كل إنسان يحب أن يربح ويكسب، وإذا تيسر له الكسب بدون جهد يُذكر وبقدر أكبر، فما من شك أنه سيكون أشد حرصاً وأعظم اهتماماً،
كل إنسان يحب أن يربح ويكسب، وإذا تيسر له الكسب بدون جهد يُذكر وبقدر أكبر، فما من شك أنه سيكون أشد حرصاً وأعظم اهتماماً، فإذا ضُمن له ذلك الربح في كل يوم، فإنه سيواظب بلا انقطاع على التحصيل وجمع المزيد.
والآن ما رأيك – أخي القارئ – لو أنك أنت الذي دُعيت لتأخذ تلك الأرباح، وتنال تلك المكاسب، هل ستفرط فيها أو تتنازل عنها؟ إن تفكيرك في مصلحتك وفائدتك سيمنعك من ذلك.
ما رأيك لو أن الدعوة إلى تلك الغنائم كانت للجميع، وكل من حضر في الوقت المحدد وأدى ذلك العمل الميسر نال الأعطيات الجزيلة والمنح العظيمة؟ ألست معي أن الجميع سيبادرون، وسيتواصى الأقارب والمعارف للمشاركة في الحصول على الغنائم، وسيكون المتخلف عن ذلك مفرطاً وجانياً على نفسه، ومضيعاً للفرصة العظيمة في الحصول على الغنيمة الكبيرة؟
دعني أخبرك أن الذي يعطي تلك الغنائم ليس غنياً من الأغنياء، وإنما هو الله رب الأرض والسماء، وأن الغنائم ليست دراهم ولا دنانير ولا ذهباً ولا فضة، وإنما هي الحسنات والدرجات والجنات.
أليس من الأحرى أن يزداد الحرص ويعظم الاهتمام؟ لأن المعطي هو الذي لا تنفد خزائنه، ولا يُخلف وعده، ولأنه الكريم الذي لا منتهى لكرمه، والعظيم الذي لا حد لعظمته.
أليس من الأحرى ألا تفوت الفرصة، ولا تضيع الغنيمة؟ أليس كل مفرط مغبون؟ أليس كل مقصر خاسر؟ أليس كل مضيع محروم؟ بلى والله، وما أعظم الخسران لمن ضيع الغنائم وهو نائم، ولم يكن به مرض مقعد، ولا حال دونه ودون مراده عدو قاهر.
إنني أعني بكل ما سبق النائمين المتخلفين عن صلاة الفجر، وإنني لأهمس في أذن كل منهم: «الغنائم أيها النائم». وللفجر مغانم كثيرة، وأجور عظيمة، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- الحرية الإيجابية: وهي التي ورد بها حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة، عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان»(متفق عليه).
2- البشارة النورانية: ووردت في حديث رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ستة عشر صحابياً، أسوقه لك من رواية بريدة بن الحصيب عن النبي “صلى الله عليه وسلم” أنه قال: «بشِّر المشَّائين في الظُّلم بالنور التام يوم القيامة».
3- الشهادة الملائكية: يقول الحق جل وعلا: (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً {78}) (الإسراء)، والمفسرون يذكرون عند هذه الآية حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله – وهو أعلم بهم -: «كيف تركتم عبادي؟»، فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون»(متفق عليه).
4- الحصانة الإلهية: عن جندب بن سفيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فانظر يا ابن آدم لا يطلبنك الله من ذمته بشيء»(رواه مسلم).
5- النجاة العظمى: ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها»؛ يعني الفجر والعصر. (رواه مسلم).
6- دخول الجنة: حديث موجز في خمس كلمات، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من صلّى البردين دخل الجنة»(متفق عليه).
7- الخير العميم: وهذه الغنيمة ليست من غنائم صلاة الفجر، بل هي غنيمة ركعتي السُّنة قبل صلاة الفجر، فإذا كان هذا لركعتي السُّنة، فكيف بركعتي الفريضة؟ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها»(رواه مسلم)، وفي رواية: «لهما أحب إليّ من الدنيا وما فيها».
بعد هذا السرد لهذه الغنائم التي فيها أجر عظيم، وفضل كبير، ومنافع دنيوية وأخروية، بعد هذا كله.. هل تطيب نفسك أن تحرمها من كل ذلك لأجل نوم على فراش وثير في هواء بارد؟ هل يعقل أن تستسلم لضعفك لمجرد طلب المزيد من الراحة أو عدم مقاومة قليل من التعب؟ هل ترضى أن تكون من الغافلين؟ وهل تحب أن تكون من المحرومين؟ ألست ترى آثار ترك صلاة الفجر وتأخيرها؟ ألا تراها في محق البركة وخبث النفس وثقل البدن؟ ألا تشعر بجفاف الروح وقسوة القلب؟ أين أنت من نداء الأذان يشق صمت الليل بكلمة التوحيد والدعوة للفلاح؟ أين أنت من قرآن الفجر يصب في سمع الزمان آيات الله في كل مكان؟ أين أنت من أفواج الملائكة بالآلاف المؤلفة وهي نازلة صاعدة؟ ألا يوقظك كل هذا ويحرك مشاعرك؟ ألا يهيجك لتترك مضجعك وتفارق مرقدك وتهب إلى الصلاة وتبادر إلى الفلاح؛ لتكتب في الذاكرين العابدين وتنال البشريات وتحظى بالأعطيات؟
ما بالك تترك المنافع العظيمة مع كل انبثاق فجر باستمرار لا انقطاع معه، وكرم وعطاء لا يتبدل ولا يتغير، «أيها النائم استيقظ وبادر إلى الغنائم».