عودة “تنظيم الدولة” (داعش) المفاجئة للنشاط في العراق عبر سلسلة هجمات واعتداءات في محافظات كركوك والأنبار وصلاح الدين وديالى السُّنية خلال الأسبوعين الماضيين، التي أدت إلى مقتل وإصابة عدد من المواطنين وقوات الأمن، بواسطة عبوات ناسفة وهجمات مسلحة وقذائف هاون، فضلاً عن تفجيرات انتحارية بواسطة أحزمة ناسفة، تسببت بإعادة انتشار فصائل الحشد الشعبي في هذه المحافظات، وهو ما أثار مخاوف الأهالي فيها من عودة الممارسات الطائفية لهذه الفصائل.
حيث اتخذت قوات الأمن والجيش العراقي، مدعومة بفصائل من الحشد الشعبي، إجراءات مشددة في المناطق التي شهدت الهجمات شملت، إجراء حملات دهم وتفتيش، وإقامة نقاط تفتيش عسكرية بين المدن والقرى خصوصاً في مناطق أعالي الفرات غربي العراق، فضلاً عن ديالى وكركوك والموصل، ما تسبب بقطع للطرق وتقييد لحركة الأهالي الذين يخشون على أنفسهم من المرور بنقاط التفتيش خوفاً من الاعتقال.
اعتقالات عشوائية
حواجز الحشد الشعبي في مناطق السُّنة، تستخدم من قبل بعض الفصائل المكونة للحشد لأغراض طائفية، حيث يتم اعتقال الشباب بشكل عشوائي خلال عمليات التدقيق على هذه الحواجز، بحسب الصحفي العراقي وليد الكرخي.
وأضاف الكرخي، في حديثه لـ”المجتمع”، الحواجز تسببت بقطع أوصال المدن والقرى في أنحاء ديالى، وهو ما تسبب بحالة شلل في الحركة، إذ إن أغلب الأهالي يتخوفون من التنقل والمرور عبر حواجز الحشد، خوفاً من الاعتقال الذي غيَّب آلاف الشباب خلال السنوات الماضية، ولا يزال مصير الكثير منهم مجهولاً.
وأشار الكرخي، الذي يعمل في صحيفة إلكترونية تتابع شؤون محافظة ديالى، إلى أن الملف الأمني في المحافظة يدار بشكل طائفي منذ عام 2003، فالفصائل الشيعية تعمل بشكل مستقل عن قوات الأمن الرسمية، وعند مراجعة الأهالي للجهات الرسمية للسؤال عمن يتم اعتقاله على الحواجز، يفاجَؤون بعدم وجود ما يثبت رسمياً توثيق عملية الاعتقال، وهو ما يدفع المنظمات الحقوقية لوصف هذه العمليات بـ”الاختطاف”، الذي يتم خارج إطار القانون.
واستدرك أن مصير المعتقل إما أن يكون القتل، الذي يتم خارج القانون حيث تلقى الجثث في نهر ديالى، أو بدفع مبالغ مالية كبيرة من ذويه لافتدائه، بعد دخول وساطات عشائرية للإفراج عنه.
عضو البرلمان العراقي عن محافظة ديالى، ناظم الركابي أقر، في تصريح لـ”المجتمع”، أن هناك تجاوزات وارتباكاً بالأوضاع الأمنية في محافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك.
وأكد أن لجنة الأمن والدفاع في البرلمان عقدت اجتماعاً مع قادة عمليات الجيش والأجهزة الأمنية في المحافظات الثلاث، بعد ورود شكاوى من المواطنين، خاصة في ديالى التي تحولت مؤخراً إلى مسرح لهجمات “داعش”.
وأشار الركابي إلى أن اللجنة اتخذت قراراً بإجراء زيارات ميدانية لمواقع العمليات في المحافظات الثلاث، للتأكد من سلامة الإجراءات الأمنية، وتوثيق شكاوى المواطنين فيها.
محاولة للانتقام
ويرى مراقبون أن الحشد الشعبي يسعى للثأر لقتلاه الذين سقطوا في هجوم “داعش” المباغت، في مناطق بمحافظتي ديالى وصلاح الدين.
وهو ما أكده القيادي في الحشد صادق الحسيني، أمس الجمعة، في تصريح صحفي أعلن فيه إحباط هجمات إرهابية لتنظيم “داعش” كانت في وضع التنفيذ بمحافظة ديالى.
وقال الحسيني: إن الحشد الشعبي بدعم التشكيلات الأمنية عثر أول أمس (الخميس) على 6 مضافات كبيرة لتنظيم “داعش” في تلال حمرين، ومناطق أخرى في أقصى شمال شرق ديالى كانت تضم متفجرات وعتاداً.
وأضاف أن العملية النوعية للحشد الشعبي أضعفت “داعش” في مناطق عدة في صلاح الدين وديالى، وخاصة تلال حمرين التي تعد من أكثر مناطق العراق تعقيداً وصعوبة من ناحية التضاريس، وهذا ما يفسر لجوء “داعش” إليها للاختباء.
وأشار الحسيني إلى أن ما عثر عليه يدل على أن “داعش” كان يستعد لشن هجمات إرهابية على أهداف أمنية ومدنية في المنطقة.
وتابع الحسيني أن عملية حمرين العسكرية كانت مباغتة وأسهمت في كشف مضافات التنظيم السرية، رغم أنه وضعها في مناطق معقدة من ناحية التضاريس، مع اعتماد طرق إخفاء، لكن المفارز القتالية للحشد الشعبي كشفتها.
مراجعات أمنية
جدير بالذكر أن عملية انتشار الحشد الشعبي الجديدة جاءت بعد أن نجح “داعش” في تنفيذ عشرات الهجمات خلال الأسابيع الماضية، وهو ما دفع الأجهزة الأمنية العراقية لإجراء مراجعة شاملة لخططها، في ظل مخاوف من تكرار سيناريو عام 2014، حيث سيطر التنظيم على ثلث مساحة العراق.
وبحسب النقيب حواس الجبوري، عضو قيادة عمليات الجزيرة، فإن المعلومات الاستخبارية تشير إلى احتمال وجود نحو 5 آلاف من عناصر “داعش”، يتحركون مستغلين التضاريس الوعرة بين محافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك، ويستخدمون في حركتهم عشرات القرى المهجورة، التي تركها أهلها بسبب العمليات العسكرية التي دارت بين عامي 2014 – 2017، التي أدت إلى إعلان العراق هزيمة التنظيم.
الجبوري قال لـ”المجتمع”: إن الأسبوعين الماضيين شهدا تسجيل أكثر من 70 هجوماً على القطعات العسكرية، تركزت كلها في المناطق المشتركة بين المحافظات الثلاث، حيث استغل “داعش” شبكة من الأنفاق التي حفرها في غفلة من الأجهزة الأمنية، واستخدمها مقاتلوه في عمليات التنقل وتنفيذ العمليات.
وأكد أن رئاسة أركان الجيش العراقي تجري عملية مراجعة شاملة لخططها الأمنية بناء على هذه التطورات، فزيادة وتيرة عمليات “داعش” تعني أن التنظيم تمكن من تأمين موقع لقياداته للتخطيط وتوفير الدعم اللوجستي لمقاتليه، والأرجح أن هذا الموقع يقع في المناطق الجبلية الوعرة التي يصعب ضبطها وتفتيشها.
يشار إلى أن العراق أعلن، في نهاية عام 2017، انتهاء المعارك مع “تنظيم الدولة” التي دارت رحاها على مدار 3 أعوام بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، سيطر خلالها “داعش” على مساحات واسعة من محافظات الموصل وكروك وصلاح الدين وديالى.