عرضنا في الحلقة السابقة ما قاله بعض العلماء الأفاضل في فن التمثيل، وعلى رأسهم الدكتور المجاهد يوسف القرضاوي حفظه الله تعالى، وأطال في عمره، والشيخ العلامة الفقيه ابن عثيمين رحمه الله تعالى ونفعنا الله تعالى بعلمه الدقيق والعميق، والدكتور العالم الفذ الددو حفظه الله وغيرهم.
ووعدناكم في نهاية الحلقة بأنه في الحلقات القادمة سنبدأ بعرض العناصر التي من خلالها اقتنعنا أن التمثيل فن راق وحلال، أو بالأحرى نميل إلى من أجازه، وأنه (التمثيل) شعرة مميزة جدا في رأس الإعلام، إضافة إلى ما أفتى به العلماء من أهل الاستنارة والبصيرة الثاقبة كالإمامين المذكورين والعلماء أعلاه (القرضاوي وابن عثيمين والددو)، وأن هذه النقاط السبع هي أساس وأصول لهذا الفن وفروعه من حيث التخصص كآليات واحتياجات تتوالد خدمة لفن الدراما والتمثيل، وتؤكد على أنه وسيلة يستفاد منها حربا وسلما.
العناصر أو النقاط السبع:
[١] قوله صلى الله عليه وسلم: “الحرب خدعة”.
[٢] حادثة الصحابي الجليل ابن مسلمة وخداعه لابن الأشرف.
[٣] سيناريو وقصص سورة الكهف وفي أشد المواقف كوسيلة لبيان أقدار الله تعالى أنها هي الأفضل، وأنها إلى الأحسن تسير وإن كان ظاهرها من الوهلة الأولى فيه الخشونة.
[٤] غزوة الخندق والاستخبارات في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقائم بالعمل والمهمة الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.
[٥] لعب الأحباش في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[٦] ابتكار العلماء لوسائل تؤدي إلى سرعة الحفظ وعدم النسيان كالألفيات في علوم الصرف والنحو، والأناشيد في حفظ ما يمكن حفظه وخصوصا للأطفال.
[٧] وهي الفيصل الذي لا جدال حوله؛ نفس الوسيلة تم استعمالها كذبا للشر، هي نفسها تم استعمالها للخير كابتكار، وهذا ظاهر بالمقابلة بين الآيات في سورة يوسف؛ حيث ابتكار سيناريو الكذب والذئب والدم الكذب للخلاص من يوسف عليه السلام وبالمقابل سيناريو “فقدان صواع الملك” من أجل جمع الشمل وإظهار الحقيقة.
هذه العناصر أو النقاط السبع التي ارتكزنا عليها في قبول التمثيل (الدراما) فنا أو وسيلة محايدة يستعملها المجرم لجريمته وأهل الفلاح والخير خدمة للعباد والبلاد، إلا إذا كان يرى البعض من أدعياء التشدد تحريما وتبديعا في عباد الله أن صياغة وسياق قصص القرآن وعرضه بهذا الأسلوب ليس منهجا للمسلم والإنسانية، فهذا شأنهم ونتبرأ منه ومن رأيهم هذا.
سنبدأ بالحديث حول كل نقطة من تلك النقاط السبعة، وستجد كل نقطة منها تغطي في الغالب جانبا فنيا أو جانبا من جوانب الفن الإعلامي الذي يحوي “التمثيل والقصص، والخبر، والابتكار، والسيناريو والتشويق والجذب وتنشيط الذاكرة والخداع”.
لنبدأ في النقطة أو العنصر رقم [١] الذي يقول بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في البخاري ومسلم: “الحرب خدعة”.. بداية اللفظة تحتمل معنيين كما ذكره أهل العلم:
الأول: أن تعمل أنت على خداع العدو.
الثاني: أن تحذر أنت خداع العدو.
حينما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “الحرب خدعة” أراد تبيان أن النصر بالحروب لا يكون بترتيب الجيوش الصلبة وقتالها المباشر بالسلاح والعتاد الصلب فقط، ولكن أراد -صلى الله عليه وسلم- بيان أنه لا بد من الاعتماد على تقصي المعلومات عن ومن العدو، ونشر المعلومات المغلوطة لتضليله وأيضا.. لا بد من معرفة قدرته وتخطيطه واستراتيجياته، وذلك لاستسهال أو سهولة خداعه، ولعدم السقوط في محابله وخداعه أيضا، وهذا -لا شك- يحتاج إلى وسائل وآليات، وفرق وابتكارات، من ممثلين وكتاب سيناريو وخطط، وإلى مؤسسات متخصصة بالإعلام وبعلوم علم النفس، وبعلوم الدراما لغزو المقابل بنعومة كما يفعل العدو تماما اليوم بأمتنا.
من جميل ما قرأته في “الحرب خدعة” ما قاله “ابن المنير”: “إنما هي المخادعة لا المواجهة، وذلك لخطر المواجهة وحصول الظفر مع المخادعة من غير خطر”؛ أي.. هي الحرب الناعمة كما يفعل بنا العدو اليوم بحربه الناعمة إعلاما وسينما، وخبرا، وتحليلا، وخداعا، وبرمجة الأجيال لصالحه من خلال تمثيله، وفنونه الإعلامية والدرامية بشكل الخصوص، ويعمل من خلال هذه الفنون والحرب الناعمة على زرع الفتن بين بلدان المسلمين وتشويه الدعاة والدين! ويعمل على تجهيز ساحة المسلمين للإجهاز على إخوانهم المسلمين في غزة وحماس والقسام مثلا بالحروب الصلبة، وهو يتفرج على الغثاء أهل الرعونة والاندفاع، والجهل بإدارة الحرب الناعمة بالنسبة له، والصلبة المدمرة بيننا.
نكمل الحديث حول هذه الرواية في بداية الحلقة القادمة بعون الله تعالى وحوله وقوته..
[حاول أن تجمعها ليتكامل الموضوع عندك]
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) إعلامي كويتي.