– اتفاق ترسيم الحدود المائية بين مصر واليونان أفقد القاهرة موقعها كمنصة لتصدير الغاز من شرق المتوسط إلى أوروبا ونقلها لتل أبيب
– مصر قد تخسر منطقة بحرية بمساحة تقارب 15 ألف كيلومتر مربع
ما إن انتهت اليونان من توقيع اتفاقها البحري مع مصر الذي يحدد المنطقة الاقتصادية الخالصة لها، حتى دفعت تركيا قواتها إلى المياه التي يفترض أن تصبح “يونانية” حسب الاتفاق المصري اليوناني واستأنفت التنقيب فيها، على اعتبار أنها مياه تركية حسب الاتفاق مع ليبيا، وكأن اتفاق مصر اليونان لم يكن، فارضة موازين قوى جديدة في المنطقة بنشر 10 سفن حربية أيضاً.
ما يهم مصر من هذه المعركة البحرية اليونانية التركية هو أن اتفاق ترسيم الحدود المائية بين مصر واليونان أفقد القاهرة (بحسب ما أعلنته تركيا وخبراء مصريين) ما بين 7 إلى 11.5 ألف كيلومتر؛ ما شكل مكسباً للكيان الصهيوني واليونان وقبرص الذين يسعون لمد خط أنابيب لنقل الغاز الصهيوني لأوروبا، ومن ثم إفقاد القاهرة موقعها كمنصة لتصدير الغاز من شرق المتوسط إلى أوروبا ونقلها لتل أبيب، ما يفقد مصر واحدة من أهم شروط قوتها الجيوسياسية.
لذلك قيل: إن الاتفاق مريح للكيان الصهيوني على اعتبار أنه سيمنح اليونان المساحة التي سيمر عبرها الأنبوب الذي سينقل غازها لأوروبا، في حين أن الاتفاق التركي الليبي على ترسيم الحدود يمنح نفس القطاع لتركيا؛ مما يجعل تل أبيب تحت رحمة أنقرة، لكن الواقع، بعد التحرك التركي غير المعترف بالاتفاق، أن الاتفاق المصري اليوناني زاد من قلق الصهاينة لأنه دفع تركيا لزيادة حضور سلاحها البحري بشكل مكثف، كما تعهد أردوغان، وهو حضور يصعب على مصر أو اليونان التصدي له بالقوة.
تنازل بحجم “تيران وصنافير”
لذلك يرى خبراء مصريون أن اتفاقية ترسيم الحدود مع اليونان، بقدر ما قدمت لليونان تنازلاً بحجم التنازل السابق للسعودية عن “تيران وصنافير”، فهو تنازل حرم مصر من التحول إلى منصة لتصدير الغاز من شرق المتوسط إلى أوروبا، وأفقد مصر واحدة من أهم شروط قوتها الجيوسياسية.
ويرون أن التحرك التركي –برغم الصدام بينها وبين القاهرة التي سعت لحرمان تركيا من مياه اقتصادية كبيرة لصالح اليونان– سوف يحمي المصالح المصرية في البحر المتوسط في نهاية المطاف، لأنه على الأقل سيعطل أنبوب توصيل الغاز الصهيوني مع اليونان وقبرص لأوروبا، ويسمح ببقاء مصر منصة لتصدير الغاز.
فقد قدم النظام المصري الحالي سلسلة تنازلات خلال ترسيم الحدود مع قبرص نكاية في تركيا، وكررت الأمر نفسه في اتفاقها مع اليونان، رغم أن الأتراك قدموا لمصر بديلاً أفضل (في اتفاقهم مع حكومة الوفاق الليبية) يضمن لمصر 40 ألف كيلومتراً بحرياً زيادة في حدودها البحرية عما تقدمه اليونان.
والأهم أن الاتفاقية التركية الليبية أفادت مصر من زاوية عرقلتها لخط غاز (East Med) الذي ينوي الكيان الصهيوني وقبرص واليونان إنشاءه في المياه العميقة للبحر المتوسط لنقل الغاز من الكيان الصهيوني وقبرص إلى اليونان ومنه إلى أوروبا، ووفرت لمصر فرصة أن تصبح منصة إقليمية لتصدير الغاز الطبيعي في شرق المتوسط، ومع هذا رفض النظام المصري الاتفاق الذي يفيد المصريين بسبب صراعه مع أردوغان.
هل قدمت مصر تنازلات أم حصدت مكاسب؟
أثيرت أرقام مختلفة عن حجم مساحة المنطقة الاقتصادية البحرية التي ستخسرها مصر بموجب هذا الاتفاق، بينما لم تنشر مصر حتى الآن الاتفاق بالتفصيل.
فبموجب مذكرة سرية عرضت على النظام المصري، في 21 مايو 2017م، من جانب وزارة الخارجية، أكدت المذكرة أن الطرح الذي تطرحه اليونان يعني أن تخسر مصر 7000 كم من المنطقة البحرية الاقتصادية إذا قبلت الاتفاق مع اليونان، وأن اليونان لا تتفاوض بحسن نية.
ولو صح توقيع الاتفاقية وفق الشروط اليونانية القديمة، ستكون مصر تنازلت عن 7 آلاف كيلو بحري، وخسرت مجدداً من حقوقها لصالح اليونان كما خسرت سابقاً بالاتفاق مع قبرص من أجل المناكفة السياسية مع تركيا.
أيضاً قال خبراء: إنه وفقاً للطرح اليوناني، فإن مصر قد تخسر منطقة بحرية بمساحة تقارب 15 ألف كيلومتر مربع، أي أنها تعادل مساحة محافظة الجيزة تقريباً، وتمثل 130 ضعف مساحة جزيرتي تيران وصنافير، وهي مساحة يمكن أن تخسرها مصر إذا ما رسمت حدودها البحرية مع اليونان وفق هوى الأخيرة.
كذلك أكدت الخارجية التركية في بيانها الذي أعلنت فيه عدم اعترافها بالاتفاقية اليونانية المصرية، أن هذه الاتفاقية تتسبب في خسارة مصر مساحة 11500 كيلومتر مربع من أراضيها، مثلما خسرت مساحة أخرى عندما أبرمت اتفاقية مع جنوب قبرص عام 2003، وهو ما أكده نايل شافعي، خبير الحدود البحرية.
بالمقابل، نشر موقع قريب من اليونان يسمى “lexicon Road” ما قال: إنه معلومات تشير لتقديم اليونان تنازلات لمصر من أجل إبرام الاتفاق، وزعم أنه في اتفاقية اليونان ومصر بشأن المنطقة الاقتصادية الخالصة، قبلت اليونان جميع الاعتراضات والطلبات المصرية، ولم تحصل على أي شيء في المقابل من القضايا قيد التفاوض.
وزعم الموقع أن مصر اتفقت مع قبرص على المنطقة الاقتصادية الخالصة بموجب تطبيق مبدأ خط المنتصف (أي تقسيم المنطقة 50% لكل دولة)، ولكن اليونان لم ترغب في عقد صفقة مماثلة، وأرادت تطبيق مبدأ التناسب (للسواحل، أي نقاط الأساس) ما أدى لحصول اليونان على 45% من المنطقة الاقتصادية البحرية مقابل 55% لمصر.
أي أن المنطقة الاقتصادية الخالصة بين مصر واليونان لم تقسم إلى قسمين متساويتين، ولكنها أعطت لمصر 55%، ولليونان 45% ولم تراعِ مبدأ خط المنتصف.
وقال الموقع اليوناني: بجوار المكان الذي ينتهي فيه الترسيم الشرقي، تبدأ المنطقة الاقتصادية الخالصة التي اقترحتها تركيا على مصر، وبهذه الطريقة لا تفقد مصر أي شبر من المنطقة الاقتصادية الخالصة بها، واليونان لديها خسائر كبيرة، ولا توجد سابقة لمثل هذا التقويض لموقف الجزر اليونانية في شرق المتوسط.
وتابع: الخلاصة؛ قدمت اليونان تنازلات بشأن جميع القضايا قيد التفاوض، ومنحت حقوقاً لأطراف ثالثة، مثل إيطاليا، ولم تحصل على أي شيء، بينما قدمت كل شيء لمصر!
وقد رد خبير الحدود البحرية نايل شافعي، على هذا بقوله: أنا لديَّ الإحداثيات التي تطالب بها اليونان منذ عام 2012م، ولطالما حذرت منها، ولذلك هاجمتني الصحافة المصرية يوم قمة “الكلاماتا” الثانية، في 8 أبريل 2015م، على صفحتين كاملتين بجريدة “الوطن”، وعلى صفحة في “المصري اليوم”.
خسائر مصر
يمكن بالتالي تركيز خسائر مصر من الاتفاق في أمرين؛ الأول: جيوسياسي يتعلق بخسارة مصر موقعها الجيوسياسي بتنازلها عن مناطق واسعة من مياهها الاقتصادية، والثاني: اقتصادي ذو بعدين؛ الأول: خسارتها حقوق التنقيب عن الغاز في هذه المناطق الاقتصادية البحرية التي تنازلت عنها، والثاني: خسارتها التحول إلى منصة إقليمية لتصدير الغاز الطبيعي.
فمصر أعطت بتوقيعها على الاتفاقية مع اليونان الضوء الأخضر القانوني للكيان الصهيوني وقبرص واليونان لإنشاء خط “East Med”؛ وهو ما يعني خسارة مصر موقعها كمنصة إقليمية في المستقبل، وما يتبع ذلك من خسائر اقتصادية وفقدان لنفوذ ودور جيوسياسي مهم في منطقة شرق المتوسط.