كاتب المدونة: د. إبراهيم نويري (*)
بينما نطالع باستمرار عديد التقارير والبيانات الوظيفية التي تتحدّث عن اعتماد الكثير من المؤسسات المالية والاقتصادية والبنوك في عدد من الدول الغربية، لبعض أساليب المعاملات المالية غير الربوية التي انفرد بها الاقتصاد الإسلامي، نجد أن الحديث عن وحدة المسلمين في المجال الاقتصادي والتنموي يتراجع مع الأيام، كما أنّ الاهتمام بمختلف جوانب نظرية الاقتصاد الإسلامي آخذٌ في الخفوت والذبول، ربما بفعل عوامل الوهن التي دبّت في بعض جوانب الحياة ومناشطها العامة في العالم الإسلامي خلال هذه المرحلة التاريخية المشحونة بالفتن السياسية والمذهبية ونحوها؛ الأمر الذي انعكس سلباً على قوة الأمة الإسلامية من الداخل، ومن هذا المنطلق نرى أن التذكير بهذا المنحى أو الجانب من وحدة الأمة المسلمة أمر ينبغي أن يحظى بالأهمية اللازمة والعناية والتذكير الواجب.
ومن البداهة القول: إن أساليب الاقتصاد الإسلامي هي تلك الأساليب التي تتجسّد فيها الطريقة الإسلامية في تنظيم الحياة الاقتصادية والمعاشية والتنموية للمجتمعات المسلمة، أو هي تلك الأصول العامة التي نستنبطها من نصوص القرآن والسُّنة وما يرجع إليهما من أدلة، إن حصيلة البناء الاقتصادي الذي نقيمه على أساس تلك الأصول والمقررات بحسب كلّ بيئة وعصر ووضع هي ما نقصده بلفظة أساليب الاقتصاد الإسلامي، أو هي باختصار الخلفية الفكرية النظرية التي تُشرف على توجيه النشاط الاقتصادي للمجتمعات المسلمة وتنظّمه وفقاً لأصول الإسلام ومبادئه الاقتصادية.
وبناءً على ذلك يصحّ القول: إن الاقتصاد الإسلامي في هيكليته العامة اقتصاد يقوم على ثلاثة أركان أساسية أو رئيسة، تتمثل فيما يلي:
1- ثروة ذات أشكال متنوعة يتحدّد التوزيع في ضوئها.
2- حرية محدودة بالقيم الإسلامية في مجالات الإنتاج والتبادل والاستهلاك.
3- عدالة اجتماعية تتيح للمجتمع المسلم سعادة قوامها التكافل الاجتماعي.
أما الوحدة الاقتصادية للمسلمين في منظورها الإسلامي، فهي وحدة بين أجزاء أمة واحدة في المجالات الاقتصادية والمناشط المعاشية المتنوّعة، وليست توحيداً لاقتصاديات أمم متمايزة، أو متباعدة في التصورات والأهداف والغايات، ولعلّ هذا التحديد المفاهيمي مهمّ في مجاله وسياقه الفكري النظري، لأنه تحديد يركّز على معالم التجانس أو الانسجام العام الذي يُفترض وجوده في منظومة الوحدة الاقتصادية للمسلمين، باعتبار كونها وحدة تستند إلى مرجعية واحدة في المعتقد والهُويّة والفكر والحضارة، على العكس من الكثير من الوحدات الاندماجية والتكتلات الاقتصادية الحديثة، التي قامت بين دول غير متجانسة في مكوّنات ومرتكزات هذه المرجعية.
إن تجديد الحديث عن الاقتصاد الإسلامي والوحدة الاقتصادية بين المسلمين ضرورة إستراتيجية لا يصحّ أن يغفل عنها الفكر الإسلامي المعاصر والوعي الإسلامي المتجدّد، ولقد كان الفقيه الشيخ الإمام محمد أبو زهرة رحمه الله تعالى -الذي سعى في وقت مبكّر إلى بلورة نظرية اجتهادية حول مسألة الوحدة الإسلامية في كافة جوانبها- يَعُدُّ الوحدة الاقتصادية للمسلمين جزءاً جوهرياً لا يتجزأ من الوحدة الإسلامية العامة؛ لأن قوة الأمم ومنعتها في هذا العصر باتت تستند إلى قوة الاقتصاد.
ولا يخفى على القارئ أن الوحدة الاقتصادية للمسلمين تهدف في المقام الأول إلى أن يكون للعالم الإسلامي اقتصاد موحّد، وأن ينتفع المسلمون جميعاً بمنتجات وعوائد ركاز أراضيهم وخيرات أوطانهم، وهي لله الحمد وفيرة ومتنوّعة، وأن يتعاون أبناء الأمة الإسلامية في استغلال واستثمار ينابيع الثروة التي وهبهم الله إياها، على نحو يحقّق الكفاية والوفرة، ويكفل كلّ ما يحتاج إليه المسلمون في حياتهم ومعاشهم وتنميتهم ومشروعاتهم المختلفة.
وبما أن العمل من أجل ضبط المصالح المادية والمعاشية للأمة الإسلامية يقتضي إقامة مؤسسات وتجمعات كبرى مشتركة، تُسهم في تنمية الأقطار الإسلامية بكيفية متوازنة، من أجل تحقيق نهضة مادية وتعاون فعال في رفع مستويات التنمية في كلّ أوطان المسلمين، فإن المدخل المناسب قد يكون من باب إقامة آلية السوق الإسلامية المشتركة، وتفعيل أساليب التبادل البيني للمنتجات المختلفة التي تُصنّع داخل الأقطار الإسلامية.
أما معضّدات نجاح هذا التوجّه فربما تأتي في طليعته التربية الاقتصادية للمسلم المعاصر، التي تُعدُّ جزءاً أصيلاً من منظومة التربية الإسلامية المنبثقة عن الفهم الشامل للإسلام في أبعاده وأحكامه وتعاليمه ومقاصده الخالدة، وذلك إذا تمّ التركيز على عناصر وآليات الإقناع بأهداف وغايات الوحدة الاقتصادية للمسلمين، خاصة ضمن سياق واقع عالمي لم يعد يرغب في مد اليد للضعفاء والمشتّتين والمختلفين وانتزاع ما يحيط بأعناقهم من أوهاق وعقابيل وشدائد.
_______________________
كاتب وباحث أكاديمي- الجزائر.