ثم حين اشتدّ صوت الرصاص وجدناه يدخل علينا مسجد رابعة و معه طفلين ، يدور بعينه بحثاً عن مكان خالى ، ولحسن حظه بجانبى كان هناك بعض البراح ..
أجلس الصغيرين بجوارى ، طفلة بضفيرة قصيرة و أخيها الذى يبدو أنه يكبرها بأعوام قليلة .. وقال لهما
“أنا استودعتكم ربنا محدش يعيط عشان إنتوا رجالة .. خليكم هنا ، و لو حصل حاجة إنتم حافظين رقم التليفون كلموا عمكم .. خد بالك من أختك ، و إنتى اسمعى كلام أخوكى .. اقعدوا ادعوا ربنا ينصرنا .. مع السلامة !”
ثم تركهم إلى حيث نعلم جميعا و لا يعلم الصغيرين .. إلى موت الشهادة ..
ضمّ الصغير أخته و التزما بوصية والدهما بثبات عجيب، بين الحين و الآخر، و كلما اشتدّ رمى الرصاص وتواترت أخبار الموت استرق النظر إليهما ، فأجدهما محتمين ببعضهما يرددان ذكرا لا أتبين كلماته و ينتظران إجابة دعائهما ..
لا أعرف أعاد الأب لأولاده أم رحل عنهم إلى لقاء قريب ، لكنى و حينما يعطينى التاريخ فرصة الشهود سأقول أن مثل الأب الذى يستودع أبنائه مسجدا مهددا هو الثائر و المجاهد ، هو الملحمة المجدولة من خيوط النور .. هو عنوان المعركة على اختلاف مسمياتها .. و حتى هذا الحين ، وقتما يعطينا التاريخ من صفحاته لنحكى و نُفصّل ، سأعترف فقط بمن كان على مِثل ذلك الأب الكريم ..
سمّوه ثائرا أو ارتأوا أنه لا يستحق شرف الوصف و المُسمى .. لم يعد يهم فى شىء ..
فمثل هؤلاء لا ينتظرون صكوك الثورية ليدفعوا بأرواحهم أثمانها .. و مثل هؤلاء يعرفون معاركهم جيداً ، و أين يكون مرمى السهم .. و مثل هؤلاء من يجعلون للحياة فى هذه البلاد البائسة معنى .. فطبتم و طاب سعيكم“
مصدر التدوينة https://goo.gl/5W8X4g