بعض الخبراء يرون أن ذكاء الإنسان العاطفي أهم بكثير من معدل الذكاء الشخصي وهو يشير لنجاح وسعادة الإنسان وجودة العلاقات بصفة عامة، ومن المثير للاهتمام ملاحظة أن الذكاء العاطفي تطوّر على مدار السنين، وقد عُرف هذا التعبير في الثلاثينيات بالذكاء الاجتماعي، ثم بالقوة العاطفية في منتصف القرن العشرين، إلى أن وصل للتعبير المتعارف عليه اليوم وهو الذكاء العاطفي.
ما الذكاء العاطفي؟
هو مصطلح يقيس قدرتنا على القيام بالتالي:
1- فهم وإدراك عواطفنا وردود أفعالنا. (الوعي الذاتي)
2- الإدارة والتحكم والتأقلم مع عواطفنا ومزاجنا وردود أفعالنا. (الإدارة الذاتية)
3- الاستفادة من عواطفنا بحيث تحفزنا على اتخاذ الموقف الصحيح وإتمام وتحقيق أهدافنا (الدافع).
4- إدراك مشاعر الناس وفهم عواطفهم، واستخدام هذا الفهم للتواصل مع الآخرين بشكل أكثر تأثيرًا. (التعاطف)
5- بناء العلاقات، والتواصل مع الآخرين في المواقف الاجتماعية المختلفة، والقيادة، والتفاوض في النزاعات.
أهمية الذكاء العاطفي
إذا كنت تظن أن الذكاء العاطفي مهم فحسب عند التعامل مع الناس، فعليك أن تعيد التفكير مرة أخرى. فالذكاء العاطفي هو بوابة لموازنة الحياة، وهو مهم في كل مجال من مجالات الحياة وللتعامل مع النفس قبل الآخرين، ونلخص أبرزها في التالي:
1- الصحة البدنية:
إن قدرتنا على الاعتناء بجسدنا وإدارة الضغط والذي له أثر كبير على صحتنا العامة، هو مرتبط بشكل كبير بذكائنا العاطفي. فبإدراكنا لحالتنا العاطفية والتحكم في ردود فعلنا تجاه الضغوط اليومية، يمكننا إدارتها والحفاظ على صحة جيدة.
2- سلامتنا العقلية:
ذكاؤنا العاطفي يؤثر على سلوكنا ونظرتنا للحياة، كما يساعد على تخفيف القلق وتجنب الاكتئاب والتقلبات المزاجية. فقد أثبتت الأبحاث أن الذكاء العاطفي مرتبط بشكل مباشر بالسلوك الإيجابي والنظرة الإيجابية للحياة.
3- العلاقات:
بقدرتنا على فهم وإدارة العواطف سنتمكن من التعبير عن عواطفنا بشكل بنَّاء وكذلك فهم عواطف الآخرين. ففهم احتياجات ومشاعر وردود فعل من نهتم بهم يؤدي لتقوية وتوطيد العلاقات.
4- حل النزاعات:
حين نفهم مشاعر الآخرين ونتعاطف مع وجهة نظرهم، يكون من الأسهل حل الصراعات أو حتى تجنبها قبل أن تبدأ. كما سنمتلك قدرة أكبر على التفاوض نتيجة لذكائنا العاطفي على فهم احتياجات ورغبات الآخرين. فمن السهل إعطاء الآخرين ما يريدون إذا عرفنا مرادهم بدقة.
5- النجاح:
الذكاء العاطفي يعيننا على بناء الدوافع الداخلية، والتي تقلل من عملية التسويف، وتزيد من الثقة بالنفس وقدرتنا في التركيز على الهدف. كما تُعيننا على بناء شبكات دعم، وتخطي العقبات ومراحل الإخفاق، والمثابرة بنظرة أكثر مرونة. وقدرتنا على تأخير المتع والأمور المبهجة، والصبر على الخطط ذات المدى الطويل والتي تؤثر على مدى نجاحنا.
6- القيادة:
فهم ما يُحفِّز الآخرين يؤثر بشكل إيجابي على إقامة علاقات طيبة في وسط العمل، ويجعل من أصحاب الذكاء العاطفي قادة أفضل؛ فالقائد الجيد يعرف كيف يحقق للناس مطالبهم بحيث يزيد أداؤهم ويتطور. علاوة على أن هذا القائد يملك قدرة أفضل على بناء فرق قوية، وتوزيع الناس بحيث يؤدي تنوعهم وانسجامهم في آن للإبداع والتوافق بين أعضاء كل فريق.
كيف نطور قدرتنا على الذكاء العاطفي؟
الذكاء العاطفي ليس من الأمور الفطرية التي يُولد بها الإنسان، وإن كان البعض يملك موهبة في بعض جوانبه. ولكنه من الأمور التي يمكن تعلمها واكتسابها.
وإليكم ثلاثة أمور أساسية تساعد على اكتساب هذه المهارة:
1- انتبه لمشاعرك:
عادة ما نفقد التواصل مع مشاعرنا حين نقلق بشأن الأعمال المستقبلية، وما يمكننا القيام به بشكل أفضل. وبدلًا من الانتباه لمشاعرنا نختار تجاهلها معظم الوقت، وما لا يدركه الكثيرون أن هذا التجاهل يزيد الوضع سوءًا. فكلما تجاهلنا مشاعرنا كلما فقدنا السيطرة عليها وبالتالي على أنفسنا وردود أفعالنا.
فحين نملك رد فعل عاطفي (سلبي في الغالب) تجاه موقف ما، فهذا معناه أنه ربما تكون هناك مشاكل لم نحرص على حلها. لذا ففي المرة القادمة وحين تشعر ببعض المشاعر السلبية، اهدأ وخذ نفسًا عميقًا، واسأل نفسك لماذا تشعر هكذا؟ ثم اكتب عواطفك التي تمر بها والأسباب المُحتملة. فحين تكون الأمور مكتوبة ومحددة أمامنا، فإنه يسهل وقتها معرفتها وتفقد أثرها ومعرفة كيفية التعامل معها.
2- تدرب على الاستجابة لا رد الفعل:
فرد الفعل عملية لا شعورية نعبر أو نفرغ فيها عواطفنا، بينما الاستجابة عملية شعورية وهي تشمل الانتباه للمشاعر وللتصرف الذي ستقرر اتخاذه. فحين تكون مدركًا لعواطفك ستتمكن من التفكير مقدمًا في الطريقة التي ستتصرف بها.
فمثلًا، إذا كنت تعرف أنك تغضب بسهولة، وتبدأ بالانفعال على أقرانك حين تكون مضغوطًا في العمل، دَوِّن هذا جانبًا وفكر في أفضل طريقة للتعامل مع هذا الأمر بحيث تخرج بنتيجة مختلفة. فيمكنك أن تقول لزملائك أنك تحتاج لبعض الهدوء لأنك تشعر بالتوتر والضغط الآن، أو ربما تحرص على أخذ بضع دقائق استراحة حتى تستجمع قوتك وأفكارك وهدوءك.
3- كن متواضعًا طوال الوقت:
فحين تظن دومًا أنك أفضل من الآخرين، فإنك لن ترى أخطاءك، وربما تأتي بردود فعل غير عقلانية حين لا تسير الأمور كما أردت. حاول النظر للأمر نفسه ولكن بمنظور مختلف. وبدلًا من الحكم على شيء أو شخص، ضع نفسك مكان ذلك الشخص وحاول أن تفكر وتشعر مثله، واسأل نفسك: لو أنك في مكانه هل كنت يا ترى شعرت أو فكرت كما يفكر؟
وهذا سيزيد من حس تعاطفك وفهمك للآخرين، وربما تتعلم شيئًا جديدًا عن كيفية التعامل مع أمور جديدة في نفس الموقف. فاحرص أن تكون متواضعًا كفاية بحيث تدرك أنك لست أفضل من أي إنسان، وحكيمًا كفاية لتدرك بأنك مميز عن البقية.
صحيح أنه لم يتم فهم الذكاء العاطفي بشكل تام للآن، ولكن الأبحاث أكدت أن العواطف تلعب قطعًا دورًا كبيرًا في مدى جودة حياتنا المهنية والشخصية، وبصورة أكثر خطرًا مما يلعبه ذكاؤنا العقلي. وبينما تساعدنا التكنولوجيا على إدراك المعلومات. فلا شيء يمكنه استبدال أهمية قدرتنا على فهم وإدارة عوطفنا ومن حولنا.
وأخيرًا، فإنه يمكن تعلم الذكاء العاطفي وهو عملية تمتد على مدار الحياة كلها، ويمكن تعلمه في أي عمر. والأمر يتطلب ملاحظة وتدريبًا مستمرين. لذا، فبغض النظر عن عمرك، فيمكنك التعلم والتحكم في ذكائك العاطفي وأن تجعل حياتك أحسن وأسعد.
___________________________________
(*) المصدر: موقع “بصائر تربوية” (بتصرف يسير).