الزواج علاقة شرعية مقدسة، ورباط وثيق، يقوم على علاقة حميمية، يسودها الحب والمودة، والرحمة، تثمر أسرة تكون لبنة المجتمع، وبصلاحها تصلح المجتمعات والأمم، وبفسادها تفسد.
في إحدى الدورات جاءتني مشكلة مكتوبة، جاء فيها: أنا زوجة وأم لولد وبنت، عمر الولد سبع سنوات، والبنت خمس سنوات.. تزوجت من تسع سنين، بعد قصة حب مع زوجي دامت ثلاث سنوات قبل الزواج، ثم توجت بزواجنا.. وقد بلغت الآن من العمر ستة وثلاثين عاماً، وتجاوز زوجي الأربعين عاماً بشهور، مشكلتي بدأت عندما اكتشفت خيانة زوجي لي، وتأكدت بنفسي من ذلك، ورأيته رأي العين، برغم أن الجميع يشهد لي بالجمال والأنوثة، وبرغم قيامي بواجباتي كاملة نحو زوجي.
بدأت أكتشف ذلك من خلال علاقاته الغرامية على الهاتف و«الواتساب» وغير ذلك من مواقع التواصل الاجتماعي، ثم رأيتها بنفسي معه في السيارة مرة، وأخرى في مطعم، وما خفي كان أعظم.. حتى لا أظلم نفسي لم أرهما في فراش.
فاتحته في الأمر بهدوء، وحاولت إصلاحه كثيراً، لكنه لم يستجب، وظل في غيِّه وتمادى، شعرت بإهانة كرامتي، والاعتداء على أنوثتي.. أهملني كثيراً وصار لا يشعر بي، فزين لي الشيطان أن أنتقم لكرامتي وأنوثتي، وخاصة أنه صار لا يغار عليّ، وكنت أذهب إلى عملي، وأعود وأنام، وأستيقظ، دون أن يشعر بي، وكنت أتزين له، وأفاتحه في الحديث، وأحاول أن أسامره، وكان يتلقى ذلك ببرود شديد وصمت رهيب، وكنت أتسوق أو أخرج لقضاء أو شراء بعض الأغراض أو زيارة أهلي فلا يهتم بي، ولا يسأل عني، أحسست أنه أهملني تماماً، وأسقطني تماماً من حساباته، فبدأت أفكر في رجل غيره يملأ عليَّ فراغي العاطفي.
وذات يوم كنت أتسوق، وإذا بشاب وسيم يصغرني بخمسة أعوام يساعدني، لمحت فيه النقاء وطيبة القلب، ولكن شعرت بإحساس يسري في روحي، وجاذبية نحوه.
مرت عدة أسابيع، وإذا بي أرى الشاب ذاته، فألقى عليَّ السلام، وهنالك زاد تفكيري فيه، وسول لي الشيطان أن أتعرف عليه، فإذا به يبادرني ويقول لي: اسمي كذا، وأعمل في مكان كذا، وأعطاني رقمه بحجة أن أطلب منه أي عون وقتما أطلب ذلك منه! ساعتها خالط إحساسي شعور بالميل إليه وخوف من الوقوع في الخطأ، فقلت في نفسي: لِمَ لا أتعامل معه على المستوى العاطفي ليملأ حرماني العاطفي فقط، وأضبط نفسي عن أي خطأ آخر.. ولكن هيهات! باختصار شديد ظلت العلاقة تتطور إلى أن قلت في نفسي: ما دام زوجي قد خانني فأنا من حقي أن أستمتع بحياتي، وسأعامله بالمثل، انتقاماً منه على ما جناه في حقي، وإهداره لكرامتي، وجرح أنوثتي.
قبل أن أرد على رسالة هذه الزوجة، أود أن أسجل ومضات مضيئة حول رابطة الزواج وقدسيتها، وهو خطاب موجه لها ولزوجها ولسائر الناس، ثم أعم رسالتي برد خاص لها.
الزواج علاقة شرعية مقدسة، ورباط وثيق، يقوم على علاقة حميمية، يسودها الحب والمودة، والرحمة، تثمر أسرة تكون لبنة المجتمع، وبصلاحها تصلح المجتمعات والأمم، وبفسادها تفسد.
وللأسرة ركنان أساسيان، لا تقوم أسرة دون وجود هذين الركنين الشريكين المتكاملين، بينهما رابطة الزوجية، التي ينبغي أن تقوم على أساس من الولاء والصفاء والتعاطف والتلاطف والوفاق والاتفاق، وحسن العشرة، وعظم الأخلاق، والإخلاص، والوفاء، وعندما يتصدع هذان الركنان (الزوج والزوجة) أو أحدهما يتهدد سائر بنيان الأسرة، ومن ثم المجتمعات والأمم، ولذلك أحاطه الشرع بقدسية جليلة، ودلالات إيمانية، وقيم أخلاقية، وليس مجرد لقاء رجل بامرأة (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {21}) (الروم).
وأخطر زلزال يمكن أن يهدد ركني الأسرة الخيانة الزوجية، لما يؤدي إليه من تصدع الأسرة، واختلاط الأنساب، وتشرد الأولاد، وربما انحرافهم، ناهيك عن الاضطرابات والأمراض النفسية التي قد تفتك بأفراد الأسرة قاطبة، ولذلك أوصى الشرع الرجل بحسن اختيار الزوجة، قال صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»، كما أوصى أهل الزوجة وأهلها بحسن اختيار الزوج، فمن هدي رسولنا الكريم “صلى الله عليه وسلم”: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض» (رواه الترمذي).
وحرصاً على دوام العشرة الزوجية على أساس إخلاص كلا الشريكين لشريكه وصدقه وأمانيه، لذا حث الشرع على رضا الشريكين كل منهما عن الآخر، فلا يصح إجبار الرجل على نكاح من لا يرغب فيها كزوجة، ولا يصح – كذلك – إجبار المرأة على نكاح من لا تريد، قال النبي “صلى الله عليه وسلم”: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن» (رواه البخاري).
نحو تحليل نفسي للشخصية الخائنة
المرأة السوية المؤمنة التقية، التي تربت على خلق الإسلام في بيئة طاهرة نقية لا يمكن أن تخون زوجها، لأن فطرتها السليمة تدفعها إلى استقرار الحياة الزوجية والأسرية، وتتوق إلى فطرة الأمومة وحنانها، وتمر بمراحل الحمل والرضاعة ورعاية أطفالها والاعتناء بهم وتربيتهم، ومن ثم فإن هذه العاطفة تدفعها إلى العيش في أمان وسلام وطمأنينة، كي تقوم بأدوارها في الحياة الأسرية.
والمرأة السوية تتمحور عواطفها نحو زوجها، فتكون أحادية العلاقة، فهي تثق بزوجها، وتقنع به، ولا ترضى بغيره حتى وإن قابلت كثيرين غيره أفضل منه.. ما أقوله هذا ليس مجرد انطباعات، أو اجتهادات، وإنما هو نتائج دراسات اجتماعية ونفسية، ولذلك فإن تلك الدراسات العلمية أكدت أن معدل خيانات الرجل أكثر من معدل خيانات المرأة، وقد أرجعت ذلك إلى طبيعة المجتمعات الذكورية، التي تعطي الرجل حقوقه أكثر مما تعطي المرأة، وتغلظ فيه خيانة الزوجة أكثر مما تغلظ خيانة الرجل، هذا بالإضافة إلى طبيعة المرأة الأحادية العاطفة حصرياً، على خلاف طبيعة الرجل، ومن ثم جاز للرجل شرعاً أن يعدد، فطبيعته تتقبل أن يتعامل مع أكثر من زوجة، بغض النظر عن أقربهن إليه قلباً، أما المرأة فلديها الاستعداد النفسي لأن تكتفي بزوج واحد، وتلك فطرة جُبلت عليها.
وبالإضافة إلى ما سبق، فإن الميل للمرأة غالباً ما يكون نتيجة مبادرة منه هو، فإن لديه الاستعداد للقيام بتلك المبادرة، فإذا كان خاوياً تربوياً وإيمانياً وقع بسرعة في شرك الخيانة، أما المرأة فهي – برغم رقة عاطفتها – فإن طبيعتها غالباً ما تكون أشد حياءً، ومن ثم فالأصل فيها ألا تندفع إلى الخيانة الزوجية الجسدية، ربما تدور داخلها خواطر عاطفية، لكنها أكثر تريثاً، وتصمد فترة أطول من الرجل حتى تقع في هذه الجريمة، فطبيعتها تميل إلى الجانب العاطفي الرومانسي، على عكس الرجل الذي يميل إلى الجنس الجسدي أكثر من ميله إلى الإحساس العاطفي الرومانسي.
من هنا يمكن القول: إن دراسة العوامل التي تدفع المرأة إلى اقتراف هذه الجريمة أمر غاية في الأهمية.
ويذكر أ.د. محمد المهدي(1) عدة أنماط من النساء، مع تحليل موجز لنمط كل شخصية نسائية، ودوافع الخيانة لديها، مؤكداً أن هذا بغرض الدراسة وتفسير سلوك الخيانة، لا بهدف تبرير ارتكاب الخطيئة، وفيما يلي بعض أنماط هذه الخيانة وتفسير دوافعها، واقتراح علاج لها.
أنماط الخيانة ودوافعها
يرى علماء النفس أن الخيانة أنماط ولها دوافع، فهناك الخيانة بدافع الانتقام، والخيانة الهاربة، والخيانة بسبب الحرمان، والخيانة الطامعة أو بسبب الطموح، والخيانة الراغبة، والخيانة الجاهلة، والخيانة اللعوب، والخيانة الخادمة، والخيانة الباحثة عن الأب بسبب عقدة «إلكترا»، والخيانة المتسولة، والخيانة الهستيرية، والخيانة الهوسية، والخيانة الفصامية، والخيانة بسبب المدمنة، والخيانة بالوراثة، والخيانة المتأثرة بالبيئة، والخيانة السيكوباتية، والخيانة البغائية، والخيانة المشاعية.
ولتشخيص حالة صاحبة الشكوى بداية أنا لا أبرر لهذه الخيانات، لكني أحللها تحليلاً علمياً نفسياً بهدف التشخيص للوصول إلى العلاج، إن سلوكها جمع بين ثلاثة أنماط، فيما يلي ذكر موجز لها مع دوافع كل منها:
1- الخيانة للانتقام:
وتأتي هذه الخيانة بسبب إهمال الزوج لزوجته أو لظلمه إياها، واحتقاره لها، وبرود مشاعره ناحيتها، وعدم التجاوب – أو ضعف هذا التجاوب – مع اهتماماتها واحتياجاتها العاطفية والحميمية، فإذا وجدت هذه الظروف مع ضعف الإيمان والضمير، سلكت الزوجة هذا السلوك، وتبرر ذلك بأنها – كما ذكرت صاحبة المشكلة – تنتقم منه؛ لأنه خانها، أو طعنها في أنوثتها، ومن ثم فهي لا تبالي بعاقبة الخيانة الزوجية، نتيجة عدم تقديرها للآثار الضارة المترتبة على سلوكها.. وما قيل عن المرأة هنا ينطبق أيضاً على الرجل، حيث يشعر بعض الرجال بحاجة إلى الانتقام عندما تخونه زوجته مع رجل آخر.
2- الخيانة الهاربة:
تحدث هذه الخيانة نتيجة الملل أو الفتور أو الإحباط أو إهمال الزوج، فتحاول الزوجة الهروب من هذا الجو المحبط، ومن الفراغ العاطفي والحميمي الذي تعانيه، أو تهرب المرأة من الشعور بالنقص، فتلجأ إلى الخيانة للتخفيف من الظروف المحبطة، أو لتلطيف حياتها – من وجهة نظرها – فتحاول إيجاد جو موازٍ للحياة الزوجية، فتبحث عن رجل آخر غير زوجها، تهرب إليه عندما تشعر بالاختناق مع زوجها وفي بيتها، بهدف الهروب بمشاعرها وعواطفها وربما بجسدها وكليتها إلى رجل تبحث لديه عما افتقدته، وخاصة إذا كانت ضعيفة الإيمان، ولا تدرك نتائج هذا الهروب غير الشرعي، الذي يرفضه الشرع والمجتمع.
وقد يهرب الرجل أيضاً من فتور زوجته وإحباطه وإحساسه بالملل، أو نتيجة إهمال زوجته له كمسكن أو ملطف لآلامه في حياته الزوجية، فيبحث عن امرأة أخرى يهرب إليها بأحاسيسه وعواطفه، ليجد ما افتقده، وذلك عند ضعف إيمانه وضميره.
3- الخيانة بسبب الحرمان:
تحدث هذه الخيانة عندما تحرم الزوجة من الحب والحنان، سواء في طفولتها مع والديها، أم في بيت الزوجية، فتشعر بحاجة مُلحة إلى الشعور بالحنان والأمان، ومن ثم تبحث عمن يعطيها ذلك، ويشبع حاجتها من الرجال، وربما أيضاً من النساء، وهذا النمط من النساء لا يشبع أبداً من تلك المشاعر، فهن دائماً في حالة من الظمأ العاطفي.
كذلك تحدث هذه الخيانة من الرجال، عندما يتربى طفل في حياة قاسية، كأن يكون أبوه قاسياً أو أمه، فيبحث عن إشباع هذا الحرمان، وأيضاً عندما تمتنع الزوجة عن الاستجابة لرغبة زوجها في الفراش، أو تعزف عنه، ويشعر ببرودها، فيبحث عن إشباع هذا الإحساس لدى امرأة أخرى، وربما لدى رجل آخر، نعوذ بالله من تلك السلوكيات كلها.
وأؤكد هنا أن حديثي ليس لتبرير هذه الجريمة، سواء كانت خيانات زوجية على مستوى العواطف والكلمات وإبداء الإعجاب والتواصل، أم على مستوى ارتكاب جريمة الزنا، وإنما هو تحليل علمي نفسي لهذا السلوك المقيت البشع، وفي بيعة النساء: «بايعنني على ألا تزنين»، فقالت هند: أو تزني الحرة؟! ونهى ربنا عن الصداقة بين الرجل والمرأة فقال سبحانه وتعالى: (وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ) )النساء:25).
وأخيراً.. لصاحبة الرسالة أقول: اصبري على زوجك، عساه يوماً أن يعود، وخاصة أنك قضيت معه خمس سنوات بشهادتك كانت سعيدة، وللآن – برغم خطئه ورؤيتك له مع من رافقها في السيارة والمطعم، لم تشاهديه معها في فراش، ولعل ذلك من لطف الله تعالى بك وبولدك وابنتك وزوجك، وحاولي أن تجددي في حياتك ولا تيأسي من محاولاتك مع زوجك، ويمكنك أن تدفعي – وإن بشكل غير مباشر – الطيبين من أصحابه ليوجدوا له أجواء إيمانية، ويشغلوا فراغه بوسائل إيقاظ الإيمان المخدر لديه، أتفهم أحاسيسك وشعورك بالجراح التي سببها لك، ومع ذلك اصبري إن لم يكن من أجله فمن أجل ابنتك وابنك، ولا تقذفي بنفسك إلى التهلكة، ولا تظني أنك عندما تخونينه بالمثل أنك سترتاحين، بل ستورثك المعصية ندماً لا يزول إلا بغفران ربك يوم الحساب، ونحن وإن كنا نحسن الظن بمغفرة الغفور الغفار، إلا أننا لا نأمن انتقام الله كما ذكر أبو بكر الصديق ]، فتوبي وعودي واطلبي المغفرة من ربك إنه هو الغفور الرحيم، واجتهدي في الدعاء لزوجك وبيتك، واثقة بعون ربك وغفرانه، ولا تيأسي من ربك القائل: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {53}) (الزمر).
الهامش
(1) محمد المهدي: الشبكة العربية للصحة النفسية الاجتماعية، شبكة الإنترنت.