في علم الإعلام والإعلان والدعاية عبارة “التعريف بالمنتَج وإقناع المستهلك”، وتنطلق فلسفة مثل هذه العبارة من سؤال: هل فكرت يوما وأنت في متجرٍ ما: لماذا أنت مقتنع بمنتج دون غيره؟
ستكتشف أنك تشتري ما تعرفه وتترك ما لا تعرفه!
من الطبيعي جدًّا أن يفعل الشخص ذلك!
القصد أن أصلَ إلى فكرة وهي ما يعرف بالبرمجة التي تستهدف العقل وتصل إلى مرحلة الأدلجة!
ستكتشف أن الكثير من المنتجات على سبيل المثال تحتوي على ما يحتويه منتجٌ آخر صنع لذات الغرض! ولكنك تفضِّل المنتَج الفلاني على غيره مع أنك لست خبيراً فيهما ولا تعرف عن هذه المنتجات سوى الاستخدام! إلا أنك لا تقتنع إلا بواحد..
إن الوصول إلى هذه المرحلة من البرمجة أو الأدلجة في المنتجات الاستهلاكية قد لا يضر! لكن المشكلة تكمن في استخدام هذه الطريقة ليصنع أعداؤنا من بعضنا ألعوبةً في أيديهم… تعمل بموجِّه بعيد المدى.. وإن طال السبات فستكون قيَمنا فريسةً لهؤلاء الطامعين.. وسنعيش دُمًى ونسكب من دماء بعضنا ونروي بها الأعداء… لأن طمسَ الهُوية هواية الأعداء.. ووسيلتهم الأولى وغايتُهم الكبرى!
لقد تمخضت الأدلجة بعد تزاوجٍ محظورٍ بين إعلام صاخب منحرف ورموزٍ لهم في مجال التحريف باع طويل!
ينكرون عليك ما يخالف هواهم ويأمرونك بما يرغبون، ووسيلتهم الإلحاح المستمر على مواجع الخاصة ليحذر منها العامة.. وقد استغلَّ الأعداء هذه الوسائل الإعلامية لمحاربة الكثير من شرائع الدين وقيَمه.
قد تستغرب – أخي القارئ – ما علاقة مثل هذه المقدمة بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجتمعنا المعاصر؟ بل وغيرها من القيم.
وسيتضح لك مما سأورد أن الصدام المستمرَّ بين شعيرة الاحتساب وبين بعض رموز الإعلام سببه: أدلجة الإعلام المعادي لمصادرة هذه الشعيرة في مجتمعٍ يقدِّسها! فنتج عن هذا الصدام تعميمُ الخطأ والسلبية وطمس الصواب والخيرية مع ممارسة الإقناع بالقوة..
ولذا لا نستغرب كيف ذكر القرآنُ من خيرية الأمة الأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر.. ولم يكتفِ بذلك، بل قال: ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ ) [التوبة: 67].
وفي نهاية هذه المقدمة ستكون النتيجة التي لا ينكرها منطق المتمنطقة: أن مقابل ترك الأمر بالمعروف أمراً بالمنكر، ومقابلَ النهي عن المنكر أمراً به.
لكن ستكتشف أن عقلك قبِلَ الكثير من البرمجيات الإعلامية في هذا العصر! وستكتشف أن الناس مع الإعلام كأمواج البحر المتلاطمة! وستكتشف أنك تخسر الكثير من الوقت والمال والصحة والراحة لأجل قناعاتٍ زائفة! حتى سمعنا عوام الناس ينتقدون بغير علم!
وستكتشف أنك أرهقت نفسك ومن معك لتصل إلى الشيء الذي رفعَت ثمنَهُ الدعاية وهو أرخص مما تظنه بكثير!
وسبب ذلك كله أن للخداع مداخل يرتقي بها المخادع، وهنا مركز الأدلجة الخادعة! يرسمون مع الدعاية رسمة! ويستقبلها العقل البسيط لتنقش في أعماقه بالتكرار… ويكررها المعلنون صباح مساء! وبعدها تصنف في ذاكرة المخ الأقرب! وهذا أسلوب المعايشة! فتكون الحاكمة والمعروفة من بين أشباهها في الوجه المرسوم! لتحقيق أهدافٍ محددة.
لقد بذلَت الرأسمالية كلَّ ما تملك من قوة لاختراع الوسائل العولمية لخدمة الماديين.. لكن استخدامَ هذه الوسائل لتغيير قناعات المجتمعاتِ المتدينة فكرةٌ ظهرت وكأنها الغايةُ والهدف؛ وهذا ما جعل الأدلجةَ الإعلامية تصادم شعيرة الاحتساب، وتعزفُ على وتر الأخطاء الفردية وعداوة الحرية والتدخل في الخصوصية، وهم يتدخلون في أعمق الخصوصيات التي ما خلق الناس إلا لأجلها، وهي الدِّينُ وقِيَمُه ومُمارسته.
_______
* المصدر: إسلام ويب.