أكدت دراسات مسيحية كتبها خبراء في تاريخ المسيحية بصحف أمريكية وأوروبية، أن الحرب التي يقودها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا ذات جذور دينية، وأن بوتين يتقمص دور أمير مسيحي أرثوذكسي من العصور الوسطى يسمى “أمير كييف”، وحَّد روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا.
حيث أكدت المؤرخة الدينية الأمريكية ديانا باتلر باس، في مقال بمجلة “religion news”، في 24 فبراير 2022، أن العامل الديني أدى دوراً في قرار الغزو.
مؤرخة أمريكية: الصراع على أوكرانيا هو صراع حول أي أرثوذكسية ستطبع وجه شرق أوروبا
وقالت: إن المسيحيين الأرثوذكس الروس يعتبرون عاصمة أوكرانيا كييف كالقدس؛ لذا فالصراع على أوكرانيا هو صراع حول أي أرثوذكسية ستطبع وجه شرق أوروبا.
وأضافت أن العملية العسكرية التي أعلنها الروس هي حملة صليبية لاستعادة الأراضي الأرثوذكسية المقدسة من الهراطقة الغربيين.
وأوضحت المؤرخة الأمريكية أن لبوتين أسباباً دينية “مبطنة” أخرى للغزو، من بينها رغبة بوتين في الاحتفال بعيد الفصح (القيامة) المسيحي في كييف، والموافق 17 أبريل 2022.
وبحسب باتلر باس، ما نشهده اليوم ليس إلا فصلاً جديداً من حكاية قديمة، ستكون نهايتها السعيدة من وجهة نظر بوتين، الاحتفال بقداس الفصح في كييف.
وذكرت أن القصة بدأت مع سقوط الإمبراطورية الرومانية، وما تلاه من تنافس على إرثها السياسي والديني بين الإمبراطوريات التي خلفتها عبر التاريخ، متحدثة عن رمزية كبرى تتحلّى بها مدينة كييف في تاريخ المسيحية الأرثوذكسية، إذ إنها أدت دوراً تأسيسياً، وتعدّ الموطئ الأول للمذهب في الوعي الجمعي الروسي.
ونقلت باتلر باس عن الصحفي والقس البريطاني جيل فرايزر مقارنته، في مقال نشره على موقع “أن هيرد”، بين فلاديمير بوتين اليوم، وفلاديمير الأول، أمير كييف المسيحي بين عامي 978 و1015م، المسمّى بـ”فلاديمير الكبير”.
وفلاديمير الأول، أمير كييف الروسية، كان وثنياً، ولكنه تحول للمسيحية بعد زواجه من الأميرة آنا، شقيقة الإمبراطور البيزنطي باسيل الثاني، وكان شرط الإمبراطور أن يعتنق فلاديمير المسيحية لبناء حلف سياسي.
ويرى فرايزر أن بوتين يطمح لاستعادة كييف “المدينة الأم للأرثوذكسية الروسية”، ليلعب على وتر التذكير بأمجاد فلاديمير الكبير، كأنه هو “أمير كييف”.
وتعتبر روايات الكنيسة الأرثوذكسية التاريخية الإمبراطور فلاديمير هو أول من وحَّد الممالك في شرق أوروبا وهو في طريق عودته إلى كييف، وسعى لبناء إمبراطورية موحدة تضم روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا.
تايمز: بوتين استغل الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في سعيه لاستعادة هيبة روسيا
من جانبه، أكد نوكس تايمز، المبعوث الخاص السابق للأقليات الدينية في وزارة الخارجية الأمريكية، أن بوتين يريد أكثر من مجرد أرض، إنه يريد الروح الدينية لأوكرانيا، ويسعى إلى استسلام كامل من أوكرانيا؛ جسديًا وروحاً.
وأوضح تايمز، في مقال بموقع “religion news”، في 24 فبراير 2022، أن بوتين استغل الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في سعيه لاستعادة هيبة روسيا، وجعل الكنيسة هي محور هوية بلاده.
ويرى مراقبون أن بوتين، وبغض النظر عن قناعاته الدينية الشخصية، يريد توظيف تلك القيم المسيحية التقليدية من أجل التأثير السياسي، بينما يعتقد آخرون أن الأمر لا يعدو كونه أداة وظيفية.
على سبيل المثال، يمتلك بوتين قلادة صليب، لا تفارق رقبته، يقال: إنها هدية من والدته يوم عمدته في السرّ مطلع الخمسينيات.
ورغم اعتناق قرابة 78% من الأوكرانيين للمسيحية الأرثوذكسية وكذلك روسيا، فإن الصدام بين الكنيستين الأرثوذكسية في البلدين وانفصالهما ساهم في إسباغ طابع ديني على الحرب، وأظهر بوتين كأنه يقود حرباً صليبية لكن ضد من يحملون الصليب أيضاً!
وانفصلت كنيسة أوكرانيا الأرثوذكسية عن الكنيسة الروسية الأم، في 15 ديسمبر 2018، وتبادلا الاتهامات، وباتت هناك رؤيتان أرثوذكسيتان متنافستان على إرث المسيحية في روسيا وأوكرانيا، كما يقول باحثون غربيون.
بابا روسيا يصف الأوكرانيين بـ”قوى الشر”
وضمن دعمه لحرب بوتين الدينية ضد أوكرانيا، وصراعه مع الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا، وصف بطريرك الكنيسة الروسية كيريل خصوم بوتين في أوكرانيا بـ”قوى الشر”.
كما دعم رؤية بوتين بشأن توحيد أراضي الأرثوذكسية بالحديث عن “الحدود المقدسة لروسيا”، في إشارة لضم أراضي أوكرانيا لها، وقال: إنه يجب ألا نسمح لقوى خارجية مظلمة ومعادية أن تضحك علينا، بحسب وكالة “إنترفاكس” الروسية.
وفي عام 2012، أطلق كيريل على بوتين لقب “معجزة الله”، كما أشرف عدة مرات على مراسم تعميد احتفالية لبوتين عبر مغطس ماء مقدس يحيط به الكهنة.
وتؤدي الكنيسة الروسية دوراً مهماً في الجيش الروسي، وخلال العمليات الأخيرة في أوكرانيا تم بثت تسجيلات لكنائس متنقلة ترافق الوحدات العسكرية الروسية، يبارك خلالها كاهن الأسلحة بساحات القتال، ويقيم الصلاة مع الجنود.
وضمن هذه العلاقة الوثيقة بين الكنيسة والجيش، شيدت القوات الروسية كاتدرائية خاصة بها في موسكو، افتتحت عام 2020، احتفالاً بالذكرى 75 لانتصار روسيا في الحرب العالمية الثانية.
ويتولى قساوسة روس رتباً عسكرية في الجيش الروسي، ويقيمون غرف صلاة على البوارج الحربية، ويتولون عمليات شحن بالمواعظ الدينية.
وفي عهده، سمح بوتين للكنيسة باستعادة صدارتها ومجدها، وقدم لها الدعم كما لم يفعل أي حاكم روسي منذ الثورة البولشيفية.
وبالمقابل، مدت الكنيسة بوتين بالدعم الفكري والثقافي لتوفير أرضية لرؤيته الدولتية، وتوسيع مجال نفوذ روسيا حول العالم.
ووفق رؤية بطريركية موسكو، الروس والأوكرانيون شعب واحد، لذلك يجب أن توحدهم كنيسة واحدة، لهذا رفضت استقلال أوكرانيا واعتبرتها تابعة لروسيا، ما يتعارض مع رؤية كنيسة أوكرانيا أنها مستقلة تماماً عن روسيا.