عشتُ مخاض السجن ومخاض الولادة وأنجبت ابني «نور»
عشتُ مخاض السجن ومخاض الولادة وأنجبت ابني «نور»
خلال القبض عليّ منعوني من تغطية ابني المريض فدفعت الجندي بقوة وعطيت ابني
ضربوني أثناء الاعتقال وكنت معصوبة العينين ومقيدة اليدين والرجلين
عند الولادة أخذوني مقيدة في سيارة الإسعاف ووضعت طفلي دون مساعدة
في ذكرى «يوم الأسير الفلسطيني» التي تصادِف السابع عشر من أبريل كل عام، التقت «المجتمع» مع الأسيرة المحررة منال غانم من مخيم طولكرم شمالي الضفة الغربية، في لحظة توثيق لمعاناة الأسيرات داخل سجون الاحتلال.
في البداية، تحدثت الأسيرة المحررة منال غانم، عن ذاتها في تعريف نفسها ومكان سكنها، وقالت عن ظروف اعتقالها من منزلها في مخيم طولكرم: قضيت في السجن أربع سنوات، اعتقلت الساعة الثالثة فجراً، تم اقتحام بيتنا بقوة كبيرة من الجيش الصهيوني، وكان اعتقالي في ذكرى «يوم الأسير الفلسطيني» (17/4/2003م)، وأنجبت داخل السجن، وكان المخيم وقتها في حالة اجتياح، ولم أكن أتوقع أن الطارق هو جيش الاحتلال جاء لاعتقالي، وظننت أنهم شباب مطاردون يحتاجون إلى مساعدة، وبسرعة فتحت الباب كي أقدم لهم المساعدة، عندها صدمت من المنظر حيث وجدت جنود الاحتلال، ودخلوا المنزل وكان بيتي بالإيجار وأخرجوا جميع أولادي إلى الخارج، وأخبروني أنهم يريدون تفتيش المنزل والأولاد كانوا نياماً، وسألوني عن هويتي والجوال الذي كان معي، وأخرجونا جميعاً مع زوجي إلى الخارج، ورفضوا أن يكون زوجي معهم أثناء التفتيش، وطلبوا مني مرافقتهم تحت تهديد السلاح، وكان يتواجد في المنزل عدد كبير من الجيش، وكانت معهم مجندات، وكانوا على سطح المنزل، وفي خارج المنزل قوات كبيرة، وفجروا جدران منازل الجيران حتى دخلوا الحاقورة الملاصقة للمنزل.
وتضيف منال غانم: وأثناء دخولي معهم أخذوا بالصراخ عليّ أين الهوية؟ أين الهوية؟ وأصبت بصدمة من صراخهم، وفي نهاية المطاف أعطيتهم الهوية وطلبوا مني الجوال وأصروا عليه وقلت لهم: ليس لدي جوال ووصفوني بأني كذابة وعندك جوال، وخلال تفتيشهم عثروا على شاحن جوال وسألوا باستنكار عن سبب وجود الشاحن فأخبرتهم أن هذا الجوال تالف، وبعد إصرارهم كان الجوال تحت المخدة وأعطيتهم الجوال وأغلقه الضابط ووضعه في جيبه، واستمرت عملية تفتيش المنزل وأتلفوا كل محتوياته وأحضروا أجهزة لفحص إمكانية وجود سلاح وفتشوا الحاقورة والشجر، وكان الوضع مرعباً جداً.
وكان لدي طفل مريض بالثلاسيميا، وتذكرت أنني لم أغطِّه، وأخذت غطاء كي أغطيه وهو في البرد ورفضوا السماح لي بتغطيته، إلا أنني دفعت الجندي بقوة وغطيت ابني، وبعدها هاجمتني مجندات ووضعن القيود في يدي وعصبن عيني وقام الجنود بتفتيشي وأخذوني معهم، وعندما سأل زوجي: إلى أين يقتادونني؟ أخبروه أنهم سيعيدونني بعد خمس دقائق، وبدأت رحلة الاعتقال، ورفضوا السماح لي بارتداء ملابسي وأخذوني دون شالة وحافية دون حذاء، وكنت مرتدية «الروب» فقط، ولم أكن أعلم أن الذي يطرق الباب جيش وجنود، بل شباب يلاحقهم جنود وما كان هناك وقت لارتداء ملابس كاملة.
وتضيف: ضربوني أثناء الاعتقال، وكنت معصوبة العينين ومقيدة اليدين والرجلين، ووضعوني في سيارة الجيب العسكرية، وعندما كنت جالسة بشكل عادي، جاؤوا وضربوني على رقبتي كي أخفض رأسي للأسفل وأخبرتهم أنني حامل وفي الشهر الثالث، ولم يسمعوا لكلامي، وطوال الطريق من البيت إلى مقر الارتباط العسكري كانت بجانبي مجندتان تقومان بضربي على رقبتي، وعند وصولي إلى مقر الارتباط، كان هناك شباب معتقلون، وكنت أسمع صياحهم، كانت الساعة الخامسة صباحاً، وبعدها أحضروا لي طعاماً وبرفقة طبيب عسكري للتأكد من أنني حامل أم لا، ورفضت الأكل وأخبروني أنه يجب تناول الطعام لأنني سأدخل إلى التحقيق.
وتستطرد قائلة: ومكثت في التحقيق خمسة أيام، وخلال التحقيق هددوني بإحضار أمي وزوجي، وكان التحقيق متواصلاً على مدار الساعة، وبعد عشرة أيام من مكوثي في السجن طلبوني للتحقيق في مقر الارتباط العسكري، وكانت الاعترافات جاهزة، وطلبوا مني الإدلاء عن مكان حقيبة المتفجرات، فقلت لهم: أعترف إذا تحدثت مع عائلتي، وسمحوا لي بإجراء مكالمة هاتفية، وتحدثت مع العائلة كاملة، وحضر زوجي وأخي إلى مقر الارتباط، وأخبرتهم عن مكان الحقيبة، وبعد ساعة ونصف أرجعوني إلى السجن، وفي أخبار السابعة مساء سمعت من الإذاعة أنه تم تفجير حقيبة للأسيرة منال غانم.
وتصف المحررة منال غانم مرحلة المخاض بتفاصيلها المؤلمة وتقول: في يوم المخاض كان من المقرر أن ألد داخل السجن، واتفقت مع أسيرتين لمساعدتي، وجاء المخاض عند الساعة الثانية صباحاً، وبقيت حتى الساعة السادسة، وكنت أتوجع وأتألم، وعند الساعة السادسة والنصف جاء العدد وكنت داخل الحمام، وفي حالة العدد للأسيرات التي تقوم به مصلحة السجون في اليوم ثلاث مرات، يجب أن يشاهدني ضابط العدد، وإلا أتعرض للعقاب، وأبلغت الأسيرات أنني لا أستطيع الخروج، وأبلغن السجانين، وقلن: إنهم سيعودون بعد انتهاء عملية العدد، وبقيت من الساعة السادسة والنصف حتى الساعة الثامنة عندما حضروا لكي يأخذوني للمشفى، وكنت متعبة، وأجلسوني لمدة ثلاث ساعات داخل السجن، وكان الوضع صعباً، وعند الساعة الثانية عشرة والنصف حضرت سيارة الإسعاف وقيدوني داخلها وأنا نائمة، وعند الساعة الواحدة والنصف أدخلوني المشفى، وداخل غرفة لا تشير أنها عيادة وكان فيها سرير وساعة وتلفاز، وقيدوني من يدي وقدمي بأعمدة السرير، وجاءت ممرضة وهي من المواطنين العرب، وأخبرتني بعد نصف ساعة سيكون موعد الولادة، وأعطيتها رقم هاتف عائلتي وكتبت الرقم على ملابسها، وذهبت واتصلت بأهلي، وبعد فترة جاء مدير السجن ومعه مدير المشفى وطلبوا مني التوقيع على ورقة تتضمن الموافقة على إجراء الولادة وأنا نائمة فرفضت طلبهم وقلت لهم: أنجبت سابقاً عدة أولاد وأنا مستيقظة، وأخبرتهم أن وضعي متعب وصعب، وكيف أوقع على ورقة لا أعلم ما فيها، وهي مكتوبة باللغة العبرية؟ وخرجوا من الغرفة، وكان يوم جمعة، وبعد خروجهم ولدت، والمجندة التي ترافقني سمعت صوت الطفل.
وعن طفلها «نور» تقول منال غانم وهي متأثرة: لم أطلق عليه اسم «نور»، بل الأسيرات هن من أطلقن عليه هذا الاسم، كي ينور لهن السجن، وكانت كل الأمهات الأسيرات يتذكرن أولادهن من خلال «نور»، وكذلك البنات الأسيرات يتذكرن إخوانهن الصغار من خلال «نور»، وكان طفلي «نور» له أكثر من ست وستين أمّاً، وهن عدد الأسيرات، وكن يصنعن له اللعب من دببة وقطط وغيرها من الألعاب، وكان «نور» يطوف على غرف الأسيرات، وشاهدت فرحة الأسيرات بـ«نور» عندما عدت للسجن، وكيف اصطففن على الجانبين والفرحة تغمرهن بعودتي ومعي «نور»، وكانت الأسيرات يزغردن ويتوسلن حتى يحملن ابني، ورفض السجانون إدخالي إلى غرف الأسيرات، وأدخلوني غرفتي فقط.
وحول تجربة الخمسين شهراً من الأسر تقول غانم: خضت مخاض السجن ومخاض الولادة، والاحتلال هو الإرهاب، وهم الذين صنعوا الإرهاب معنا، وربيت ابني في السجن وانتزعوه من داخل السجن.
وتضيف: عندما انتزعوا ابني «نور» من السجن بعد عامين ونصف عام كانت أصعب لحظة، وقاموا بالتفريق بيننا من خلال إحضار أهلي داخل السجن وبعدها انسحبت من الغرفة دون أن يشعر ابني «نور» بخروجي، وبقيت أنظر إلى الخلف وأنا أودع ابني خلسة، والعام الذي فصلني عن نور هي فترة السجن الحقيقية، وعندما أفرج عني كان «نور» يخاف مني ويستغربني إلا بعد فترة من الزمن، ورفضت تسليم ابني «نور» لمصلحة السجون حسب طريقتهم، بل حسب شروطي التي ذكرتها بحضور عائلتي واستلامهم له مباشرة دون أن يشعر بي.>