الأخذ بالشريعة الإسلامية يقي العالم الكثير من مشكلاته.. بل كل المشكلات العالمية لأخذها بمناهج أخرى تناقض شريعة الله، من مثل الأزمة العالمية بكل جذورها وظاهرها وآثارها، ولا يبدو أن العالم سينهض من هذه المشكلات، فلو قام من مشكلة دخل بأخرى أشد منها.. كل
الأخذ بالشريعة الإسلامية يقي العالم الكثير من مشكلاته.. بل كل المشكلات العالمية لأخذها بمناهج أخرى تناقض شريعة الله، من مثل الأزمة العالمية بكل جذورها وظاهرها وآثارها، ولا يبدو أن العالم سينهض من هذه المشكلات، فلو قام من مشكلة دخل بأخرى أشد منها.. كل ذلك لابتعادهم عن منهج الله الذي ارتضاه للبشر.
لابد إذن مِنْ معرفة ما أصاب العالم مِنْ تَرَدٍّ، وأَخَذَ به إلى الهاوية السحيقة وأفقده كُلَّ أملٍ في الإصلاح وأقعده عن كُلِّ محاولة، لولا ذلك الهَدْيُ الإلهي المنزل لبقيت البشرية حتى اليوم تتخبط في جاهلية عمياء – وإن اختلفت تناولاتها – تقود إلى ما هو أسوأ منها، مهما تفننت فيها.
مما يؤكد ذلك أن السوء والتدهور اكتسح ما عداه وانحسر كل خير، يئس كل من يريده، من أي إمكانية لإحداث أي تغيير نحو الأفضل، استمر ذلك قوياً متردياً في هاوية سحيقة، بقيت الحالة مستمرة تزداد كل يوم أكثر ولو أمكن إصلاحها لفعلوا، حيث فشلت جميع المحاولات، يتبين ذلك مما واجهته الدعوة الإسلامية من جميع الأقوام من المحاربة والمقاومة العنيفة والمواجهة العنيدة، حملتهم على حربه بكل سبيل حتى ممن عَرَفَ نوعيتَها مِنْ جميع الانتماءات ورأى ذلك بالدليل، يُقِرّ به ويَعْتَرف ويُعلن لكنها حاربته حرباً ضروساً، غير أولئك القلة القليلة التي أقبلت عليه ابتداءً، صَفَتْ نفوسُها لتلقيه واستعدت أعلى استعداد لكل أنواع البذل من أجله.
ربما لا يكاد يشعر أو يدرك أو يرى الإنسانُ الآن: أنه لولا رحمةُ الله بالبشرية واهتداؤها بهذا المنهج الرباني الكريم الفريد، لبقيت الحياة الجاهليةُ، تسبح في ترديها وتزداد صورها متفننة في التعامل بها، تعمل في تعميقها، بل قد تقوم بتقنينها وتُفَلْسِف ضلالاتِها، مما يعصف بأي قيم إنسانية كريمة، حتى تلك التي حَمَلَتْها الأديانُ السماوية قبل تحريفها.
تبين السيرة النبوية أحوال الحياة الإنسانية وما تحتاجه لتقويمها وإعلائها وتعافيها، فهي تبين الإسلام كله الذي يجنب الإنسان بتشريعاته المشكلات ويحلها بأمثل طريقة ويضع له الأسس التي بها يجد حَلاً لما يجد منها ويستجد، تلك من مهمات هذا الدين ومنهجه المتفرد الإلهي الكريم.
وضع الإسلام الذي مثلته السيرة النبوية الكريمة حَلاً لكل مشكلة، نجد ذلك واضحاً وافراً في أحكامه التي أعلاها لا إله إلا الله.. حتى يقوم به ثم يتولى حل أي مشكلة تحدث جديدة لها من القواعد مما يبنى عليها الحل؛ لذلك في السيرة كل ما حدث جرى حله بأحسن حال، يقوم على الأخذ بشرع الله سبحانه وتعالى، كانت جميع المشكلات التي أتت وواجهت المجتمع المسلم جرى حلها، بل وضع من الإجراءات والتشريعات والأسباب التي تقف في المشكلة قبل حدوثها في حالة الأخذ بشرع الله مستنيرة بالسيرة النبوية الشريفة، حيث إن إتباعها يجنب الإنسانية الوقوع فيها والابتعاد عنها، يضاف إلى ذلك أن الحياة الإسلامية ترتفع بالإنسان فقهاً وعمقاً وذكاء ودراية وتسديداً وتوجيهاً وتزكية، حيث الإيمان بهذا الدين يزيد الإنسان ذكاء، لذلك أتصور لو تتم تجربة قياس هذه الأمور بين ملتزم إسلامياً وغيرهم وغير المسلمين لتبين ذلك واضحاً، يتبين ذلك من المقارنة بين الشعوب الإسلامية وغيرها، بما حققته الدعوة الإسلامية للإنسان وحضارته بكافة مناشطها ونشاطها وجديتها وسرعة القيام واستجابتها وحسن أدائها ونوعية استجابتها وإتقانها.
اليوم لا بد من الهجرة إلى باحات السيرة النبوية المنيرة، التي لا بديل لها أبداً لمن أراد الاستقامة والقيام بالخير، ليواجِهَ ما يأتيه من مشكلات الحياة بسلاسة لا تُبقي لهم مشكلة وسهولة حلها، لا يبخل عليهم ماداموا آخذين بها جدياً، منهجاً وحيداً فريداً، السير في ركب قائد الإنسانية محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم) طبيبِها النَّطَاسي الفريد الوحيد معلِّمها وهاديها إلى الطريق الذي بلا بديل، فمن فاته ذلك فاته كل خير، الأمر الذي يورثه الدخول في تِيهٍ مظلمٍ نَكِدٍ مضيِّع، التاريخ بعمومه دليلٌ سافر حُرٌّ نزيه، لابد من استحضارها والقيام بالتزاماتها، ذلك هو الطريق الحق لإحداث التغيير المرجو الذي يقود للارتقاء المتميز، تلك هي فعالية السيرة النبوية الشريفة لمن يُقْبِل عليها، وهو ما تم منذ البداية مروراً بالأجيال التالية دون استثناء، عرفوا بها الطريق، فلا يُصْلِح الأمةَ إلا بمثل ما صَلَحَ به أولُها ممن جربوا ذلك بنجاح وفير متلألئ.
جيل كريم بنته السيرةُ النبوية الكريمة، غدوا هداةً نماذج ممهورة منظورة مشهورة، تراهم في ممارساتهم معبرين عن السيرة النبوية الشريفة عملياً، تلجأ إليهم وتتأثر بهم وتدخل دائرتهم، هكذا انتشر الإسلام بسلوك المسلمين، السيرة النبوية الشريفة هي الضياء المنير، ترسم الطريق الكريم، العالم اليوم يتخبط لا تنتهي مشكلاته يَتَصَوَّرُ أنه يَخرج بحَلّها، ليدخل في أعظم وأضخم وأظلم وسيبقى كذلك، وهم يدَّعون لأنفسهم ما لا يملكون ويتهمون غيرهم بما ليس فيهم، سيئآت هم أهلُها؛ (ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ) (النور:40)، بذلك أبدأ القول:
ما رأت البشرية سعادةً حقيقية مثل أيامها في الدعوة الإسلامية المتمكنة الموجِّهة القائدة، فيها وَحْدَها طريقُ الكمال الإنساني والدلال والجمال، بنوعيةٍ ما عُرِفَتْ إلا بها. بها وَحْدَها عرفت الإنسانية وسعادتها وكرامتها وكافة المعاني الإنسانية الفاضلة، مَنْ يقرؤها بعمق غائر وتُؤَدَة متأنية واستيعاب جاد هادف، يجد فيها عجباً، ما كان يتصوره، ربما ما توقع أن يُصَدّق لولا أنه وقع حَقّاً، في ثلاثة وعشرين عاماً تغير وَجْهُ الحياة الإنسانية واستقامت مسيرتُها واتخذ التاريخُ وِجْهَتَه الحقة: “استدار الزمان ليعود كهيئته يومَ خلق الله السماوات والأرض”.
إن الله تعالى أراد لمنهجه أن يسود الأرضَ ليكون ماثلاً وقائماً في الحياة عملياً، لذلك رعاه سبحانه وتعالى ليكتمل نزوله كما يكتمل تطبيقه، حتى لا تبقى لأحد حجة في هذا الأمر، يتم ذلك في حياته (صلى الله عليه وسلم) وبرعايته، فهو مثالياً واقعياً أو واقعياً مثالياً في محتواه واكتماله نصاً وتطبيقاً مكتملاً في أدائه بأعلى صيغ وبيد أكرم خلقه، لذلك ما أن تم الأمر بتمامه حتى التحق الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) بالرفيق الأعلى.
كل أحد يجد في السيرة النبوية الشريفة بغيته: العامل والعالم والمتعلم والمجاهد والموظف والغني والفقير والقائد وأهل الدولة، المرأة والرجل والطفل: يقول ابنُ حَزْم الأندلسي (456هـ): “مَنْ أرادَ خيرَ الآخرة وحكمةَ الدنيا وعدلَ السيرة والاحتواءَ على محاسن الأخلاق كُلِّها واستحقاقِ الفضائل بأسرها، فَلْيَـقْـتَـدِ بمحمدٍ رسولِ الله (صلى الله عليه وسلم) وليستعمل (وليعتمد) أخلاقَه وسِيَرَه ما أمكنه”( ).
إن يَدَ الله تعالى كانت تُصرِّف السيرةَ النبوية الشريفة في كل الأمور والأحوال والخُطوات، لو تَـتَـبّـع أَحَدٌ لَرَأَى ذلك واضحاً، كأنه لتكون مرجعية ما يلاقي الإنسان والمجموعة والجماعة والمؤسسات ليستشير السيرة النبوية الشريفة في كل ما يعن له، كل أحد يجد فيها حلاً لمشكلاته.
كانت السيرة النبوية الشريفة دعوةً ومنهجاً وأرضاً ووطناً وجنداً وأتباعاً وقيادة مهيأة لهذا وغيره.. لابد أن الله تعالى أراد لها أن تسود وتقود وتجود، لا يحتاج القائم عليها غيرها فيها الدواء والعلاج والقوة لكل أحد في كل زمان ومكان.
إنه لِبؤس الإنسان ألا يكون المنهج الإسلامي قائماً في حياته، ذلك المنهج الإلهي الكريم يقيم أفضل حياة للإنسانية، وإذا أريد للإسلام أن يحيا فلابد للإسلام أن يحكم ويسوس وإلا: “ستنقض عرى الإسلام عروةً عروةً فأولها نقضاً الحكم وآخرها الصلاة”(معنى الحديث الشريف).
لذلك كان هَمُّ الأعداء في حربهم إزالة كيانه وحُكْمِه وديوانه، يوجب هذا تتبعاً حصيفاً للسيرة النبوية الشريفة لمعرفة كل ذلك، ليجد فيها كافة ما يحتاجه للبناء والارتقاء والارتواء، ليس صيانة مجتمعه وقيام دعوته ودولته اجتهاداً أو سُنّةً بل هو فريضة الفروض ولكن بأسبابه، وكل دعوة إسلامية اليوم لا بد أن تفهم ذلك لتأتي أمورها سلسة هينة لينة، كما للدعوة الإسلامية في كل أحوالها ومراحلها وقيامها، ما جَرَتْ فيه كان ضرورياً انظروا في منهجها والأخذ بطريقها وقيام دولتها، لكن لابد من النظر في كل الظروف والأحوال ودقة الاجتهاد، كما لابد من الحزم والجزم والحسم، تلك حقيقة الإسلام وموقعه وطبيعته، ذلك متضح تماماً للجميع الذين عرفوه ولكافة مَنْ جَرَتْ لهم دراسة مراحلها مكية ومدنية وقيام الدولة، هذا يعني حين الأخذ بذلك فسيجري الله تعالى للقائمين عليها وعمله يرعاه تنمية ونجاحاً ليسود منهجُه المبارك: (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ {7}) (محمد)، وإلا فكيف يتحقق وعد الله تعالى ورسوله الكريم (صلى الله عليه وسلم). لقد وعد الله الذين آمنوا نصرَه: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {55} وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {56} لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ {57}) (النور)، حين يتوافر ذلك قولوا: سار الموكب، أما اليوم لا بد من اتخاذ الإجراءات العملية، لذلك لا بد من التعريف بالإسلام وبيانه وتميز دعوته وصدق نبوته وحقيقة ألوهيته، بأساليب العصر، كما لابد كذلك من الإلمام بحال من يخاطبهم ومعرفة أساليب حياتهم ووسائل التفاهم بها، فمن يدري ربما يتهيأ قيام منهج هذا الدين بأرض وقوم ومجتمع هم اليوم غير مسلمين.
إن فارس الإسلام قادم والنوعية قبل الكمية التي لابد أن ترقى إلى اعتبار النوعية، ولابد من الأخذ بالأسباب من معجزات السيرة النبوية الشريفة، والإسلام يصنع المعجزات، بتربية المسلم على الإسلام يترقى بدين الله تعالى ويكون متفرداً، بل إن الإسلام بنى جيلاً كله كذلك، رجالاً ونساءً وأطفالاً، والنفس الإنسانية أقرب ما تكون إلى الإسلام وأقرب ما تكون إليه وأقرب ما تكون له ولا بد من محرك ينقلها لساحته، إنها فطرة الله، أمة محمد مليئة بالخير كالثروة في باطن الأرض بحاجة إلى مُنْ يُجيد استخراجها ويحسن التعامل.
الهامش:
الأخلاق والسير في مداواة النفوس، ص 24. جوامع السيرة، ص 6 (المقدمة)، ص 7- 14، 40 – 44.
aa.elhajji@hotmail.com
Twitter: @aaelhajji