إن يوم العيد هو يوم فرح وسرور للمسلمين، ففيه يتجملون ويلبسون أحسن الثياب، وفيه يتزاورون ويتبادلون التهاني والتبريك بهذا اليوم المبارك، ويدعون ربهم أن يعيد عليهم من بركاته، وأن يعود عليهم مرات بعد مرات، وهم في غاية النصر والتمكين والهناء، والعيش الرغيد والحياة السعيدة.
أقوال العلماء في حكم صلاة العيد:
إعلان الفرح والسرور بالعيد شعيرة من شعائر الإسلام
لقد وردت مجموعة من الآراء في حكم صلاة العيد، فذهب بعض العلماء إلى أنها فرض عين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم داوم على فعلها وأكدها، وكان يأمر أصحابه بالخروج إليها، ويسقط بفرضها صلاة الجمعة عمن أدركها إذا اجتمع العيد والجمعة، ولأنه أمر أن يخرج لها النساء، حتى العواتق وذوات الخدور، وحتى الحيض من النساء، وذلك مما يدل على فرضيتها على الأفراد المكلفين، وذهب آخرون إلى أنها سُنة مؤكدة؛ لأن الفرض قد اختص بالصلوات الخمس، ولقوله صلى الله عليه وسلم لمن قال: هل عليَّ غيرها؟ قال: “لا إلا أن تطوع”، فيدخل في التطوع صلاة العيد؛ لأنها زائدة على الخمس، وذهب بعضهم إلى أنها فرض كفاية، ولعله الأرجح فتجب على أهل كل بلد، ولا تلزم جميع الأفراد؛ لأنها من شعائر الإسلام، وتفعل علانية، ويتبعها خطبة وتعليم وأحكام، فإذا قام بها من يكفي حصل المقصود.
من الآداب التي يتحلى بها المسلم يوم العيد:
1- الاغتسال قبل الخروج إلى الصلاة:
فقد صح في الموطأ وغيره أن عبدالله بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى (الموطأ)، وذكر النووي رحمه الله اتفاق العلماء على استحباب الاغتسال لصلاة العيد.
2- الأكل قبل الخروج في الفطر وبعد الصلاة في الأضحى:
صلاة العيد سُنة سنها الرسول صلى الله عليه وسلم
من الآداب ألا يخرج المسلم في عيد الفطر إلى الصلاة حتى يأكل تمرات، عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات.. ويأكلهن وتراً. (رواه البخاري)، ومن لم يجد تمراً فليفطر على أي شيء مباح، وأما في عيد الأضحى فإن المستحب ألا يأكل حتى يرجع من الصلاة فيأكل من أضحيته إن كان له أضحية، فإن لم يكن له من أضحية فلا حرج أن يأكل قبل الصلاة.
3- التكبير يوم العيد:
وهو من السنن العظيمة في يوم العيد لقوله تعالى: (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة: 185)، وعن الوليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي ومالك بن أنس عن إظهار التكبير في العيدين، قالا: نعم كان عبدالله بن عمر يظهره في يوم الفطر حتى يخرج الإمام، وصح عن أبي عبدالرحمن السلمي قال: “كانوا في الفطر أشد منهم في الأضحى”، قال وكيع يعني التكبير، وروى الدارقطني وغيره أن ابن عمر كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجتهد بالتكبير حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يخرج الإمام.
ولقد كان التكبير من حين الخروج من البيت إلى المصلى وإلى دخول الإمام أمراً مشهوراً جداً عند السلف وقد نقله جماعة من المصنفين كابن أبي شيبة وعبد الرزاق عن جماعة من السلف، ومن ذلك أن نافع بن جبير كان يكبر ويتعجب من عدم تكبير الناس فيقول: “ألا تكبرون”، وكان ابن شهاب الزهري رحمه الله يقول: “كان الناس يكبرون منذ يخرجون من بيوتهم حتى يدخل الإمام”.
من آداب العيد الاغتسال والتطيب ولبس أحسن الثياب والتهنئة الطيبة التي يتبادلها المسلمون فيما بينهم
4- التهنئة:
ومن آداب العيد التهنئة الطيبة التي يتبادلها الناس فيما بينهم أياً كان لفظها مثل قول بعضهم بعضاً: تقبل الله منا ومنكم أو عيد مبارك وما أشبه ذلك من عبارات التهنئة المباحة، فعن جبير بن نفير، قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: “تُقُبِّل منا ومنك”، فالتهنئة كانت معروفة عند الصحابة، ورخص فيها أهل العلم كالإمام أحمد وغيره وقد ورد ما يدل على مشروعية التهنئة بالمناسبات، ولا شك أن التهنئة من مكارم الأخلاق والمظاهر الاجتماعية الحسنة بين المسلمين.
5- التجمل للعيدين:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: “أخذ عمر جبة من إستبرق تباع في السوق فأخذها فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ابتع هذه تجمل بها للعيد والوفود فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هذه لباس من لا خلاق له”، رواه البخاري، فأقر النبي صلى الله عليه وسلم عمر على التجمل للعيد لكنه أنكر عليه شراء هذ الجبة لأنها من حرير، قال ابن رجب رحمه الله: “دل الحديث على التجمل للعيد، وأنه كان معتاداً بينهم”، وإنما أنكر النبي صلى الله عليه وسلم كونها حريراً ولم ينكر عليه طلبه أن يتجمل بها، وعن جابر رضي الله عنه قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم جبة يلبسها للعيدين ويوم الجمعة، وروى البيهقي بسند صحيح أن ابن عمر كان يلبس للعيد أجمل ثيابه.
6- الذهاب إلى الصلاة من طريق والعودة من آخر:
بعض الناس يعتقدون مشروعية إحياء ليلة العيد ويتناقلون في ذلك حديثاً لم يصح
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق” (رواه البخاري)، وقيل الحكمة من ذلك ليشهد له الطريقان عند الله يوم القيامة، والأرض تحدّث يوم القيامة بما عُمل عليها من الخير والشرّ، وقيل لإظهار شعائر الإسلام في الطريقين، وقيل لإظهار ذكر الله.
صفة صلاة العيد
صفة صلاة العيد أن يحضر الإمام ويؤم المسلمين بركعتين، عن أبي سعيد قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة” (رواه البخاري).
يُكبر في الأولى تكبيرة الإحرام، ثم يُكبر بعدها ست تكبيرات أو سبع تكبيرات لحديث عائشة رضي الله عنها: “التكبير في الفطر والأضحى الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرتي الركوع” (رواه أبو داود وصححه الألباني)، ثم يقرأ “الفاتحة”، ويقرأ سورة “ق” في الركعة الأولى، وفي الركعة الثانية يقوم مُكبراً فإذا انتهى من القيام يُكبر خمس تكبيرات، ويقرأ سورة “الفاتحة”، ثم سورة “اقتربت الساعة وانشق القمر”، فهاتان السورتان كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما في العيدين، وإن شاء قرأ في الأولى بـ”سبح” وفي الثانية بـ”هل أتاك حديث الغاشية”، فقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيد بـ”سبح اسم ربك الأعلى” و”الغاشية”، وبعد الصلاة يخطب الإمام في المصلين، قال النووي رحمه الله: “ويستحب للناس استماع الخطبة، وليست الخطبة ولا استماعها شرطاً لصحة صلاة العيد”، ويرى الإمام الشافعي كراهية ترك الاستماع لخطبة العيد.
تنبيهات على بعض المنكرات
1- بعض الناس يعتقدون مشروعية إحياء ليلة العيد، ويتناقلون في ذلك حديثاً لا يصح، وهو أن من أحيا ليلة العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب، وهذا الحديث جاء من طريقين، أحدهما ضعيف والآخر ضعيف جداً، فلا يشرع تخصيص ليلة العيد بذلك من بين سائر الليالي، وأما من كان يقوم سائر الليالي فلا حرج أن يقوم في ليلة العيد.
2- اختلاط النساء بالرجال في بعض المساجد والمصليات والشوارع وغيرها، ومن المحزن أن يحدث هذا في المساجد، فإن بعض النساء يخرجن سافرات ومتبرجات، ويحدث في المسجد زحام شديد، وفي ذلك من الفتنة والخطر العظيم ما لا يخفى، ولهذا لا بد للقائمين على ترتيب صلاة العيد من تخصيص أبواب ومسارات خاصة للنساء وأن يتأخّر خروج الرجال حتى ينصرف النساء.
3- تخصيص يوم العيد لزيارة المقابر والدعاء للأموات، قال الشيخ ابن باز رحمه الله: “أما قصد القبور أيام الأعياد فلا أعلم له أصلاً، زيارة القبور سُنة وليس لها حد محدود ولا وقت معين، بل يزورها ليلاً ونهاراً في العيد وفي غيره ليس لها وقت محدود، أما تخصيص الزيارة بأيام العيد أو بيوم معين فليس له أصل”.
أسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.