تتنوع مفردات اللهجة الفلسطينية، بحجم التنوع الجغرافي لفلسطين، التي يتوزع سكانها في المدن الجبلية والساحلية، والقرى الجبلية والغورية، إضافة إلى البادية.
بيد أن الأشهر في ذلك التنوع هو اللهجة التي تحول حرف الـ”قاف” إلى “كاف” مفخمة، كأن يقال “تكرير” بدلا من “تقرير”، إضافة إلى ما يعرف بـ”الكشكشة” وهي جعل الكاف مقاربة للشين، مثل كلمة “كعك” حيث تتحول إلى “تشعتش”.
ولكن؛ هل ما زال اللاجئون الفلسطينيون في الأردن يحافظون على لهجاتهم بـ”كشكشتها” و”كافها المفخمة”، أم أن الزمان طواها بعد عشرات السنوات من النزوحين الكبيرين إلى الأردن في عامي 1948 و1967؟ وهل يرون أن الحفاظ على هذه اللهجات مرتبط، بشكل أو بآخر، بحق العودة إلى مدنهم وقراهم التي هُجروا منها؟
لهجتنا.. هويتنا وثقافتنا
يقول مطلق مبادرة “دِزداني” رامي جبارة، إن “اللهجة الفلسطينية في الأردن شبه اندثرت لدى الجيل الجديد، وذلك بحكم الحياة في المدينة، وقلة الاختلاط مع الأقارب، أما الذين يعرفون اللهجة من منابعها؛ فيضطرون للحديث بلغة الشارع”.
وأضاف لـ”قدس برس” أن كلمة “دِزداني” مثلًا، التي تحمل اسم مبادرته، وتعني “المحفظة”؛ لم يفهمها أغلب قرائها وسامعيها، مشيرًا إلى أنه واجه كثيرًا من الاستفسارات حولها، “والبعض كان يظنها من اللغة التركية”.
ورأى جبارة أن “من ترجع أصوله إلى المدن؛ يحافظ على لهجته أكثر من غيره؛ لأن لهجته محكية في عمّان، وكذلك يحافظ البدو وأبناء القرى، كعرب التعامرة والسواحرة وأمثالهم من التجمعات العائلية الممتدة، إلى حد جيد، على لهجاتهم؛ لأنها تدلل على العشائرية والقوة لديهم”.
وتابع: “بينما من تعود أصوله إلى القرى الفلسطينية؛ فإن محافظتهم على لهجاتهم أقل، وبعضهم يتحرج من استخدامها، وخاصة الفتيات، لما فيها من مصطلحات يستصعبها السامع، وتشد انتباهه لشذوذها عن الشائع في المجتمع”.
وأشار جبارة إلى أن “التزام أبناء المخيمات الفلسطينية في الأردن، باللهجات الفلسطينية، أكثر من التزام الفلسطينيين الذين يقطنون خارجها، حيث يتم تداول الكثير من الكلمات واللهجات داخل المخيم، كونها تمثل حالة من الرمزية والاعتزاز بالذات، وتشكيل طابع خاص لدى الآخر للتعريف بالهوية الأصلية”.
وأردف: “لكن خارج المخيم؛ فإن الشخص ذاته الذي كان يتحدث قبل قليل بلكنته الفلسطينية المميزة؛ قد يضطر إلى التخلي عنها، واستخدام لهجات أخرى تناسب أهل المنطقة التي يمكث فيها”.
ولفت إلى أن زيارة الأقارب من فلسطين المحتلة لأهلهم في الأردن، تنعش ذاكرتهم لبعض المصطلحات وأسماء القرى، التي تجري على ألسنة القادمين من الداخل.
ورأى جبارة أن “لكل شيء تأثيراً على حق العودة؛ لأن كل أمر ثقافي له ارتباط وحنين، من الفلكلور واللهجة واللباس وغيره”.
الجيل الجديد معذور
ويرى الباحث في الشأن الاجتماعي الفلسطيني ظافر البزور، أن “هناك تقاربًا كبيرًا بين اللهجتين الأردنية والفلسطينية، سواء بالنبرة أو بالصوت أو بالمصطلحات”، مشيرًا إلى أن “هذا التقارب أقل بكثير بالنسبة للاجئين الفلسطينيين في لبنان وسوريا”.
وقال لـ”قدس برس”: “في عمّان؛ يبدو أن أبناء العشائر والشوام والشركس والفلسطينيين، أرادوا أن يوحدوا اللهجة والكلمات للتسهيل على الجميع، فخرجت ما يمكن وصفها باللهجة العمّانية، والتي ساعد على تشكلها التزاوج الواسع بين الفلاحين والمدنيين، والأردنيين والفلسطينيين”.
وأضاف البزور أن الشاب الفلسطيني المقيم في الأردن؛ حينما يرى كل من حوله يتحدثون اللهجة المدنية الدارجة؛ فإنه يتحرج من استخدام لهجته الفلسطينية، وخصوصًا ما يُعرف باللهجة الفلاحية، ربما بسبب وجود تصور مغلوط لدى كثيرين بأن الفلاح أقل وعياً”.
ولا ينفي البزور أن الجيل الجديد مهتم باللهجات الفلسطينية، “فهو يتوقف عندها، ويسأل عن معاني بعض الكلمات الصعبة، فأنت حينما تقول مثلاً (عَسْكَدَتْ) يستفهم السامع عن معناها؛ فتجيبه: أي صارت ضباباً”.
وأكد أن “حديث الفلسطيني في الشتات بلهجات غيره لا يعيبه، بل يؤكد أن لهجته باستطاعتها استيعاب غيرها من اللهجات”، لافتًا إلى أنه لا يلقي اللوم على “الجديد المتهم بنسيان اللهجة، كونه لم يعاشرها بطريقة شاملة”.
وتابع: “إذا لم يحمل الجيل الجديد لهجة الآباء والأجداد نفسها؛ فهو يحمل الروح الفلسطينية نفسها، ولن يفرط يوماً بحق العودة”.
وعزا البزور تراجع الحديث باللهجة الأصلية إلى اختلاط الفلسطينيين بغيرهم من العرب، مشيراً إلى أن “الفلسطينيين في المهجر مثلاً، كأميركا وغيرها، يتكلمون بلسان أهل فلسطين تمامًا؛ لأنهم محافظون على مجتمعهم هناك، ولا يوجد اختلاط يؤثر على لهجتهم”.
لا تفريط بضياع اللهجة
من جهته؛ قال الناشط في مجال الهوية والتراث الفلسطيني في الأردن، أكرم أبو شهاب، إن الاعتقاد بأن لجميع الفلسطينيين لهجة واحدة “خاطئ”، مشيراً إلى أن نسبة عالية من الفلسطينيين البدو ينطقون القاف كالجيم المصرية، ولا ينطقونها كافاً مفخمة.
وأضاف لـ”قدس برس”: “قمت بعمل دراسة لم تكتمل بعد، وتبين لي أن من ولدوا بين عامي 1948 و1955 ولجأ أهلهم إلى الأردن بعد النكبة، يتكلمون لهجة والديهم الأصلية، وكذلك من ولدوا بين عامي 1967 و1971، فقد تشربوا اللهجة تماماً”.
وتابع أبو شهاب: “أما من ولد بعدهم، وتحديداً فئة الشباب؛ فإن ما يزيد على 90% لا يتكلمون اللهجات الفلسطينية وحدها، وإنما يتكلمون بخليط من اللهجات الفلسطينية والأردنية المحكية في الشارع”.
وأوضح أن “أبناء وأحفاد النازحين سنة 67 أفضل حالاً بالمحافظة على اللهجة الفلسطينية، بسبب تواصلهم مع أقاربهم في الضفة الغربية”.
ولفت أبو شهاب إلى أن “أهل اللد في مخيم الحسين بالعاصمة عمّان مثلًا؛ يتكلمون لهجة مدينتهم الأصلية، بسبب التلاحم والنسيج الاجتماعي المتماسك”، مستدركًا: “لكنهم يتحدثون اللهجة العمّانية خارج المخيم، كلغة مشتركة بينهم وبين الآخرين”.
ورأى أن “ضياع اللهجة لا يعني التفريط بحق العودة، فكل من يعاشر مجتمعاً ويولد فيه؛ من الطبيعي أن يتلقن لهجته ويتحدث بها، مع اعتزازه بأصوله”.
ووفق “أبو شهاب” فإن من المصطلحات الفلسطينية التي اندثرت لدى معظم من يعيش في الشتات: “ونجِكْ حالك” أي رتب أمورك، و”سكّاطة” بمعنى حصالة نقود، و”تلكيحه” أي شخص ثقيل الظل، و”دتشانة” بمعنى دكان أو بقالة، و”نتخرَّف” أي نتحادث معاً، و”هَلكيت” بمعنى الآن، و”الخوصة” أي السكين.
ومنها أيضاً: “الفيد” وهو المهر، و”داشع” أي دخل بسرعة دون تنبيه، و”أجرمن عنو” أي هو السبب في ذلك، و”كزيلو” أي نادِ عليه، و”أشكر خبر” أي واضح وضوح الشمس، و”عكب” أي بعد، و”إفلِحْ” أي تفضل، و”دَرِب” أي شارع، “وخاشوكه” أي ملعقة، و”المزويّه” هي العباءة.