حفل الخطوبة اليوم غريب عجيب.
قد يُقْدِم شاب على خطبة فتاة أكثر منه غنى وعلماً وجاهاً وحسباً.
وقد يقدم على خطبة فتاة من جنسية أخرى حتى من الجنسيات التي تحرم زواج بناتها من غيرهم.. وقد وقد…
أما حفل الخطوبة اليوم غريب عجيب.
ويجهز الخاطب بأجمل الثياب والعطور لمخطوبة لم يَرها أحد.
تعبت الأم كثيراً في البحث لولدها الوحيد عن فتاة تليق به فوجدتها أخيراً.
ينادي منادي الجهاد لقتال الصليبيين الغزاة في البصرة.
ويتحدث الخطيب عبدالواحد بن زيد البصري للناس محفزاً للخروج لملاقاة العدو واصفاً الحور العين حيث قال عن إحداهن:
تَولَّد نور النور من نور وجهها
فمازج طيب الطيب عن خالص العطر
فلو وطئت بالنعل منها على الحصى
لأعشبت الأقطار من غير ما قِطر
يكاد اختلاس اللحظ يجرح خَدَّها
بجارح وهم القلب من خارج الستر
وكان من الحضور تلكم الأم أم إبراهيم الهاشمية؛ فوثبت وقالت: يا أبا عبيد، قد والله أعجبتني هذه الجارية وأنا أرضاها عروساً لولدي إبراهيم، فهل لك أن تزوجها منه الساعة وتأخذ عشرة آلاف دينار مهراً لها ويخرج معك في هذه الغزوة فلعل الله يرزقه الشهادة فيكون شفيعاً لي ولأبيه يوم القيامة، قال: إذن لتفوزن أنت وولدك وأبوه فوزاً عظيماً.
ثم نادت ولدها: يا إبراهيم، فنهض من بين الجموع، فقالت: يا بني أرضيت بهذه زوجة لك ببذل مهجتك في سبيل الله وترك العَوْد في الذنوب فقال: أي والله قبلت.
ثم انصرفت وجاءت بالعشرة آلاف دينار، وقال: يا أبا عبيد، هذا مهر الجارية تجهز به، وجَهّز الغزاة في سبيل الله، وابتاعت لولدها فرساً جيداً واستجادت له سلاحاً، ودفعت إليه كفناً وحنوطاً، فخرج عبدالواحد وخرج إبراهيم يعدو والقراء حوله يقرؤون: (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ) (التوبة:111).
ثم قالت لولدها: يا بني، لا جمع الله بيني وبينك إلا بين يديه في عرصات القيامة.
ولما رجع الجيش خرجت تسأل: يا أبا عبيد هل قبلت هديتي فاهنأ؟ أم ردت علي فأعزي؟ فقال لها: بل قبلت هديتك وإبراهيم حي مع الأحياء يرزق يعني أنه استشهد فخرت ساجدة حمداً لله.
وقد تذكرت القصة في عزاء الشهيد بإذن الله منذر محمد ظاهر شاب لم يتجاوز الثالثة والعشرين شهيداً على أيدي الغدر والظلم.
وتذكرت الشهيد الفتى محمد أبو خضير ذا السبعة عشر ربيعاً على يد الصهاينة.
هنيئاً لوالدي محمد ومنذر ووالدتيهما وشفعهما الله فيهم وفينا.
سلسلة الأمهات الصابرات لم تنتهِ، ولن تتوقف المسيرة من أسماء رضي الله عنها والخنساء والهاشمية وأم نضال، وأم محمد خضير وأم حمزة ظاهر وعنده الملتقى والحمد لله رب العالمين.