من أغرب ما نُشر مؤخّراً بهذا الصدد تسجيل مصوّر لرجل تبدو عليه هيئة العلماء لكنه تبيّن من الحوار معه أنه كان يعمل سائقاً لواحد من أبرز أهل العلم في زماننا، وفيه يشهد الرجل أن طالباً أفريقياً اسمه عمر كان يدرس في جامعة إسلامية، ثم اعترف لهم أنه من الجنّ بعد حادثة معينة، ومع هذا فقد واصل دراسته حتى أخذ شهادة التخرّج، وأن الرجل كان يوصله في سيارته.. إلخ، والذين صوّروا اللقاء ونشروه يبدو أنهم كانوا حريصين ومهتمين بشأن الدين والدعوة ونشر العلم بين الناس! لكنهم لم يفكّروا في حاجة الجنّي إلى الشهادة الجامعية، وما إذا كانت شرطاً للتوظيف عندهم، أو أنه سيتوظف بها في مؤسساتنا أيضاً، بل إنهم لم يفكروا في الوثائق التي كان قد قدّمها للجامعة حتى قبلته طالباً في صفوفها؛ هل كانت وثائق إنسية أو جنّية، أو كان قد ضحك على الجامعة بأوراق مزوّرة، أما أن الأخ السائق كان يوصله بسيارته فهذه قصة أخرى، فالجن يبدو أنهم بحاجة إلى أن يستعملوا سياراتنا أيضاً!
كل هذه المعلومات التي قدمها الرجل سندها أن هذا الطالب الأفريقي قال عن نفسه: إنه جنّي! هذا يكفي لتكون حولها هالة دينية بهذا الحجم وتقدّم على أنها جزء من الدين.
سمعت مرة عن أحد الخطباء أنه حذّر المصلّين من دخول سبعة آلاف جنّي يهودي أرسلتهم “إسرائيل” لتخريب عقول المسلمين بالمس ونحوه! ذهبت إليه وسألته عن مصدر هذا الخبر، فأكّد لي أنه سمعه عن شيخ ثقة كان يعالج ممسوساً فنطق الجنّي على لسانه وأخبره بذلك، وأن هذا الجنّي واحد من السبعة آلاف!
ورأيت أيضاً تعليقاً لأحد المشايخ الفضلاء على تسجيل مصوّر لامرأة تحاول تقطيع سمكة لكن السمكة تنفر وتضطرب، فقال: ربما هذه السمكة تلبسها جن!
إنك لو أخذت بهذه القصص فستعيش في عالم آخر فلا تدري طلابك من الإنس أو من الجنّ، ولا حتى زملاءك في العمل، والراكبين معك في السفر، بل طعامك الذي تأكله أيضاً، أما إذا أنكرت فإنك تشكك في الدين وتنكر الغيب! لأن هذه القصص التحمت في نظر هؤلاء بمفهوم الدين نفسه!
كنت أنصح أحدهم وأهوّن عليه من حالة الرعب التي تسيطر عليه بسبب خوفه من السحر، وأقول له: إن الله وحده على كل شيء قدير وليس الساحر أو المشعوذ، فقال: لكن السحر مذكور في القرآن وإنه سحر عظيم!
لم يفطن صاحبي إلى تكملة الآيات التي وصفت هذا السحر العظيم (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ)، و(يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى)، فالسحر العظيم هذا ليس سوى خداع بصري بنصّ القرآن، وهؤلاء هم سحرة فرعون فما بالك بمن دونهم؟
إن الساحر يقلب لك الحجر ذهباً لكي تعطيه عشرة دراهم، ولو كان صادقاً لاكتفى بالذهب.
إن ترسيخ عقيدة التوحيد في الأمة، والفصل بين نصوص الوحي وبين هذه القصص والخرافات، وتشجيع البحث العلمي، مقدمات ضرورية لحماية المجتمع من هذه الفوضى التي تكاد تذهب بعقول الناس، وتدمّر علاقاتهم فيما بينهم، وتشوّه الإسلام نفسه في نظر الآخرين.
المصدر: “إسلام أون لاين”.