ربما لم يُحدث صدور كتاب في الولايات المتحدة ضجة كبيرة مثل التي أحدثها كتاب “نار وغضب: داخل بيت ترمب الأبيض” الذي صدر مطلع السنة الجديدة بعد أن أطلقه الكاتب الصحفي مايكل وولف على الإدارة الأمريكية الحالية كما لو كان يطلق رصاصة في رأس ترمب ويكشف كواليس إدارة تشوبها الفوضى، ويشكك مسؤولوها أصلاً في أهلية الرئيس الأمريكي الذي يتنبأ الكتاب بسقوطه.
الكتاب أشبه ببرنامج دراما واقعية، أصاب واشنطن بزلزال عنيف وإعصار مريع زعزع أركان الرئيس الأمريكي وأثار غضبه بشدة بسبب الصورة السلبية التي يظهر فيها هو ومساعدوه، ولكثرة النميمة والتفاصيل الدقيقة فيه التي توحي بقرب مؤلف الكتاب من مراكز صناعة القرار، حيث يقول في مقابلة مع برنامج “تودي شو”: إن الوصف المشترك بين جميع من يحيط بالرئيس هو أنه كالطفل الذي يحتاج إلى الإشباع الفوري.
رئيس غير مؤهل للرئاسة
“نار وغضب: داخل بيت ترمب الأبيض” (Fire and Fury: Inside the Trump White House) كتاب صدر حديثاً جداً، بالضبط في 5 يناير 2018، لكنه حطم كل الأرقام القياسية في فترة وجيزة، بكونه الكتاب الأكثر مبيعاً في العالم، على الرغم من محاولات محامي ترمب منع نشره في البداية ثم الوقوف في وجه انتشاره وتوزيعه.
يحتوي الكتاب على تهم وجهها المساعد السابق للرئيس دونالد ترمب، ستيف بانون، وقال: إن ترمب غير قادر على العمل في منصبه لافتقاده الخبرة، كما وصفه بالجبان وغير المستقر، موضحاً كمية الخلافات الموجودة داخل البيت الأبيض التي تسبب بها ترمب منذ توليه سدة الحكم، كما اتهم بانون ابن الرئيس دونالد ترمب جونيور بإقامة اتصالات مع أشخاص على علاقة بالكرملين، التي يعتبرها بانون بالخيانة، كما وصف ابنة ترامب إيفانكا بالغبية.
الكتاب غني أيضاً بتفاصيل شخصية، تفيد أن ترمب ينام في غرفة منفصلة عن زوجته، وأنه يقضي ساعات في الاتصال مع أصدقائه ليلاً للتنفيس عن إحباطه بمساعديه، وعن أنه مولع بتناول الوجبات السريعة من مكدونالدز ليس فقط لأنه يحبها، ولكن لأن الطعام مجهز مسبقاً، وبالتالي لا خوف في أنه مسمم، الكتاب يكشف أيضاً عن أن ترمب لا يحب القراءة وليس لديه جلد لتعلم القضايا المعقدة، وإن ابنته إيفانكا نفسها تسخر من تسريحة شعره ولونه، أما إيفانكا فهي ترغب في أن تكون أول امرأة ترأس الولايات المتحدة، بحسب الكتاب.
خيانة
ومن أبرز استخلاصات الكتاب أن ترمب وعائلتَه لم يتوقعوا أو لم يريدوه أن يفوز بالرئاسة، بل أرادت العائلة استخدام خسارته المتوقعة لزيادة شهرتها وثروتها، فرئيسة حملة ترمب، كيليآن كونوي، كانت تجري اتصالات مع معارفها في يوم الانتخابات نفسه لتحاول الحصول على وظيفة معلقة تلفزيونية بعد خسارة ترمب، كما كشف هذا الكتاب أن جميع مسؤولي البيت الأبيض يعتبرون أن ترمب غير مهيأ للرئاسة، وأنه يتخذ قراراتِه بناء على آراء آخر شخص تحدث معه.
ويصف الكتاب ثلاثة فرق متضاربة بين مساعديه يتنافس كل منها للحصول على أذن صافية من ترمب، فهناك مساعده بانون، وهناك مدير موظفيه (السابق) راينس بريبس، ومن ثم ابنته إيفانكا وزوجها جاريد كوشنر.
ومن تفاصيل الكتاب التي حظيت على اهتمام إعلامي هو اقتباس عن مساعد الرئيس السابق ستيف بانون اعتقاده أن الاجتماع الذي قام به ابن المرشح ترمب دون جونيور-ومسؤولون آخرون في الحملة– مع محاميه روسية بهدف الحصول على معلومات مسيئة عن هيلاري كلنتون كان بمثابةِ خيانة للبلاد.
صمت رهيب
ولم يتحدث الكتاب عن مسائل داخلية فقط في الولايات المتحدة، بل تطرق إلى علاقات واشنطن الدولية ومواقف الإدارة الأمريكية من بعض القضايا، ومن التفاصيل الدولية في الكتاب حوار يدور بين مساعد ترمب ستيف بانون خلال الفترة الانتقالية يقول فيه: “سننقل السفارة الأمريكية إلى “إسرائيل” في اليوم الأول، نتنياهو وشيلدون يحظون بدعمنا”، في إشارة إلى رئيس الوزراء “الإسرائيلي” وشيلدون أدسون، أحد أغنى وأكبر داعمي “إسرائيل” في الولايات المتحدة.
كما تطرق الكتاب لعلاقات ترمب وإدارته مع بعض الدول العربية ،تضمنت اتهامات وأسرار خطيرة، لكن هذه الدول لم يصدر منها –حتى الآن– أي تعليق أو نفي للاتهامات التي جاءت في الكتاب.
من جهة أخرى، قال بانون عن توجهات الإدارة المستقبلية حول خطة سلام شرق أوسطيه: “نحن نعلم أين نتجه، لندع الأردن يأخذ الضفة الغربية ولمصر قطاع غزة، ولندعهم هم يتعاملون مع الوضع، أو يغرقون في محاولة التعامل معه”، وحسب الكتاب سئل بانون: “أين دونالد في كل هذا؟”، وكانت إجابة بانون: “إنه يوافق تماماً”.
ويؤكد مايكل وولف أن كتابه ليس نسجاً من الخيال، وإنما مبني على أكثر من مائتي مقابلة أجراها مع الرئيس ومع مسؤولين في البيت الأبيض، وإن الكتاب دقيق وموثق ويحتوي على تسجيلات صوتية للكثير من المقابلات، لكن ترمب نفى ذلك جملة وتفصيلاً، وهاجم وولف وبانون وهددهما بملاحقات قضائية.
واتهم ترمب مساعده السابق ستيف بانون بالجنون، وقال: إنه رجل “فقد عقله عندما فقد وظيفته”، بسبب التصريحات التي أدلى بها في الكتاب، وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز: “الكتاب مليء بالمعلومات الكاذبة والمضللة والتي قالها أشخاص ليس لديهم صلات أو تأثير بالبيت الأبيض”.
وولف: ترمب سيسقط
وقال مايكل وولف: إن كتابه لا يمثل وجهة نظره الشخصية إزاء ترمب، بل إنه يطرح آراء أقرب المحيطين بالرئيس الأمريكي في البيت الأبيض، وأكد أن رئاسة ترمب لن تكون ناجحة وسترتطم بحائط سيوقفها على الأرجح، موضحاً أن هناك معلومات لم يذكرها في الكتاب لأنها أكثر سوءاً مما ورد فيه، وقال: إن وضع ترمب أسوأ بكثير مما يظن الجميع، وتوقع وولف أن يضع مضمون هذا الكتاب نهاية لعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في سدة الرئاسة.
كما قال: إن ما جمعه من معلومات خلال شهور قضاها في البيت الأبيض ترقى إلى مستوى استخدام التعديل الخامس والعشرين في الدستور الأمريكي، الذي يقضي أنه في حال ثبوت عدم أهلية الرئيس يتم عزله وتعيين نائبه رئيساً بالوكالة، مؤكداً أن هذا البند هو الحديث اليومي للمحيطين بترمب.
المصدر: “إسلام أون لاين”.