت الخرطوم في بيان لوزارة الري تقديم ملاحظات إلى واشنطن، حول مسودة الاتفاقية، مشددة على ضرورة التوصل لاتفاق شامل، قبل بدء عملية الملء الأول للسد.
1 مارس/ آذار.. رفض مصري لملء منفرد للسد
قالت الخارجية المصرية، إن “إثيوبيا تغيبت عمداً عن جولة المفاوضات الأخيرة حول سد النهضة في واشنطن يومي 27 و28 فبراير بهدف “الإعاقة”، رافضة اعتزامها ملء خزان السد دون اتفاق.
** 3 مارس.. التصعيد
ترأس الرئيس المصري، اجتماعا موسعا لقيادات الجيش، موجها بضرورة “الاستمرار في التحلي بأعلى درجات الحيطة والحذر والاستعداد القتالي والجاهزية لتنفيذ أية مهام لحماية أمن مصر القومي في ظل التحديات الراهنة التي تموج بها المنطقة”.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في محادثة هاتفية مع الرئيس المصري، يؤكد استمرار جهود بلاده للوصول إلى توقيع نهائي لمصر والسودان وإثيوبيا اتفاق ملء وتشغيل سد النهضة.
وزير الخارجية الإثيوبي، غدو أندرجاتشاو، قال في مؤتمر صحفي شارك فيه وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي، إن بلاده ستبدأ في التعبئة الأولية لخزان سد النهضة بعد 4 شهور، مضيفاً: “الأرض أرضنا، والمياه مياهنا، والمال الذي يبنى به سد النهضة مالنا، ولا قوة يمكنها منعنا من بنائه”.
فيما عقب محمد السباعي، المتحدث باسم وزارة الموارد المائية المصرية في تصريحات بأن إثيوبيا لا يمكنها ملء سد النهضة أو البدء فيه إلا بموافقة مصر والسودان طبقا للبند رقم 5 من اتفاقية إعلان المبادئ الموقعة بين البلدان الثلاثة في 2015، وتنص على أنه لا يتم الملء إلا بعد الاتفاق على قواعد الملء والتشغيل.