لم يكن الصباح اعتيادياً في ألمانيا، إذ استيقظت على إحباط انقلاب يمكن وصفه بأنه “الأكثر خطورة منذ عقود”، وكان يمكن أن يعيد الزمن للوراء.
لكن اللافت في هذه المحاولة الانقلابية هو أن الخلية التي كانت تخطط للتنفيذ تشكلت حول شخصية رئيسة تملك أصولاً ملكية، هي الأمير هنري الثالث عشر (يعرف أيضاً بـ”هاينريش” والأمير رويس).
ووفق تقارير لصحيفة “ذود دويتشه تسايتونغ” وشبكتي “في دي آب”، و”2إن دي آر”، فإن هنري الثالث عشر هو المتهم الرئيس في قضية محاولة الانقلاب التي أحبطتها السلطات في وقت مبكر من صباح الأربعاء.
عقاري في السبعين
ويبلغ الأمير المنحدر من عائلة رويس الملكية الألمانية من العمر 71 عاماً، وهو رجل أعمال نشط في مجال العقارات ومقيم في مدينة فرانكفورت بوسط ألمانيا.
وفي الوقت الحالي، يحقق المدعي العام مع المجموعة الإرهابية اليمينية التي خططت لانقلاب يتضمن هجوماً على البوندستاغ (البرلمان)، وإسقاط النظام الحاكم، وتأسيس نظام جديد.
النظام الجديد الذي وضعت المجموعة تفاصيله بعناية يبنى على أسس ملكية، ويترأسه في حال نجاح الانقلاب الأمير هنري الثالث عشر.
وفقاً للتحقيق، كان من المقرر الإعلان عن الانقلاب المخطط له في الحي الحكومي على الراديو، وباستخدام كلمة رمزية خاصة.
ملامح الانقلاب.. جيش وقائد
وفي حال نجاح الانقلاب المخطط له، كانت المجموعة تنوي إعلان حكومة جديدة، في ظل قيادة هنري الثالث عشر وجيش ألماني جديد، وتتردد أنباء عن أن المجموعة اختارت بالفعل قيادة الجيش الجديدة وزيه الرسمي.
ولا يعرف الكثير عن الرجل، لكن الأمن أعلن أنه كان محل اشتباه منذ فترة بسبب تبنيه نظرية المؤامرة وأفكاراً متطرفة معادية للدستور والدولة الألمانية بشكلها الحالي.
وبالعودة للخلف، وبالتحديد في يناير 2019، يمكن العثور على نص خطاب ألقاه “الأمير ذو الشعر الرمادي والطلة الأنيقة”، في منصة تعرف بـ”منتدى الوب العالمي”، وهو اجتماع سنوي لرواد “العالم الرقمي”.
الاجتماع الذي جرى في زيورخ، شهد تنظيراً معقداً للأمير، إذ قال: إن النظام الملكي في ألمانيا دمر على يد الصناعة المالية اليهودية، وإن الحرب العالمية الأولى حدثت بتحريض من الماسونيين الأجانب.
كما انتقل للحديث عن ألمانيا الحالية، ووصفها بأنها “ليست دولة ذات سيادة”، وإن دستورها لا يعد دستوراً وكتبه الحلفاء بعد الحرب، للسيطرة على البلاد.
أحلام ملكية
هذه الآراء دفعت عائلته الأرستقراطية إلى النأي بنفسها “بأوضح طريقة ممكنة” عن رجل الأعمال، إذ وصفت الأمير في بيان قبل سنوات، بأنه “شيخ مرتبك وقع في مفاهيم خاطئة حول نظرية المؤامرة”.
لكن في أوساط اليمين المتطرف، وحركة ما يسمى “مواطني الرايخ”، كان سليل العائلة الملكية التي حكمت إمارة صغيرة تمركزت في ولاية تورينغن الحالية قبل قرنين، رقمًا حقيقيًا منذ ظهوره في مؤتمر زيورخ.
وعلى ما يبدو، هوت صرخات الخلاص في المشهد اليميني المتطرف، على رأس “الأمير”، إذ أرادت “مواطني الرايخ” أن يحول الرجل أقواله إلى أفعال، تشمل العودة بالبلاد إلى العصر الملكي وتنصيب هنري ملكا.
وبعد خطابه في زيورخ في يناير 2019، جذب الأمير، اهتمام “حزب البديل من أجل ألمانيا” وغيره من الدوائر اليمينية المتطرفة، بل إن سياسيين من الحزب الممثل في البرلمان اتصلوا به بعد الخطاب.
نهاية الحلم؟
وبعد عام من نشاط مكثف من بناء خلية ضمت قاضية وعضوة برلمان سابقة، وضباطاً حاليين وسابقين بالجيش، وسياسيين من اليمين المتطرف، استقبل رأس الخلية؛ هنري، زواراً غير منتظرين في منزله بفرانكفورت وقصره في منطقة باد لوبنشتاين، اليوم الأربعاء.
وفي الساعة السادسة صباحًا، وصل مدعون عامون ومسؤولون من مكتب الشرطة الجنائية الفيدرالية وعناصر الوحدة الخاصة بالشرطة الاتحادية إلى هذه المقرات، حاملين مذكرة توقيف للأمير للاشتباه في “تشكيل منظمة إرهابية”.
ويرى المحققون أن الأمير هنري هو الشخصية المركزية في شبكة يمينية من مواطني الرايخ ومنظري المؤامرة التي وضعت على ما يبدو الإطاحة بالنظام السياسي في الجمهورية الفيدرالية هدفاً رئيساً للتحقيق.
هذه الخطة كانت معقدة وتمثل تهديداً حقيقياً، لأنها شملت ضباطاً سابقين وحاليين بالجيش، بل إن ثكنات قيادة القوات الخاصة بالجيش الألماني، والواقعة في ولاية بادن فورتمبيرغ، تعرضت للتفتيش في مداهمات جرت بعدة ولايات ودول، الأربعاء، لتفكيك الخلية، وجرى اعتقال 25 شخصاً من أصل 51 مشتبهاً به.
ويجري التحقيق مع المجموعة المحيطة بالأمير هنري للاشتباه في تشكيلها منظمة إرهابية والتخطيط لعمل عنف خطير يشكل خطراً على الدولة.
ووفق صحيفة “ذود دويتشه تسايتونغ” الألمانية، فمن المحتمل أن تكون إجراءات ضبط الخلية الذي قام به المدعي العام الاتحادي والشرطة، أحد أكبر إجراءات حماية الدولة في تاريخ الجمهورية الاتحادية.
وبحسب الأوساط الأمنية، فإن مداهمات اليوم تشكل صفعة غير مسبوقة على مجموعة مواطني الرايخ التي تمثل الوعاء الأكبر للمجموعة التي خططت للانقلاب.