الطريق إلى جرش مليء بالمروج والخضرة والأشجار السامقة
رحلة في المكان والزمان والإبداع
الفن القصصي النسائي.. دراسات نقدية
في الفندق تعرفنا على غرف الإقامة وكان يشاركني غرفتي د. سعد أبو الرضا، وكلانا في سن متقاربة، ونشكو من متاعب صحية عديدة، ولكنه أكثر نشاطاً وحيو
ية مني، ويحرص على الالتزام بالمواعيد قبل حلولها بوقت كافٍ، ويستثمر وقته في القراءة أو الكتابة وتسجيل ما يخطر بباله، مع ملاحظة أنه لا يحب
التلفاز أو متابعة نشرات الأخبار.
الطريق إلى جرش مليء بالمروج والخضرة والأشجار السامقة على الجانبين، وتطل من قريب أو بعيد مدن وقرى ومخيمات وسط الزراعات المتنوعة وأشجار الزيتون المباركة، وقد وصلنا أخيراً إلى مطعم شرقي على تلة مرتفعة في جرش، المطعم يستدعي طرازاً معمارياً قديماً، وتتصدره بعض الأدوات والآلات القديمة على هيئة نماذج مصغرة، خشبية أو معدنية أو برونزية.
ويحاول المطعم أن يكون ما يقدمه صورة للطعام الشعبي إلى حد ما، ويبدأ بتقديم خبز ساخن أقرب إلى الخبز الباكستاني «التميس»، وبجواره نوع آخر من الخبز يشبه الرقاق الريفي الذي تصنعه الفلاحات المصريات إلى وقت قريب، وكلا النوعين من الخبز لا يعتمد على الخميرة، ولكنه يعجن ويخبز في الحال، ويقدم ساخناً ليتم تناوله مع المتبلات والطحينة والمخللات، وبعدها يأتي دور المشويات، وكل ذلك مع المشروبات الغازية.
ويلاحظ أن هنالك إقبالاً كبيراً على مثل هذه المطاعم من المجموعات السياحية والعائلات والأفراد، لذا تجدها مزدحمة للغاية، وبها عمالة كبيرة معظمها من شباب المصريين الذين يحملون مؤهلات عليا ومتوسطة، وبعضهم قضى في الأردن سنوات طويلة، ويجدون هناك فرصة أفضل للعمل والحياة مع انخفاض الأجور نسبياً وغلاء الأسعار، فهم هنا بعيدون عن الكفيل والقيود الأخرى التي تفرضها دول أخرى.
تأخرنا في المطعم، فكانت العودة إلى الفندق في حوالي السابعة والربع، وكنت قد استنفدت طاقتي وجهدي، وأخذت آلام البطن تشتد، وبوادر السعال تنشط على غير العادة، وحاول بعض الزملاء أن أنضم إليهم للسهر في الفندق، أو النزول إلى قلب العاصمة، ولكني لم أستطع، فبقيت في الغرفة بعد أن أديت صلاتي المغرب والعشاء جمعاً وقصراً بمسجد الفندق، وعلى السرير كانت تطاردني نشرات الأخبار في الوطن بصور مؤلمة وحديث عن ممارسات إجرامية يسميها الإعلام الظالم احتجاجات، مع أنها تصب في إحراق المؤسسات والضرب بالمولوتوف والخرطوش، وهناك الملثمون الذين يمارسون العنف بأبشع صوره ضد الآمنين والسيارات والفنادق (هذا في ظل حكم د. مرسي).
مدينة إربد
في اليوم الثاني، انتقل الملتقى إلى مدينة إربد التي تبعد نحو تسعين كيلومتراً عن عمَّان في اتجاه الشمال، حيث عقد جلساته في مدرج جامعة اليرموك، وكان لا بد من التحرك مبكراً حتى تبدأ الجلسات في وقت مناسب.
الطريق إلى إربد طويل وممتد، وكان بعض الزملاء من أهلها يرحبون بنا عبر مكبر الصوت في السيارة، ويشرحون لنا بعض الأمور المتعلقة بجامعة اليرموك والتعليم الجامعي بصفة عامة، فضلاً عن وصف بعض الأماكن التي نمر بها، مع إشارات تاريخية تكشف عن تكوينها أو بعض الحوادث المرتبطة بها، وكان معنا شاعر بلغ من العمر سناً متقدمة ولكنه يتمتع بحيوية ملحوظة، ومع أنه كان يقيم في بيته بعيداً عن الفندق الذي نقيم فيه ويأتي به بعض أقاربه في الصباح ليشارك في الأنشطة، فقد كان يشنف آذاننا بقصائده الوطنية والقومية والإسلامية، كلها تدور حول الوحدة والتضامن وهجاء الفرقة والخيانة وعدم التمسك بحبل الله المتين، ثم إنه لا يمل من التحريض على الجهاد لتحرير القدس والمسجد الأقصى وفلسطين.. وفي ظل هذه النشاطات داخل السيارة، كان الوقت يمر سريعاً، يساعد على ذلك اللون الأخضر الذي ينساب على جانبي الطريق وإيحائه السار الجميل، وتأثيره على النفس بالسكينة والهدوء.
حالة طوارئ
وصلنا إربد، ودخلنا جامعة اليرموك قبيل العاشرة، ورأينا العديد من الكليات التي أقيمت على التلال المتجاورة وتربطها الطرق المرصوفة والحدائق الجميلة، وكانت الجامعة عند وصولنا في حالة من الطوارئ من أجل انتخابات اتحاد الطلاب، وامتلأت الجدران بالإعلانات ودعوات المرشحين، وبدا التنافس حاداً وشديداً لدرجة شغلت رئيس الجامعة ونوابه عن استقبالنا كما كان مقرراً، ولكنه أرسل عميد كلية الآداب ليعتذر اعتذاراً حاراً بسبب الانتخابات التي تمثل صورة من صور الصراع القبلي، وليس السياسي، وهو ما يجعل للانتخابات حساسية خاصة لا تقل عن حساسية الانتخابات النيابية، وقد علمت في المساء أن الطلاب الإسلاميين خسروا الانتخابات أمام التجمعات القبلية، ورأيتهم في مسجد الجامعة الكبير عند صلاة العشاء وقد تجمعوا في دائرة واسعة يرفرف عليهم السكون وهم يراجعون موقفهم، ويتناولون أسباب الخسارة التي انتهت بهم إلى الحصول على بضعة مقاعد من أكثر من ستين مقعداً!
الفن القصصي النسائي
بدأت الجلسة الأولى بتناول «الفن القصصي النسائي.. دراسات نقدية»، ونوقشت فيها أوراق تحت عنوان «تشكلات السرد في القصة النسائية المعاصرة»، و«شاعرية القص في مجموعة ظلال وارفة»، و«إشراق الرؤية وتعالقها مع البنية السردية في مجموعة قلبك يا صديقي»، و«السرد القصصي في مسيرة الدكتورة بنت الشاطئ الإبداعية»، و«دراسة تحليلية لنماذج من القصة القصيرة لأديبات في مجلة الأدب الإسلامي»، و«مغامرتي الإبداعية في الكتابة الروائية من خلال روايتي على المحك، وهواجس عانس»، و«الرسالة الإنسانية والاجتماعية في المجموعة القصصية «الصومعة» لنوال مهني»، و«دراسة المجموعة القصصية «ربما غداً» لشيمة الشمري».
وفي الجلسة الثانية تناولت الدراسات «قراءات نقدية في أعمال شاعرات إسلاميات»، وناقشت «الجذور التاريخية للأدب العربي الإسلامي»، و«دراسة تحليلية لديوان «الأجنحة البيضاء» لجليلة رضا»، و«قراءة في ديوان «على أعتاب الرضا» لعلية الجعار»، و«قراءة في ديوان «يا الله» للشاعرة الهندية التي دخلت الإسلام كملا ثريا»، و«دراسة تحليلية في ديوان «ورود من زناتة» لأمينة المريني»، و«ديوان بنت الشاطئ.. جمع وتحقيق ودراسة نقدية»، و«جماليات الصورة الفنية في شعر نبيلة الخطيب.. الثلاثيات أنموذجاً».
وكما هو واضح من القضايا التي طرحت في جلسات اليومين المتتابعين، فقد كانت الدراسات غنية وممتلئة، وقدمت كثيراً من الأعمال الجيدة التي كتبتها أديبات مسلمات في مختلف بقاع العالم الإسلامي، وقد زادتها غنى وثراء المناقشات التي كانت تعقب الجلسات، حيث أضاءت مناطق فنية كثيرة، وفتحت كثيراً من الآفاق أمام أدب المرأة المسلمة المعاصرة.
وقد تأثرت كثيراً حين جاءت أرملة الأديب السوري الراحل محمد الحسناوي (1938- 2007م) لتهدي إليَّ بعض أعماله الأدبية، فقد كان الراحل من المجاهدين الذين قاوموا نظام البعث السوري الفاشي، وتعرض لكثير من المتاعب، ما اضطره إلى ترك بلاده، والعيش في الغربة والمنفى، وقد عبر عن تجربته من خلال الشعر والنثر، وله مؤلفات عديدة، من بينها روايته الطويلة «خطوات في الليل» التي كتبتُ عنها دراسة نقدية مسهبة.
التكريم والتوصيات
في الجلسة الختامية تم تكريم المشاركين مع التقاط الصور التذكارية.
وبانتهاء جلسات الملتقى ومناقشاته العلمية ارتأى المشاركون اعتماد التّوصيات الآتية عن الملتقى الذي انعقد بالأردن في يومي الأربعاء – الخميس (24 – 25 ربيع الثاني 1434هـ، الموافق 6 – 7 مارس 2013م):
أولاً: نشر أعمال الملتقى على الموقع الإلكتروني لرابطة الأدب الإسلامي العالمية.
ثانياً: مواصلة الجهود في الكشف عن إبداعات الأديبة الإسلامية في الفنون الأدبية.
ثالثاً: إعداد موسوعة تجمع أدبيات المرأة الإسلامية ووضعها بين أيدي الباحثين؛ بهدف دراستها والتعليق عليها بما يناسب، وتعميمها على المواقع الإلكترونية.
رابعاً: العناية بترجمة إبداعات الأديبات الإسلاميات إلى لغات شعوب العالم الإسلامي لتحقيق التواصل والتفاعل الثقافي.
خامساً: طباعة البحوث المشارِكة في هيئة كتاب بعد تعديلها.
سادساً: توجيه طلبة الدراسات العليا نحو دراسة جوانب مغمورة من أدب المرأة.
سابعاً: ترتيب مسابقات إبداعية تهدف إلى تشجيع المرأة المسلمة، وإثراء الأدب الإسلامي، والعمل على تكريم الفائزة في الملتقى التالي.
ثامناً: استحداث صفحة إلكترونية خاصة بالأديبات الإسلاميات بهدف توسيع دائرة البحث في والإبداع.
تاسعاً: إقامة الملتقى العلمي المقبل حول الأديبة الإسلامية والشهود الحضاري.
عاشراً: تعميم التوصيات على المؤسسات الإعلامية، والمراكز العلمية من أجل التعريف بها.
حادي عشر: مخاطبة الجهات المسؤولة عن المناهج الدراسية في البلاد العربية والإسلامية من أجل توظيف أعمال وتوصيات الملتقى.
ثاني عشر: الاستمرار بعقد الملتقيات العلمية المشتركة بين رابطة الأدب الإسلامي وجامعات العالمين العربي والإسلامي بصورة دورية.
ثالث عشر: عقد الملتقى الدولي للأديبات كل عامين أو ثلاثة على الأكثر.
رابع عشر: إقامة الملتقى الدولي الثالث للأديبات الإسلاميات في دولة المغرب.
موقعة اليرموك
انتقل المشاركون والضيوف إلى شمال غرب الأراضي الأردنية، حيث يشرف الموقع على أراضي الشمال الشرقي لفلسطين المحتلة، والجنوب الشرقي للجولان السوري المحتل، كما شاهدوا جبال جنوب لبنان عن بعد.
كان أبرز الأماكن في المنطقة موقع «معركة اليرموك» التي انتصر فيها المسلمون على الروم في معركة غير متكافئة، التقديرات الإسلامية القديمة تشير إلى أن حجم الجيوش الإسلامية كان يتراوح ما بين 24 – 40 ألفاً، أما حجم القوات البيزنطية فيتراوح ما بين 100 – 200 ألف، وتقدر حسابات حديثة أن حجم الجيش البيزنطي تراوح غالباً ما بين 80 – 120 ألفاً، ويدور حجم جيش المسلمين حول 36 ألف مجاهد، وقد خسر الرومان قرابة 80 ألفاً من مقاتليهم، وفي المقابل ارتقى من المسلمين 4 آلاف شهيد، وهو ما يجعل التقديرات القديمة للجيشين أقرب إلى الصواب وفقاً لهذه الخسائر، وقد استعان الرومان في هذه المعركة كعادتهم بأعداد كبيرة من المرتزقة والشعوب التي كانت تحت سيطرة إمبراطوريتهم، وترتب على النصر العظيم للمسلمين في اليرموك أن استقر المسلمون في بلاد الشام، واستكملوا فتح مدنه جميعاً، ثم واصلوا مسيرة الفتح إلى الشمال الأفريقي
——————————
(*) أستاذ الأدب والنقد