يستيقظ الفلسطينيون المحاصرون في غزة وهم تحت النار خلال ساعات الليل عدة مرات يتحسسون هواتفهم المحمولة التي تحولت إلى ساعات يد بعد توقف شبكات الاتصال، وكشافات للإنارة في حال تمكنوا من شحنها بالطاقة؛ علهم يعرفون موعد أذان الفجر.
هذا الأذان الذي غاب بشكل قسري عن غزة بعد قصف طائرات الاحتلال معظم مساجد قطاع غزة وتدميرها إما كلياً أو جزئياً ليمنع رفع الأذان في ظل ظلم كبير ذكره الله تبارك وتعالى حينما قال في كتابه الكريم: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (البقرة: 114).
وبعض الفلسطينيين ممكن لديه مذياع قديم وهو وسيلة الاتصال الوحيدة حالياً بغزة يحاول وضع الإشارة على إحدى الإذاعات المحلية التي تبث الأذان من الضفة الغربية؛ يكون محظوظاً لسماعه ومعرفة موعده، في حين أن الأغلب ينتظر حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود من الفجر أجل أداء الصلاة على وقتها.
غزة مدينة المآذن يوجد بها أكثر من نصف مساجد القطاع التي يزيد عددها على 1200
ولم يقتصر ظلم الاحتلال على منع الأذان وذكر الله في بيوته، بل إنه سعى في خرابها من خلال تدميره أكثر من 300 مسجد بشكل كلي أو جزئي في قطاع غزة، ليمنع إعمارها من قبل المؤمنين تحقيقاً لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ﴾ (التوبة: 18).
هذه الآيات القرآنية التي تنطبق على سكان قطاع غزة في منعهم من إقامة الصلاة في المساجد، وعلى الظالمين من اليهود الذين سعوا في خرابها ودمروا تلك المساجد؛ لدليل قاطع على أن الشعب الفلسطيني يسير إلى الانتصار رغم ما يتعرض له من عدوان.
وتُعتبر غزة مدينة المآذن حيث يوجد بها قرابة 770 مسجداً؛ أي أكثر من نصف مساجد قطاع غزة التي يزيد عددها على 1200 مسجد في شريط ساحلي ضيق لا تزيد مساحته على 360 كيلومتراً مربعاً.
هذه المساجد التي خرَّجت الآلاف من العابدين وحفظة القرآن الكريم، والمجاهدين الذين شاركوا معركة «طوفان الأقصى»، في 7 أكتوبر الماضي، ومن قبل كانت هذه المساجد في ثمانينيات القرن الماضي انطلاق انتفاضة المساجد في ديسمبر 1987م.
لم تأت هذه الخيرية لسكان القطاع إلا ببركة الأرض المقدسة التي باركها الله تعالى وربطها بالبيت الحرام بقوله تعالى: ﴿سُبْحانَ الَّذِي أسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرامِ إلى المَسْجِدِ الأقْصى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِن آياتِنا إنَّه هو السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ (الإسراء: 1).
12 صلاة جمعة لم يتمكن أكثر من مليونين من سكان القطاع من أدائها نظراً لاستهداف المساجد
وهذه الآية مقدمة لآيات إساءة وجهة اليهود خلال الديار التي ذكرها في نفس السورة من خلال عبادٍ لله التي تتحقق في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا﴾ (الإسراء: 5)، وقوله تعالى: ﴿لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾ (الإسراء: 7).
حال الغزيين في صلاة الفجر تتكرر في صلاتي المغرب والعشاء، أما صلاتا العصر والظهر فإن الناس في غزة يزيدون في التوقيت حتى يدخل موعد الصلاة كي يصلونها على وقتها لأن بها متسعاً من الوقت.
أما صلاة الجمعة فيكاد سكان غزة ينسون شيئاً اسمه صلاة الجمعة! وربما في أحيان كثيرة لا يعرفون أن اليوم هو الجمعة نظراً لتداخل الأيام ببعضها بعضاً مع تكرر مشاهد العدوان من القصف والجوع والدمار!
12 صلاة جمعة لم يتمكن مليونان وأكثر من سكان القطاع من أدائها نظراً لاستهداف المساجد، وبعض هذه المساجد دمرت على رؤوس المصلين مثلما حدث في مسجد إحياء السُّنة في حي الصبرة بمدينة غزة حيث قصف الاحتلال المسجد خلال أداء صلاة المغرب قبل شهرين وقتل فيه قرابة 60 مصلياً كانوا ساجدين لله.
ولم يقتصر عدوان الاحتلال على المساجد فحسب، فقد دمر عدداً من الكنائس في حي الزيتون بمدينة غزة التي سقط فيها عدد من الشهداء النازحين فيها، وكذلك من لجأ إليها من المسيحيين.