بمجرد أن نسمع أو نقرأ كلمة «رصيد» يتبادر إلى الذهن كل ما يتعلق بالنقود أو الشيكات أو الحسابات البنكية أو بطاقات الائتمان، فهو ذلك الرصيد المالي الذي تم إيداعه لاستخدامه عند الحاجة، وإذا أراد الشخص أن يطلب مبلغاً أكبر من ذلك الذي تم إيداعه، فإن العملية يتم رفضها بسبب عدم وجود رصيد كاف لتلك العملية التي تجاوزت الحد المسموح به.
هنالك نوع آخر من الأرصدة وهو «رصيد العلاقات مع البشر»، ويقيني أن رصيد العلاقات أهم بكثير من رصيد المال؛ لأن الاستثمار في البشر من أنبل أنواع الاستثمار، ولأن الشريحة المستفيدة من عوائده كبيرة جداً تنعكس على تحضر المجتمعات وتَقَدم الدول.
كما أن هذا النوع من الأرصدة فيه جوانب أخلاقية ووجدانية وروحية تنعكس بالضرورة على الجوانب المادية في نهاية المطاف، وفيه يُختبر الرجال.
وهنا ينقسم الناس إلى ثلاثة:
الأول: تودع لديه رصيداً فيفاجئك بأنه قام بزيادة رصيدك لديه بطرق شتى لأنه يتاجر مع الله أولاً ويريد ألا يخسرك ثانياً ولأنه نقي من داخله ثالثاً، وغالباً لن تسمع عبارة «الرصيد لا يكفي» مع هذا النوع من البشر حتى وإن طلبت أكثر مما أودعت (علاقة عميقة ونقية وصادقة).
إذا صادفت هذا النوع من الناس حافظ عليه وعامله بالمثل فهو يستحقك وتستحقه.
الثاني: تودع لديه رصيداً فيعيده إليك تماماً كما أودعته، وفي حال طلبت أكثر مما أودعت فإنك ستسمع عبارة «الرصيد لا يكفي» بكل صراحة ووضوح (علاقة تبادلية).
لا بأس بالمحافظة على هذا النوع من البشر على أن تعرف تماماً ما لك وما عليك معه لكي تستقيم العلاقة وتتوازن بينكما.
الثالث: تودع لديه رصيداً كافياً وعندما تريد السحب ستتفاجأ بعبارة «الرصيد لا يكفي» رغم يقينك بأن الرصيد يكفي، إلا أن المفاجأة الصاعقة هي أنه قام بالدفع من حسابك لفواتير لا ناقة لك فيها ولا جمل (علاقة خادعة ومزيفة).
كن لطيفاً معه لأنه يثير الشفقة، واحذر من التعامل معه لاحقاً، ولا داعي لأن تحقد عليه أو تصنع منه عدواً، فيكفيه ما هو فيه من سوء الطالع، إن استطعت أن تنصحه فلا تبخل، وإن لم تستطع فكن من أهل الفضل والإحسان.
الطبيعي أن يقدّر الناس صنائع المعروف، والمتعارف عليه أن يحترم الناس فعل الخير، والأصل أن يكون العرفان من شيم الكرام؛ فإذا وجدت غير ذلك لا تجعله مبرراً للتوقف عن شيمك النبيلة واصنع أنت التغيير الحميد الذي تريده في هذا العالم، وابدأ بنفسك وإن كنت في أول الأمر وحدك، واجعل شعارك في العلاقات الإنسانية «الرصيد دائماً يكفي».