تتميز مرحلة الشباب بالرغبة الجنسية المتوقدة، واشتهاء النوع الآخر؛ فإن لم يتحصّن بالزواج الشرعي مالت نفسه إلى الحرام، ويزداد هذا الميل أو ينقص حسب البيئة التي يعيش فيها، محافظة أو متفسّخة، وحسب التزامه الديني، لكن تظل العزوبة خطرًا عظيمًا على الشباب، خصوصًا في ظل المغريات التي أوجدتها الثورة الاتصالية العصرية التي اخترقت الجُدُر، وتجاوزت الأعراف، وخلقت أنماطًا ثقافية تعارض ديننا وقيمنا، وأثمرت جنونًا جنسيًّا وممارسات لم تكن تخطر على البال.. وفي السنوات الأخيرة يسجل الشباب العربي اهتمامًا متزايدًا بالجنس، بالبحث عنه على وسائل التواصل، أو بما يحتفظون به من ملفات على هواتفهم؛ ما يؤكد أن الجنس في حياتهم يشكل هاجسًا ضاغطًا، ربما دفع البعض إلى مسار آخر، هو مسار الانحراف الجنسي بأشكاله المتعددة، وما ينتج عنه من آثار مدمّرة للفرد والمجتمع.
الإثم الأصغر والجُرم الأكبر
بسبب انكماش مشاريع الزواج في معظم بلدان العالم العربي -لأسباب سنذكرها لاحقًا- يلجأ كثير من الشباب إلى ما أسموه: (الإثم الأصغر)، وهو الجنس عبر الإنترنت، أو ما يُعرف باسم «الجنس الافتراضي»، كبديل متاح للزواج، بدءًا من الدردشة وإقامة علاقات عاطفية، ربما انتقلت من الافتراضية إلى الواقعية بعد ذلك، وانتهاء بالعلاقات الجنسية الافتراضية، التي ربما صارت أيضًا واقعية.. ومن وقَعَ في هذا الإثم لا شك داوم على مشاهدة الأفلام الإباحية التي تتسبب لصاحبها بأضرار نفسية وسلوكية وبدنية، غير الأضرار الواقعة على المجتمع، وهي كشارب ماء البحر، كلما ازداد شربًا ازداد عطشًا.. ولا شك أنه قد داوم أيضًا على «العادة السرية»، التي يؤدي الإفراط في ممارستها إلى احتقانات عضوية، وانتقال ميكروبات، وربما يفشل في إتمام العملية الجنسية حال زواجه، غير ما يصيبه من رُهاب وقلق واكتئاب، وعدم تركيز واحتقار للذات وغيرها.. ومن بين التحديات التي يواجهها الشباب العربي: الوقوع في الفاحشة والانحرافات الجنسية، أو ما يُطلقون عليه «الجُرم الأكبر»، وقد أُتيحت سُبلها في العقدين الأخيرين أكثر من ذي قبل.
الانحراف الجنسي
تحت قوة الدافع الجنسي وعدم المقدرة على الزواج تشيع العلاقات غير الشرعية، وتظهر على أثرها أشكال عجيبة لعقود زواج غرضها تقنين الزنى والتحايل لممارسة الفاحشة باسم الدين.. ويلجأ الشباب إلى بدائل شاذة لإشباع جوعهم الجنسي، فتنتشر بينهم الأمراض النفسية والعصبية، وتزداد التفسخات الاجتماعية والاضطرابات؛ لافتقاد الشريك ولعدم الاستقرار.
في عالمنا العربي سجلت الجرائم الجنسية رقمًا معتبرًا في قائمة الأمن العام لدوله، وبتنا نسمع عن ممارسات شاذة اقتصرت فيما مضى على دول الغرب، بل العجيب أن دراسات صدرت في بلدان عربية عُرفت بانغلاقها وندرة هذه الجرائم بها، باتت تحذر من تفشى ظواهر الانحراف بين المراهقات في المدارس والنوادي وغيرها، وتنبه من نشوء ظواهر أخرى أشد فتكًا بالمجتمعات كاللواط والسحاق والفتيشية والشبقية المرضية إلخ مما أتت به أفلام الشذوذ الغربية عبر الإنترنت، وما يتولّد عنها من جرائم قتل واغتصاب وهتك أعراض وسلوكيات سادية بهدف إلحاق الألم بالضحية، وما يتولّد عنها أيضًا من أمراض جنسية تهدد مستقبل الشباب وتفسد عليهم عيشهم.
الزواج شرعنا وشرع مَنْ قبلنا
لمّا كان الله تعالى، اللطيف الخبير، هو الأعلم بخلقه فقد استن لهم الزواج وجعله شرعنا وشرع من قبلنا من الأنبياء والمرسلين، فهو عبادة يؤجر عليها المسلم: (ثلاثةٌ حقٌّ على الله عونُهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف) [الترمذي]، وبه قضاء الوطر، وتحصين الفرج، وغض البصر وحماية العرض، وهو جدار واق من الأمراض النفسية.. والمجتمع الذي يكثر فيه الزواج مجتمع صحي ناهض، متساند قوي، والزواج يمنع الفوضى الجنسية، ويقي المجتمع من الأمراض والطواعين والأوبئة المهلكة.
وبالزواج قد أغلق الإسلام كل الطرق المؤدية إلى الانحراف الجنسي، وأمر بغض البصر وحفظ الفرج، وحذر وأنذر من الزنى، وتوّعد الشواذ في عمل قوم لوط –ويُقاس عليه سائر أنواع الشذوذ بمسمياتها الحديثة، وهي كل طريق من طرق الممارسة خارج إطار الزواج الشرعي وما أحل الله من مكان الحرث-؛ فقال تعالى: (أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ) [الشعراء: 165، 166]، وقال النبي ﷺ: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به» [أبو داود] .
تراجع معدلات الزواج في البلدان العربية
رغم التحديات الجنسية التي يعانيها الشباب العربي وما يتطلبه ذلك من المسارعة بتزويجه؛ فإنه وقع تراجع كبير في عقود الزواج في سائر بلدان المنطقة؛ إما بسبب الأزمات الاقتصادية وارتفاع معدلات الفقر وانتشار البطالة وانخفاض قيمة الأجور كما في مصر، أو بسبب غلاء المهور وارتفاع تكاليف الزواج وأزمة غلاء المسكن، كما في دول مجلس التعاون الخليجي، فباتت مؤسسة الزواج عبئًا ماديًّا ثقيلًا على الشاب، لا يستطيعها إلا بالاقتراض، وهو –أي الاقتراض- معاناة لا يشعر بها إلا من خاض تجربتها؛ ما دفع الكثير منهم إلى العزوف عن الزواج.
في بحث أجرته وزارة العدل الكويتية كشف أن (65%) من عوائق الزواج بسبب ارتفاع المهور، وهو ما أدى إلى زيادة نسب زواج الكويتيين بغير الكويتيات، وزيادة نسب الانحراف الأخلاقي والوظيفي.. وحين قررت بعض الجهات الرسمية التدخل بزيادة القروض ومساعدات الزواج، ارتفعت معها تلقائيًّا المهور وتكاليف الزواج.. وتحاول منظمات المجتمع المدني المساهمة في حل القضية والتخفيف من توابعها بتنظيم فكرة الأعراس الجماعية، لكن دون جدوى؛ فلا زالت هناك هوة كبيرة بين هذه الجهود –الأهلية والرسمية- والارتفاعات القياسية في تكاليف الزواج.
العنوسة والطلاق يستكملان المأساة
تسبب تعطُّل مشاريع الزواج في ارتفاع معدلات العنوسة في بلداننا العربية إلى نسب غير مسبوقة، وما يستتبع ذلك من أضرار تقع على المجتمع بأسره.. وقد سجلت دول الخليج في السنوات الأخيرة ارتفاعات كبيرة؛ حيث بلغت –على سبيل المثال- في الإمارات 70%، وفي السعودية 45%، وهذه الأرقام مرشحة للزيادة بفعل الأوضاع الاقتصادية وتغير البنية الاجتماعية.. وبالمثل ارتفعت معدلات الطلاق بشكل لافت، حتى اقتربت من نصف إجمالي عدد الزيجات في بعض البلدان (الكويت 48%، قطر 37%)، والسبب الرئيس فيها هو الأوضاع المالية وتكبيل الزوج بمتطلبات مادية تفوق مدخولاته، يكون من بينها تسديد القروض ومساعدات الزواج التي حصل عليها من قبل وأنفق جُلَّها على حفلة الزفاف وهدايا الخطوبة مما أقرته الأعراف المجحفة.. من أجل ذلك يتراجع الشباب عن الزواج؛ خوفًا من العبء المادي، وانصرفوا إلى اهتمامات تافهة تلهيهم عن هذا الاحتياج الغريزي مثل اقتناء السيارات والموبايلات أو الجلوس على المقاهي بالساعات، أو اللجوء إلى المخدرات والمسكرات.. وقد تنامت ظاهرةٌ أخرى أشد سوءًا، وهي ما يعرف بظاهرة (المرأة الرخيصة)؛ حيث باتت إحداهن تعرض نفسها للزواج غير المتكافئ، كأنها سلعة بائرة، خشية الحصول على لقب «عانس».
يسِّروا الزواج أثابكم الله
لعله بات واضحًا أن من الخير للأمة أن تيسر أمور تزويج الشباب؛ حفظًا لهم من الضياع، واستجلابًا لرضى الله جل شأنه، الذي جعله -إضافة إلى تحصين الفرج وصوْن الأعراض- بابًا من أبواب التعارف بين المسلمين، ومدّ حبال المودة والقربى فيما بينهم، وبه يحصل الأولاد الذين هم زينة الدنيا وقرة الأعين، وبابًا من أبواب الغنى والرزق.. فعلى الحكومات مسئولية إعانة الشباب على الزواج، كما أمر الشارع الحكيم، وعلى الأهل تيسير نفقاته؛ فإن البركة فيمن قلّت مؤنتها، وعلى المجتمع العودة إلى أنماط استهلاك وصرف عوضًا عن تلك الأنماط التي غزتنا وأفسدت بيوتنا.. ويقع على الشاب نفسه جُلُّ المسئولية؛ فلو أراد العصمة من فتنة المغريات لسعى إلى الزواج سعيًا، ولوطّن نفسه على فعل الخيرات وترك المنكرات؛ فإن من يستعفف يعفّه الله.